المقاتلون الأجانب اختبار سوريا والمجتمع الدولي
أخر الأخبار

المقاتلون الأجانب... اختبار سوريا والمجتمع الدولي

المقاتلون الأجانب... اختبار سوريا والمجتمع الدولي

 لبنان اليوم -

المقاتلون الأجانب اختبار سوريا والمجتمع الدولي

بقلم : يوسف الديني

«يهبنا الله اللوز، لكن لا يُقشّره لنا»، هذه الحكمة تختزل لحظة سوريا الجديدة: فرصة تاريخية، لكنها مشروطة، معقّدة لكنها ليست مستحيلة وتحتاج إلى تجاوز لغة التعميم والتبرير ومحاولة ترحيل المعضلة إلى مقاربات لا تنتمي إلى منطق الدولة ومفهومها بل إلى مفاهيم وثقافة المناخات الثورية أو «الجهادية» مثل الأنصار والوفاء لرفاق الأمس، والهدنة إلى أن يحين التمكين... إلخ.

سوريا على موعد استحقاق كبير وفرصة كبيرة بعد أكثر من عقد على الحرب، وسقوط النظام السابق في ديسمبر (كانون الأول) 2024، إذ يجد السوريون أنفسهم أمام أكبر مفترق سياسي منذ بداية الثورة. فالمجتمع الدولي، وبدعم فاعل من دول الاعتدال العربي وفي مقدمتها السعودية، ينحاز اليوم بوضوح إلى فرصة بناء دولة سورية موحّدة، ومستقرة، تُعيد تشكيل نفسها ضمن محيطها العربي، بعد سنوات من العزلة والتدويل. الرهان كبير، والثقة ممنوحة لقيادة جديدة، انطلاقاً من أن الثمن، سياسياً وأمنياً واجتماعياً، باهظ في حالة الفشل، لذلك منحُ الفرصة كان الخيار السياسي الواقعي.

ومع أن شروط رفع العقوبات وإعادة الإعمار والاستثمارات معروفة، إلا أن أكثرها تعقيداً وخطورةً هو ملف المقاتلين الأجانب. المقاتلون بشكل أساسي باتوا عبئاً متعدد المستويات: أمنياً، وقانونياً، واجتماعياً، وثقافياً. إذ لم تشهد ساحة صراع في العصر الحديث تجمّعاً دولياً للمقاتلين الأجانب كما حدث في سوريا منذ 2012، حين تحوّلت البلاد إلى نقطة جذب لعشرات الآلاف من المقاتلين من أكثر من مائة دولة -سنة وشيعة- انخرطوا في الصراع على جانبي الجبهة، وحملوا معهم أجندات تتجاوز حدود الوطن السوري.

اليوم، وبعد نهاية المعركة العسكرية، تُطرح أسئلة وجودية لمستقبل سوريا:

ما مصير هؤلاء المقاتلين؟ كيف يمكن معالجة تداعيات وجودهم؟ وهل يمكن أن تستعيد سوريا وحدتها وهويتها في ظل وجود جيوش عقائدية لا تدين بالولاء للدولة؟

ترك الملف بلا حل ليس خياراً. فبعد حرب أفغانستان، عاد «الأفغان العرب» ليؤسّسوا تنظيم «القاعدة». وفي البوسنة، خلّف العشرات من المقاتلين الأجانب جيوباً ثقافية متطرفة، أثّرت في هوية الإسلام البوسني المعتدل. وفي العراق أسهم عائدو «الجهاد» في ولادة «دولة (داعش)» لاحقاً، في حين العراق واليمن ولبنان عالقة في ميليشيات شيعية تتلبس شكل الدولة وتؤثر في استقرارها.

في سوريا المشكلة مضاعفة؛ هناك مقاتلون ما زالوا ينتشرون في الشمال أقرب إلى فكر «داعش»، ومقاتلون ضمن فصائل يدينون بطريقة شكلانية إلى جسد الفصيل الأكبر «هيئة تحرير الشام»، لكن ولاءهم مشروط بالآيديولوجيا، إضافة إلى بداية الانشقاقات الفكرية من الهجوم الشرس لإعلام «داعش» في آخر عدد وبشكل مباشر تجاه الرئيس ثم لشخصيات من رموز «السلفية الجهادية»، منهم أبو محمد المقدسي، عدا الكثير من المتن «الجهادوي» على وسائل التواصل الذي يشعر بالقلق تجاه ما يجري، والمؤثرون منهم طوائف شتى، كل منهم يحمل تصوراً خاصاً عن «الشرعية»، ويتصرف بوصفه صاحب فضل في النصر أو التضحية.

هذا الواقع يفرض على الإدارة السورية ثلاثة خيارات. أولاً: الترحيل الكامل، ويعني إخراج كل المقاتلين الأجانب من الأراضي السورية، بدعم أممي، بوصفه شرطاً أساسياً لإعادة الشرعية الدولية؛ لكنه خيار محفوف بالعقبات، فالكثير من الدول ترفض استعادة مواطنيها، والبعض فقد جنسيته أصلاً. كما أن عمليات الترحيل قد تكون شرارة جديدة للفوضى، ما لم تقترن بخطة أمنية دقيقة.

ثانياً: الدمج المشروط، ويقوم على التمييز بين من ارتكب جرائم جسيمة ومن يمكن استيعابه، خصوصاً من تزوج داخل سوريا أو عاش فيها سنوات. لكن هذا السيناريو يواجه تحفظات داخلية، ويتطلّب قدرة أمنية وقانونية عالية، وبرامج تأهيل شاملة؛ لكن بالطبع هذا الحل صعب جداً في ظل وجود مناصب قيادية للمقاتلين الأجانب وهيكلية مبنية على التراتبية التنظيمية والولاء الجزئي للفصيل.

ثالثاً: المماطلة ومعالجة الفوضى وهو السيناريو الأخطر، فإذا فشلت الدولة في معالجة الملف، يتحول المقاتلون إلى قوة موازية تهدّد السلم الأهلي، وتستدرج تدخلات إقليمية، خصوصاً على حدود العراق ولبنان وتركيا. وقد تتحول سوريا إلى مسرح دائم لإعادة تدوير التنظيمات المسلحة العابرة للحدود.

الآن الأمر واضح، ليس فقط لأن المجتمع الدولي يترقّب، بل لأن الداخل السوري بحاجة إلى دولة تعيد الاعتبار إلى المواطنة، وتنهي منطق «الولاء العابر للحدود» والشعارات الشمولية المبنية على ثنائيات طائفية أو جهوية أو حتى تاريخية تستدعي أمجاداً متخيلة، فضلاً عن ثقافة التطرف التي يمكن بعيداً عن حالة العسكرة أن تؤدي إلى تجريف الإسلام المعتدل لصالح مجتمع راديكالي محتقن وقابل للانفجار في أي لحظة.

إن علاج ملف المقاتلين الأجانب يجب ألا يكون رد فعل أمنياً فقط، بل جزءاً من رؤية متكاملة لإعادة بناء الدولة والمجتمع، قائمة على العدالة، والمحاسبة، والمواطنة، والاستفادة من تجارب الدول التي خاضت معركة طويلة وشرسة ضد الإرهاب، وفي مقدمتها السعودية، التي أدركت مبكراً أن المعركة مع الفكر لا تقل أهمية عن المعركة مع السلاح.

سوريا اليوم، بغض النظر عن الإدارة السياسية، أمام لحظة تأسيس ثانية، والنصر الحقيقي الذي بدأ بإسقاط النظام يتطلّب استدامة وجهداً سورياً مضنياً تشارك فيه كل المكونات والخبرات السورية لإقامة دولة مواطنة لا تحمل في باطنها بذور تفككها... البدء من ملف المقاتلين الأجانب هو الامتحان الأهم لإثبات أن سوريا قادرة على الانحياز إلى نفسها، قبل أن ينحاز إليها المجتمع الدولي الذي هو على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة وفرص أكبر.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المقاتلون الأجانب اختبار سوريا والمجتمع الدولي المقاتلون الأجانب اختبار سوريا والمجتمع الدولي



GMT 03:21 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

هل يتعلَّم لبنان من حكومة الشرع؟

GMT 03:18 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

الرئيس والمهاجر

GMT 03:14 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية

GMT 03:11 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

الكاميرات... و«الأخ الأكبر»

GMT 03:08 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

ملاقاة التحول والفرص المهدورة

GMT 03:06 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

«حزب أميركا»... إلى أين يقودها؟

GMT 03:03 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

كوميديان يبكي وجمهور يضحك

GMT 02:55 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

لبنان ومستوطنات إسرائيلية جديدة

ستيفاني عطاالله وزاف قصة حب تحولت إلى عرض أزياء أنيق تُوّج بزفاف ساحر

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:15 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

صحيفة "دايلي ستار" اللبنانية تُسرّح جميع موظّفيها

GMT 21:06 2023 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

أفضل العطور لفصل الصيف هذا العام

GMT 10:04 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

النظارات الشمسية الملونة موضة هذا الموسم

GMT 22:16 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

نفايات مسترجعة من تونس تسبب أزمة في إيطاليا

GMT 15:04 2023 الأحد ,07 أيار / مايو

الأطفال في لبنان بقبضة العنف والانحراف

GMT 13:07 2023 الإثنين ,20 شباط / فبراير

منى سلامة تطرّز الشوكولاته بحب والدتها

GMT 10:18 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

نيويورك تايمز" تعلن الأعلى مبيعا فى أسبوع

GMT 20:00 2022 الإثنين ,21 شباط / فبراير

فيراري تزيل النقاب عن أقوى إصداراتها

GMT 02:33 2023 الخميس ,20 إبريل / نيسان

اتجاهات الموضة في أنواع طلاء الأظافر لعام 2023

GMT 05:05 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أهم مزايا الطاولة الجانبية في ديكورات غرف النوم

GMT 21:10 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon