فرنسا الماكرونية وطريق الحرب الكونية

فرنسا الماكرونية وطريق الحرب الكونية

فرنسا الماكرونية وطريق الحرب الكونية

 لبنان اليوم -

فرنسا الماكرونية وطريق الحرب الكونية

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

هل يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى نشوب حرب عالمية جديدة، من خلال المواجهة مع روسيا، فوق الأراضي الأوكرانية، ومن حولها، وربما إلى ما وراءها عبر القارة الأوروبية؟

لعل ما يدعو إلى الدهشة ويحتاج إلى بحث معمَّق، هو تحوُّل موقف الرئيس الفرنسي من دائرة الحمائم، حيث صرح من قبل بأنه «لا يجب إذلال موسكو، وإلا فستكون هناك عواقب وخيمة»، ليتربع على قمة الصقور الأوروبيين، ويسعى في طريق إرسال قوات من النخبة الفرنسية، إلى كييف، هذا إن لم يكن قد أرسل بالفعل بعضاً منها وقت ظهور هذه السطور للنور.

من المؤكد أن هناك هاجساً كبيراً وخطيراً تمثله الانتصارات الروسية الأخيرة، في مواجهتها مع أوكرانيا، تشغل حيزاً واسعاً من عقل ماكرون؛ ذلك أنه بعد سقوط بلدة أفدييفكا وبلدات مجاورة، الشهر الماضي، أعلن الجيش الروسي السيطرة على بلدة أورليفكا الواقعة عند خط الجبهة في شرق أوكرانيا.

يوماً تلو الآخر يتأكد للقاصي والداني أن عامَين من دعم الناتو بالأسلحة لكييف لم ينفعا أو يشفعا في صد هجمات الدب الروسي، كما أن هجوم الخريف الأوكراني بدا واضحاً أنه أخفق في تغيير الأوضاع وتبديل الطباع على طول وعرض جبهة مشتعلة، مع خسائر فادحة ومكاسب إقليمية ضعيفة للغاية.

هل تخشى فرنسا من أن تتساقط أوروبا كأحجار الدومينو أمام سيد الكرملين؟

غالب الظن هذا ما يدور في ذهن ساكن الإليزيه، حيث يرى أن روسيا في عهد بوتين لن تتوقف عند حدود أوكرانيا، إذا قُدّر لها الانتصار، ولهذا يحث الأوروبيين على الاستعداد للرد، مشدداً على أنه إذا فازت روسيا بهذه الحرب، فسوف تنخفض مصداقية أوروبا إلى الصفر.

عبر أكثر من تصريح للإعلام الفرنسي، متمثلاً في صحيفة «لوباريزيان»، وقناة «فرنسا 2»، بدا واضحاً أن ماكرون عاقد العزم على أن تستعيد بلاده الدور القيادي الاستراتيجي الأوروبي في أوكرانيا، نازعاً بذلك السطوة العسكرية من بريطانيا التي كانت عظمى ذات مرة من التاريخ المعاصر، وكذلك لألمانيا التي كانت، حتى وقت قريب، قلب أوروبا الاقتصادي النابض.

تبدو فرنسا - ماكرون أول الأمر وليس آخره، وكأنها في خضم مبارزة فرنسية - ألمانية حقيقية، وفق مصدر مقرب من الرئيس الفرنسي نفسه، الذي يدرك جيداً طبيعة صراع القوى، وتغير هيراركية القوى مع المستشار الألماني أولاف شولتس.

يمكن للأوروبيين أن يتحسسوا أسلحتهم، جراء تحذيرات ماكرون، حيث تجد موقعاً في عقول وقلوب الملايين منهم؛ أولئك الذين ترهبهم احتمالات الفوز القادم لا محالة للقيصر بوتين، وساعتها قد يصبح الأمن الأوروبي بإزاء أزمة مصيرية.

يكاد ماكرون ينفخ النيران في مخاوف قديمة تتعلق بصمت أوروبا أمام هتلر، وتالياً وجدت القارة بأكملها ذاتها أمام انفلاش نازي كلفها ملايين الضحايا، وربما هذا هو السبب الرئيس الذي يحاجج به سيد فرنسا بقية الشعوب الأوروبية: «من المهم ألا ترسم أوروبا خطوطاً حمراء، مما قد يوحي بالضعف أمام الكرملين، ويشجعه على الاستمرار في غزو أوكرانيا».

لا يبدو الموقف الفرنسي من الحرب في أوكرانيا مجرد تصريحات عشوائية من رئيس البلاد؛ ذلك أن مَن يتابع حديث رئيس أركان الجيوش البرية الفرنسية، الجنرال بيير شيل، لصحيفة «لوموند» الفرنسية، يدرك أن هناك خططاً عسكرية توضع، وخرائط لوجيستية تُرسَم، لمواجهة جدية قادمة لا محالة.

«لحماية أنفسنا من الهجمات عليه، وحماية مصالحه، يستعد الجيش الفرنسي لأصعب المعارك، وهو يعلن ويظهر ذلك، كما أنه سيستجيب دائماً بجاهزية، وبغضّ النظر عن تطور الوضع على الساحة الدولية»، هكذا تكلم المسؤول العسكري الفرنسي البارز شيل، الذي أشار إلى إمكانية قيام فرنسا بنشر 30 ألف عسكري في غضون شهر، وأن لديه الموارد اللازمة لقيادة مجموعة يصل عددها إلى 60 ألف عسكري فرنسي إضافة إلى حلفاء آخرين.

إلا أن ما يزعج المراقبين العسكريين والمحللين السياسيين، أوروبياً ودولياً، تأكيد الجنرال شيل أن فرنسا سوف تعتمد على ترسانتها النووية.

تمتلك فرنسا نحو ثلاثمائة رأس نووي، وهو عدد ضئيل في مواجهة رؤوس موسكو الذرية التي تتجاوز 6500 رأس، لكنها تبقى في كل الأحوال ورقة رابحة في حال القارعة التي لن تبقي ولن تذر روسياً ولا أوروبياً.

مثير أمر الرئيس ماكرون، لا سيما حين يطالب القارة العجوز بألا تستسلم لترهيب «الدب الروسي الذي لا يُقيّد»، خصوصاً حين يؤكد أن بلاده وحلفاءها لا يواجهون قوة عظمى، عادّاً روسيا قوة متوسطة تمتلك أسلحة نووية، لكن ناتجها المحلي الإجمالي أقل بكثير من الناتج المحلي للأوروبيين وأقل من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا وفرنسا.

يخطر لنا التساؤل: عبر أي موازين قوى يفكر ماكرون؛ أهي عسكرية أم اقتصادية؟

عسكرياً أخفق الناتو حتى الساعة في المواجهة، واقتصادياً لا تبدو العقوبات الغربية برمتها قد تركت بصمة في اقتصاد الروس، الذين عرفوا كيف يديرون معركتهم مع أعدائهم، وبنجاح تدركه الدوائر الاقتصادية العالمية.

المشهد الفرنسي يدعونا للتساؤل، ومن غير أدنى درجة من حسن النيات: هل فرنسا تفكر في نشر قواتها على الأراضي الأوكرانية بصورة منفردة، أم أن هناك خطة ما للناتو، تكون فيها القوات الخاصة الفرنسية رأس الحربة، لتلحق بها قوات مماثلة من أوروبا وأميركا؟

الهواجس تلف زيارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى «داونينغ ستريت»، وأحاديث الماورائيات تتصاعد، خصوصاً في ضوء التصريحات المباشرة من وزير الدفاع الأميركي الجنرال لويد أوستن، نهار الثلاثاء الماضي؛ بأن أميركا لن تسمح بسقوط أوكرانيا، حتى لو عرقل «الكونغرس» الإفراج عن مزيد من المساعدات.

على الجانب الروسي، يظهر مدير الاستخبارات الروسية، سيرغي نارشكين، بنظارات الجاسوسية متحدثاً عن عبور نحو ألفي مقاتل فرنسي لنهر الدنيبر، لدعم الأوكرانيين.

هل حان موعد تطاير التوابيت إلى أوروبا، كما قال الروس؟

في ظل السخونة الروسية وفرنسا الماكرونية، هل سنشهد بداية مؤكدة للحرب الكونية؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا الماكرونية وطريق الحرب الكونية فرنسا الماكرونية وطريق الحرب الكونية



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:24 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
 لبنان اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 20:45 2023 الثلاثاء ,11 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 11 أبريل / نيسان 2023

GMT 17:08 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

ربيع سفياني يكشف أسباب تألقه مع التعاون

GMT 19:29 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

نائب رئيس الشباب أحمد العقيل يستقيل من منصبه

GMT 18:07 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

ساعات أنيقة باللون الأزرق الداكن

GMT 22:12 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجدي الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:14 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:04 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

للمحجبات طرق تنسيق الجيليه المفتوحة لضمان اطلالة أنحف

GMT 03:49 2024 الأحد ,17 آذار/ مارس

"Dior" تجمع عاشقات الموضة في حفل سحور بدبي

GMT 10:32 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

جرعة أمل من مهرجانات بعلبك “SHINE ON LEBANON”

GMT 09:48 2022 الأحد ,17 تموز / يوليو

تيك توك ينهى الجدل ويعيد هيكلة قسم السلامة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon