بركان غزة نيران الجمر السائلة

بركان غزة... نيران الجمر السائلة

بركان غزة... نيران الجمر السائلة

 لبنان اليوم -

بركان غزة نيران الجمر السائلة

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

شهور الموت والجوع والدمار. عاشها جميع ساكني الكرة الأرضية. الجثث والصراخ والرعب والدمار والمرض والجوع، هزَّت قلوب البشر، وعاشت في عيونهم، وهزَّت نبض القلوب في العالم غضباً. حرب ليست عالمية مثل الأولى والثانية. ما تقوم به إسرائيل في غزة، هو حرب ضد الإنسانية. شهد العالم في القرن الماضي حروباً في أوروبا وأفريقيا وآسيا. كانت أبشعها وأكثرها دموية، الحرب الأميركية على فيتنام وقبلها حرب فرنسا على الجزائر، وكذلك الحروب العربية - الإسرائيلية الأربع. في كل تلك الحروب، كانت أغلب الشعوب مغيّبة. الصحافة المكتوبة والراديو، الوسيلتان الإعلاميتان، هما ما كان آنذاك. الأمية السائدة والفقر، حالا دون قراءة الملايين لما ينشر في الصحف من أخبار عن تلك الحروب، أما الراديو فلم يتح إلا للقلة من البشر، وكانت الدول الكبيرة الغنية هي من يمتلك محطات البث الإذاعي. ما تشهده غزة هو عدوان العصر الإنساني الجديد. حرب طيَّرتها تقنية الإعلام الجديدة، إلى كل العيون والآذان والقلوب. لا جدار عرقي أو ديني أو آيديولوجي، يضع غشاوة مغالطة أو تزوير للحقائق الحية التي تنقلها الفضائيات، ويعيش في غمارها المراسلون الذين ضحى أكثر من مائة منهم بحياتهم؛ كي يضعوا في العقول والقلوب، أخبار وصور حرب الإبادة التي تهطل قتلاً بالطائرات من السماء، وتندفع دماراً من الدبابات والمدافع الإسرائيلية على الأرض.

مظاهرات مليونية خرج فيها الكبار والصغار رجالاً ونساءً في كل القارات. غزة هي الأولى في نشرات الأخبار، والعنوان الأول والأكبر في صحف العالم. قالت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، إن قرابة ألف مظاهرة شهدتها المدن الإيطالية تضامناً مع أهل غزة. وذلك ما شهدته أغلب المدن الأوروبية. في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، كان للغضب الشعبي حضور دافق. في الولايات المتحدة الأميركية ذاتها، التي تقدم لإسرائيل المال والسلاح والدعم السياسي المطلق، تدافع الآلاف في شوارع المدن الكبرى تضامناً مع الشعب الفلسطيني، ضد طوفان الإبادة الإسرائيلية الجماعية للشعب الفلسطيني. ستنتهي الحرب على الأرض، بعد وقت قريب أو بعيد. لكن نيران بركانها ستسيل على الأرض زمناً طويلاً.

لقد خرج الملايين في أصقاع الأرض في مظاهرات حاشدة إدانة للإبادة الجماعية المروعة التي نفذتها القوات الإسرائيلية ضد الأبرياء على كل غزة. في الولايات المتحدة الأميركية، تظاهر الآلاف في مدنها المختلفة، وشارك في بعضها يهود يرفعون أعلام فلسطين. وللمرة الأولى، صارت القضية الفلسطينية تفعل فعلها في الانتخابات الأميركية. الرئيس الأميركي جو بايدن المترشح للرئاسة عن الحزب الديموقراطي، قدّم مبكراً الدعم المالي والعسكري والسياسي لإسرائيل، منذ بداية حملة إبادتها للفلسطينيين في غزة، لكنه بفعل الضغط الشعبي بدأ رعشات التردد. قال في تصريح قريب، إن زوجته قالت له، إن ما تقوم به إسرائيل في غزة، غير أخلاقي. الرئيس السابق دونالد ترمب المترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري، وهو النصير الأعمى لإسرائيل، ولا يمتلك ميزاناً لكلماته، واعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وبمرتفعات الجولان كجزء من الدولة الإسرائيلية، ترمب هذا صار يطوف حذراً حول ما تقوم به إسرائيل في غزة، فهو يعلم أنه يتحدث لصندوق الانتخابات القادمة، وطوابير المصوتين سيكون من بينهم من يحمل شيئاً من دماء ودموع غزة، في رعشات يديه أمام صناديق الاقتراع. الحضور اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية، له جذور وامتداد ديني وسياسي واقتصادي، لا يغيب عن القرار السياسي، الذي يقف من دون حساب أو تردد مع إسرائيل. لكن الإدارة الأميركية، اضطرت مندوبتها في مجلس الأمن إلى ألا ترفع كف الفيتو، ضد قرار المجلس الذي يدعو إلى وقف الحرب الإسرائيلية على غزة حتى نهاية شهر رمضان. اليسار الأوروبي، عاد للانتعاش بعد سنوات طويلة، إثر الموجة الشعبوية التي لم تخلُ من أنفاس عنصرية، وبروز تيار يميني لا يخفي دعمه لإسرائيل. عشرات الآلاف من الضحايا، وجلّهم من النساء والأطفال، وليس من بينهم من يمكن تعليق تهمة الإرهاب فوق جثته، أو على جروحه، أو على بقايا بيته، سيكونون النار التي تشعل وعي الجيل الشاب في أوروبا، وتعبئ النقابات والمثقفين والعمال والطلاب، وتخلق تياراً يتحرك لمواجهة تسيّد الليبرالية السياسية، والشعبوية اليمينية، التي تستخف بأرواح البشر.

في إسرائيل كان «طوفان الأقصى»، ناقوساً أيقظ ما نام في ظلام السنين. للمرة الأولى منذ قيامها سنة 1948 يقتحم مسلحون فلسطينيون أرضها، ويأسرون عسكريين ومدنيين من مواطنيها، وتخوض حرباً على قوة عربية على مدى شهور، ويسقط فيها مئات الإسرائيليين. بركان غزة حرّك إسفيناً سياسياً في كتلة الكيان الإسرائيلي. انقسامات حادة في التحالف الحاكم، وفي صفوف الشرائح الاجتماعية. الحريديون المتدينون المتشددون، الذين يرفضون الخدمة في الجيش منذ قيام الكيان، بدأت حملة واسعة تطالب بضرورة انخراطهم في الخدمة العسكرية.

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، شخصية مركبة. منذ بدايته تربى على فكر صهيوني متطرف. والده كان تلميذاً لفلاديمير جابوتنسكي المتشدد، الذي كان يطالب بضفتي الأردن. ويدعو إلى العنف ضد العرب. منذ الحرب العالمية الأولى، إلى آخر يوم في حياته كان في معارك مع الحركة الصهيونية التي اعتبرته مغالياً في تطرفه، ورفض ديفيد بن غوريون نقل جثمانه من أميركا إلى إسرائيل، لكنه نُقل في النهاية. سنة 1976 خطف الفلسطينيون طائرة فرنسية تقل إسرائيليين وأنزلوها في مطار عنتيبي بأوغندا. أرسلت إسرائيل قوة عسكرية هاجمت الطائرة في عنتيبي لتخليص الإسرائيليين. كان من بين أفراد القوة الإسرائيلية ضابط شقيق لنتنياهو. تركت تلك الحادثة أثراً عميقاً في شخصية نتنياهو، وأضافت حطباً آخر لنار كراهيته وحقده على كل من هو عربي. في كتابه «مكان تحت الشمس»، قال إن أرض إسرائيل من البحر إلى النهر، ولا حل أمام الفلسطينيين إلا الرحيل الكامل عن ما أسماه بأرض إسرائيل التاريخية. اهتبل هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 لإبادة أهل غزة وتدمير كل ما فوق أرضها، رافضاً كل المبادرات والاحتجاجات الدولية الرسمية والشعبية.

القضية الفلسطينية التي بقيت حية على مدى سبعة عقود، انطلقت نيران جمرها الآن من بركان غزة الرهيب، الذي سيسيح جمراً في العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط. ليس من السهل معرفة قوة سائل نار غزة ومداه، لكن لا بد أنه سيتدفق.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بركان غزة نيران الجمر السائلة بركان غزة نيران الجمر السائلة



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 22:08 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

حملة ميو ميو لصيف 2021 تصوّر المرأة من جوانبها المختلفة

GMT 15:01 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 يضرب منطقة شينجيانج الصينية

GMT 12:38 2020 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزيرة الإماراتي يجدد عقد خليفة الحمادي 5 مواسم

GMT 18:03 2021 الجمعة ,17 كانون الأول / ديسمبر

تصاميم ساعات بميناء من عرق اللؤلؤ الأسود لجميع المناسبات

GMT 14:06 2023 الإثنين ,03 إبريل / نيسان

إتيكيت عرض الزواج

GMT 19:33 2022 السبت ,07 أيار / مايو

البنطلون الأبيض لإطلالة مريحة وأنيقة

GMT 11:29 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

أعشاب تساعد على خفض الكوليسترول خلال فصل الصيف

GMT 10:06 2022 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار الأحذية النود المناسبة

GMT 11:21 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

نجم تشيلسي أندي تاونسند يعتقد أن صلاح فقد الشغف

GMT 21:17 2023 الإثنين ,20 آذار/ مارس

إطلالات عملية تناسب أوقات العمل

GMT 19:34 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

ملابس صيفية تساعدك على تنسيق إطلالات عملية

GMT 16:05 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

حذار النزاعات والمواجهات وانتبه للتفاصيل

GMT 07:36 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

نوال الزغبي تستعرض أناقتها بإطلالات ساحرة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon