اقتصاد لبنان الأمل الأكبر في أهله

اقتصاد لبنان: الأمل الأكبر في أهله

اقتصاد لبنان: الأمل الأكبر في أهله

 لبنان اليوم -

اقتصاد لبنان الأمل الأكبر في أهله

د. محمود محيي الدين
بقلم : د. محمود محيي الدين

بعد أن فُجع العالم بكارثة مرفأ بيروت، وما تسببت فيه من فقد لأرواح مائتي إنسان، وإصابة الآلاف، وتشريد وتدمير بيوت مئات الآلاف، جاء رد فعل المجتمع الدولي في مؤتمر دعم بيروت والشعب اللبناني الذي دعت إليه فرنسا بمشاركة الأمم المتحدة. توافق المشاركون في المؤتمر على تقديم عون إغاثي للشعب اللبناني في شكل مساعدات عاجلة بلغت حوالي 250 مليون يورو (300 مليون دولار).

ونص البيان الصادر عن الرئاسة الفرنسية على أن هذه التعهدات المالية ستتم من خلال المنظمة الأممية ومؤسسات دولية مشاركة، وأنها ستسلم مباشرة للشعب اللبناني. أكد المؤتمر أيضاً على استعداد لمساندة نهوض الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني من أزمات متشابكة، لكن هذا الاستعداد المعلن جاء مشروطاً بإجراء الدولة لإصلاحات سياسية وهيكلية ومؤسسية.

كانت تقديرات مؤسسات دولية، قبل الكارثة الأخيرة، عن الاقتصاد اللبناني، الذي بلغت متوسط قيمته 54 مليار دولار في الأعوام الثلاثة الماضية، بأنه سيتراجع في هذا العام بأكثر من 12 في المائة، كما ارتفعت معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، فهناك عاطل بين كل ثلاثة لبنانيين. وتزامنت الأزمات الاقتصادية والمالية والمصرفية مع تفاقم الديون المتراكمة لأكثر من 150 في المائة من الناتج المحلي، وانفلات في الأسعار بمعدل تضخم سنوي تجاوز 90 في المائة في يونيو (حزيران) الماضي، وانهيار في سعر الليرة بانخفاضها بمقدار 80 في المائة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مقابل الدولار.

وفي جلسة نقاش عقدتها الجامعة الأميركية في بيروت في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، قدر الاقتصادي اللبناني جمال الصغير، أن بلاده بحاجة لضخ 25 مليار دولار من رؤوس الأموال والاستثمارات في الأجل القصير على أن ترتبط بإصلاحات نقدية ومالية ضخمة وتغييرات هيكلية عميقة تطال القطاعات الاقتصادية والمؤسسات المشرفة عليها، محذراً، كما حذر غيره من قبل، من عواقب وخيمة على المجتمع واستقرار البلاد إذا لم تؤخذ هذه الإصلاحات محمل الجد في التنفيذ. كانت هذه التقديرات والتحذيرات قبلما يعجز لبنان عن سداد قسط مستحق في شهر مارس (آذار) الماضي، بما قيمته 1.2 مليار دولار من خدمة سندات دولارية، وأعلنت بعض الدوائر المالية بعدها تقديرات باحتمال خسارة الدائنين من حملة هذه السندات 70 في المائة من قيمتها على الأقل في حالة إعادة هيكلة هذه الديون.

وأتت تداعيات الأزمة الصحية لوباء «كورونا» بأعبائها، ولتغيض معها موارد السياحة وقطاع الخدمات، وكذلك تحويلات اللبنانيين في المهجر لأهليهم، التي قدرت في العام السابق بحوالي 7.3 مليار دولار، بما يُشكل 13 في المائة من الناتج المحلي للبلاد. وقد تعرضت التحويلات المالية لمشكلات عدة في عمليات تحويلها من خلال المصارف مع قيود الصرف على حسابات الأفراد من بنوكهم، فلجأوا إلى التحويلات النقدية من خلال معارفهم من المسافرين يصحبونها معهم، ثم قيدت حركة السفر بسبب الوباء فلم يعد أمامهم إلا مكاتب تحويل الأموال، وسبب هذا كله اضطراباً في مورد حيوي لإعانة اللبنانيين واقتصادهم.

ويجري البنك الدولي تقديراته لحجم الدمار، وتكلفة إعادة البناء وإعلانها خلال الأسابيع. وفي هذه الأثناء تراوحت التقديرات المبدئية لشركات التأمين وجهات رسمية للخسائر بين 2.5 مليار دولار، و10 مليارات دولار، أي بما قد يصل إلى 18 في المائة من الناتج المحلي للبنان.
وفي مقابل ذلك كله هناك شلل في قدرة المؤسسات الضعيفة للدولة على التعامل مع الأزمات مع استفحال أزمة ثقة وغياب الحوكمة والشفافية. ويستحق هذا الأمر التوقف عنده لارتباطه بتوقعات المنظمات والمؤسسات المالية الدولية لما تعتبره إصلاحاً لازماً حتى تستطيع مساندة الاقتصاد. وقد جاءت كلمتا مديرة صندوق النقد الدولي ونائبة الأمين العام للأمم المتحدة في إطار حديثهما عن التعامل مع إجراءات التعافي

وإعادة البناء، بالإضافة إلى جهود الغوث والإعانة الإنسانية الفورية، حول اقتراح الإجراءات الآتية:
1 - تحديد أولويات المساندة الاقتصادية والاجتماعية العاجلة في ثلاثة مجالات، وهي الصحة، والغذاء، وترميم وإعادة تأهيل وبناء المساكن والمدارس والمستشفيات.
2 - استعادة الملاءة المالية لموازنات الدولة والقطاع المالي والمصرفي، وإصلاح هياكل المديونية، وعدم تكبيل الاقتصاد والمواطنين بديون لا يستطيعون تحمل أعبائها، وأرى في هذا الشأن سرعة المبادرة بترتيب لإعادة هيكلة الديون الدولية، والحصول على إعفاءات تشمل أصول الديون وفوائدها من دون إبطاء.
3 - مطالبة من استفادوا بعوائد مبالغ فيها بالمشاركة في أعباء إعادة رسملة البنوك لحماية أموال غالبية اللبنانيين الذين أودعوا أموالهم هذه البنوك.
4 - فرض قيود حماية مؤقتة على حركة رؤوس الأموال لخارج البلاد من خلال فرض قيود على الجهاز المصرفي، وإلغاء نظام سعر الصرف المتعدد لحماية الاحتياطي، ومنع الاستغلال والفساد.
5 - وضع قيود مانعة من استمرار الخسائر المزمنة في المؤسسات التابعة للدولة مع تعزيز الشفافية وتفعيل قواعد المراجعة الشاملة على حسابات المؤسسات، بما في ذلك البنك المركزي.
6 - مد مظلة الحماية الاجتماعية لحماية الفئات الأفقر والأكثر عرضة لتأثيرات الأزمات القائمة في إطار سياسة متكاملة للتعامل مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية الأعمق والأطول مدى.

وفي حوار مع أصدقاء من أهل لبنان، وهم الأدرى بشعابها، عن رد فعلهم للمؤتمر، وما أسفر عنه، كانت كلماتهم مستحسنة لرد الفعل الدولي تجاه العون الإنساني العاجل، ولكن جاء تأكيدهم أن الإجراءات المقترحة كشروط من أجل دعم الاقتصاد متعارف عليه، ولطالما طالب به وبغيره الناصحون وذوو الرأي والبصيرة من أهل الخبرة، فضلاً عن عموم الناس. وإنما الأولوية الآن للأمر السياسي، وإنقاذ الدولة من وقوع في تيه الفشل، كما حذر من قبل السفير ناصيف حتي، فالإصلاح المؤسسي الذي يؤكد عليه المجتمع الدولي ومنظماته، كشروط ضرورية لنجاح الإصلاحات الأخرى، يحتاج إلى إرادة سياسية وقوانين نافذة وسلطات فاعلة وآليات للمتابعة والمحاسبة بنتائج معلنة.

وتذكرنا التجارب بأن أفضل خبرات بناء الدول المعاصرة هي تلك التي تمتعت برغبة من أهلها في بناء المؤسسات وفق أولوياتها الوطنية وثقافتها واعتبارات اقتصادها السياسي. يذكرك هذا بما استعرضه الاقتصاديان دارون أشموجلو وجيمس روبنسون في كتابهما الشهير عن أسباب قوة ورفاه وفقر الدول في حقب تاريخية وأقاليم جغرافية مختلفة، وأشهرا سؤالهما «لماذا تفشل الدول؟»، فوجدا الإجابة في طبيعة مؤسساتها ومدى شمولها للكافة أو تحيزها. وإذا كانت بأضدادها تعرف الأشياء، فإن نجاح الدولة اقتصادياً يأتي بديهياً من تمكين مؤسساتها وبنائها.

لسنا بصدد إعادة اختراع للعجلة، ولكنها عملية تطويع لممارسات عالمية مستقرة للتوافق مع الاحتياجات، قد تختلف في الشكل والمظهر، ولكنها لا يمكنها أن تفارق مبادئ العدل ودولة القانون الحامية للحقوق والحريات الأساسية. وتظل مسألة التقدم والتخلف، وقضية نجاح الدولة وفشلها، مسألة اختيار قد تأتي مع أشد اللحظات البائسة وأحلكها بؤساً. والأمل، كل الأمل، لن يكون معلقاً على وعود للمجتمع الدولي قد تتصاعد، ثم تفتر بعد حين، عندما تأتيه مأساة أخرى تلهيه.

ولن يكون الأمل مرهوناً بنخب كالزبد تظهر وتعلو ثم تذهب كما أتت، إنما هو معلق بما يبعث دائماً على التفاؤل في حالة لبنان تحديداً ألا وهو أهلها. فإن عقدت المقارنات والمسابقات في القدرة على الصمود في ظل أشد الأزمات عنفاً، وفي الإبداع فناً وثقافة وتنويراً في الوطن والمهجر بأقل الموارد لفاز فيها اللبناني بارتياح. ألم يبهر عالم مراكز البحث والأعمال والشركات وقطاعات الابتكار والخدمات المالية بقيادات وكوادر فذة تشهد بها عواصم العالم وربوعه؟ ألم ينشر حب الحياة استمتاعاً بما تمنحه، ومشاركة في مباهجها أدباً وشعراً وغناءً وذوقاً في الملبس والمظهر؟ ألم يجعل مجرد قيامك بتناول الطعام على مائدته مناسبة للاحتفاء بك و«بكرم عينيك»؟ بأهله سيكرم لبنان بمؤسسات تليق به.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اقتصاد لبنان الأمل الأكبر في أهله اقتصاد لبنان الأمل الأكبر في أهله



GMT 19:47 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

«متعلّمة»

GMT 19:44 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

GMT 19:39 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الأطفال والإدمان التكنولوجي المسكوت عنه

GMT 19:35 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عقارات بني أسد... وهمسات التاريخ

GMT 19:29 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

للعبادة معنى أشمل

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 23:51 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
 لبنان اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 21:45 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 20:40 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 14:05 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 13:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 15:12 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

لا رغبة لك في مضايقة الآخرين

GMT 16:44 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المكاسب المالية تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 23:19 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

موضة المجوهرات الصيفية هذا الموسم

GMT 21:17 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

مكياج عروس وردي مميز لعروس 2021

GMT 19:41 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وزير الرياضة المصري يستقبل رئيس نادي الفروسية

GMT 15:12 2019 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

مشاركة 14 مصارعا جزائريّا في دورة باريس الدولية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon