موعد لبنان مع الوعد والأمل

موعد لبنان مع الوعد والأمل!

موعد لبنان مع الوعد والأمل!

 لبنان اليوم -

موعد لبنان مع الوعد والأمل

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

خلال الزيارة الرمزية الخاطفة والمهمة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العاصمة اللبنانية بيروت للتضامن مع الشعب اللبناني، بعد كارثة الانفجار العظيم التي حصلت في مرفأ بيروت، قال جملة توقف عندها الكثيرون واعتبروها أنها أهم ما جاء في هذه الزيارة، وذلك حينما صرح بضرورة أن يكون هناك ميثاق سياسي جديد في لبنان.

جاء هذا التصريح مع توقيع ما يقارب أربعين ألف لبناني على عريضة شعبية تطالب بعودة الانتداب الفرنسي إلى لبنان. يعود السؤال القديم إلى الواجهة مجدداً، وهو المتعلق بهوية لبنان، فمعضلة تأسيس لبنان الكبير أنها كانت مشروعاً لحماية هوية مسيحيي الشرق، وكان أهم رعاة تلك النظرية فرنسا كما هو معروف، إلا أن الأيام والتاريخ اللاحق أثبتا لنا أن هذا التعريف لا يتوافق عليه كل اللبنانيين، فمنهم من كان يرى أن لبنان جزء من مشروع سوريا التاريخية، وآخرون يرون أن لبنان بُعده أوروبي وأنهم «غلطة جغرافية» في الموقع الخطأ من العالم، وغيرهم يرونه عروبياً بامتياز ثقافياً وجغرافياً.

لبنان كما أثبت التاريخ هو نتاج «هجرتين خارجية وداخلية» كما وصفها بكل اقتدار المؤرخ اللبناني الراحل كمال الصليبي في كتابه القيم «تاريخ لبنان الحديث»، وكان المنتج لمعالجة الوضع المعقد المتعلق بتعريف هوية لبنان هو عهد وميثاق سياسي أدى إلى حرب أهلية مدمرة حتى جاء اتفاق الطائف ليوازن القوى التي كانت ترجح كفة طائفة على غيرها. إلا أن الطائفية والمحاصصة التي تقسم الغنائم بحسب الولاءات الضيقة بقيت هي المسيطرة، وانتقل المرض الطائفي المفتت إلى ما يشبه الوباء المميت والسرطان الخبيث الذي يفتك بالمجتمعات والأوطان لتصبح «اللبننة» وصفاً مؤلماً وواقعياً يشخص الحالة ويصف ما أصاب العراق وسوريا واليمن والصومال وليبيا بعد ذلك.

اليوم هناك فرصة تاريخية وعظيمة لأن يقدم لبنان نموذجاً مثالياً للدولة المدنية التي تجمع أبناء الوطن الواحد مهما كانت اختلافاتهم، ولكنهم جميعهم سواسية تحت منظومة الدستور الجامع وتحت حماية القضاء العادل.

مأساة لبنان الذي كان يوماً ما رئة الحرية للعالم العربي وسياحته وترفيهه وتعليمه وتطبيبه، أنه تحول إلى رئة العالم العربي المسمومة وأصبح منصة للتطرف والإرهاب والفساد، وتحولت الدولة فيه من دولة رخوة إلى دولة فاشلة، بحسب وصف المختصين والخبراء، وهو نفس الخلاصة التي توصل إليها المفكر الاقتصادي الاجتماعي الكبير جلال أمين، عندما شبه لبنان بالبلد ذي الحكومة الضعيفة والأشخاص الأقوياء أصحاب النفوذ، وهذه خلطة ووصفة مثالية للفساد والطغيان.

للروائي اللبناني القدير ربيع جابر وصف بليغ عن معاناة المهجر والاغتراب اللبناني ومعاناته مع الحنين مع أرضه وبلاده، وذلك في روايته الرائعة «أميركا» على لسان بطلة الرواية مرتا أندراوس حداد التي تجسد الحيرة المستدامة للبناني: «بلد ما فيك تتركه بس ما فيك تعيش فيه». بلد يحبه العرب وكان منصة تأثير مهمة بأشكال مختلفة على العالم العربي، تعداده أربعة ملايين في الداخل واثنا عشر مليوناً في الخارج، عُرف عن شعبه المهارة والذكاء ومهارة التصرف، ومع ذلك يحكمه فصيل إرهابي تابع لدولة أخرى، كيف سمح بذلك؟! هذا هو السؤال المحير لشعوب المنطقة.

قد يكون الغضب الشعبي الكبير الحاصل في الشارع اللبناني وتعاطف معظم المجتمع الدولي معه لحظة تغيير ممكنة لتغيير جذري في الوضع لأن البديل مخيف، وهو تفريغ كامل من الطبقة المتوسطة التي هي عماد المجتمع دوماً، وذلك عن طريق الهجرة والاغتراب مجدداً.

الهجرة والاغتراب كانت دوماً ملجأ وملاذاً للبنانيين عند مواجهة الأزمات؛ كانت الموجة الأولى عند تشققات الخلافة العثمانية، والثانية بعد نكبة فلسطين، والثالثة في نكسة يونيو (حزيران)، والرابعة خلال الحرب الأهلية، واليوم هناك من يعتقد بحلول موجة سادسة عاتية وكبيرة إلا إذا كان هناك أمل بميثاق سياسي جديد يلبي طموح الشعب المجروح.
التغيير الحقيقي في لبنان مهم لصلاح الحال في العالم العربي، لأن بقاء لبنان بحالته المرضية سيكون ذلك مشروع عدوى خطيراً يفوق خطورة «كورونا».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موعد لبنان مع الوعد والأمل موعد لبنان مع الوعد والأمل



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:09 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 10:12 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 13:32 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 17:30 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن

GMT 19:00 2022 السبت ,14 أيار / مايو

موضة خواتم الخطوبة لهذا الموسم

GMT 04:58 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 12:27 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 15:46 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

مكياج ربيعي لعيد الفطر 2022

GMT 09:02 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

لمسات ديكورية مميزة للحمام الصغير

GMT 05:47 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 22 أبريل / نيسان 2024
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon