الكوكب المصرى ورمال التريند المتحركة
أخر الأخبار

الكوكب المصرى ورمال التريند المتحركة

الكوكب المصرى ورمال التريند المتحركة

 لبنان اليوم -

الكوكب المصرى ورمال التريند المتحركة

بقلم : أمينة خيري

ما الخبر الأكثر قراءة اليوم؟ هل هو تغير المناخ وارتفاع درجات حرارة الأرض وتوقع القادم الأسوأ؟ أم اتهامات المطربة شيرين لزوجها أو طليقها حسام حبيب وهجومها على الراحل حسن أبوالسعود؟

وما التريند الأكثر رواجاً اليوم؟ هل هو الصورة الأحدث المرعبة التى نقلها لنا تليسكوب «جيمس ويب» وتحمل شكل زوبعة شديدة الشبه مع مجرة درب التبانة التى يوجد فيها كوكبنا العزيز كوكب الأرض؟ أم هى فتوى رداً على سؤال من رجل متزوج من ابنة خاله ويرغب فى الزواج بابنة خالته، ويسأل عن حكم الجمع بين زوجته وابنة عمتها؟

وما الموضوع الأكثر تداولاً على «فيسبوك» اليوم؟ هل هو مستقبل التعليم فى مصر بعد خمس سنوات، ومخرجاته التى ستُحدد شكل مصر ومكانتها العلمية والاقتصادية، ومن ثم السياسية والاستراتيجية؟ أم أنها رأى رجل دين فاضل درس الفقه والشريعة فأفتى فى أدق تفاصيل الحمض النووى الريبوزى منقوص الأكسجين الذى هو جزيئات دقيقة معروفة باسم الأحماض النووية وتحتوى على الشفرة الوراثية الفريدة بكل شخص وتنتقل تعليماتها من الوالدين إلى الأبناء الذين يحصلون على نصف حمضهم النووى من الأب والنصف الثانى من الأم، والذى يسميه أهل الطب والبحث العلمى «دى إن إيه»، فقال العالم الفاضل إنه (بناءً على دراسته للفقه المقارن والشريعة) لا يعترف بتحليل هذا الـ«دى إن إيه»، وإن الزوجة إذا حملت وهى فى عصمة رجل، يكون المولود لهذا الرجل بغض النظر عن الـ«دى إن إيه» أو غيره؟

هل «الخبر الأكثر قراءة» و«التريند الأعلى تداولاً» والموضوع الأكثر جدلاً ونقاشاً على «فيسبوك» هو حقاً الجدير بأن يشغل بالنا ويشكل وعينا؟ أو هل هو بالفعل ما يشغل بالنا ويشكل وعينا، وبالتالى بات الأكثر قراءة والأعلى متابعة وتريند؟

وسواء كانت الإجابة هذه أو تلك، الواضح والمؤكد أن الفتاوى العجيبة وفضائح الفنانين والبوركينى الحائر والبيكينى الجائر وتفاصيل الملابس التى كانت ترتديها الفتاة وقت ذبحها فى وضح النهار والإعلان عن أن الملائكة لا تدخل البيت الذى فيه خلافات زوجية وغيرها تهيمن على الغلاف الجوى المحيط بكوكب مصر.

هذا الغلاف عجيب غريب، تخاله ملتزماً إلى حد التزمت مرة، ثم يفاجئك بانفلات يصل إلى درجة الانحلال أحياناً. وفجأة يرتدى رداء الحكمة والموعظة ويكاد لا ينزل من على المنبر. صباح اليوم التالى، تجده فى شوارع وميادين التواصل الاجتماعى يهبد هبداً ويرزع رزعاً من أقصى اليمين إلى آخر اليسار.

ليس متوقعاً أو مطلوباً أن يكون المجتمع -أى مجتمع- متطابقاً أو مستنسخاً، وإلا سنكون كالجماعات الدينية التى تعمل على تخليق كوكب يرتدى زياً واحداً ويؤمن بنسخة واحدة من الدين ويتفوه بالكلام نفسه ويُقبل على الفعل ذاته. المنطقى أن يكون لكل مجتمع ملامح عامة ومعالم يمكن وصفها، تعكس توجهات وأيديولوجيات مختلفة أغلبها قابل للنقاش والاختلاف والاتفاق. أما أن يكون جميعها مخلقاً من الخبر الأكثر قراءة والتريند الأكثر تداولاً، فهذا فيه خطر داهم. لماذا؟ لأنه لا يعكس ماهية المجتمع أو مشكلاته أو احتياجاته أو حتى طموحاته. والأدهى من ذلك، أنه يغرقه فى بالوعة افتراضية يصعب الخروج منها.

وقد يُهيأ للمجتمعات الغارقة فى البالوعات الافتراضية أن خناقات الفنانين بالفعل هى أهم حدث اليوم، أو أن مشكلة الرجل الذى يرغب فى الجمع بين زوجته التى هى ابنة خاله وابنة عمتها التى هى أيضاً ابنة خالته مشكلة كونية يتوقف عليها مصير النكاح فى العالم ومن ثم مآل الجنس البشرى.

وربما ينصاع المجتمع لموقف رجل الدين الدارس لعلوم الفقه والشريعة، الرافض لعلوم الفيزياء والكيمياء والطاقة النووية والتكنولوجيا الحيوية والطب والصيدلة الإكلينيكية، ويعتقد أن مجالى العلوم يتناقضان، وذلك تحت وطأة اختيارات النقاش العنكبوتى. يحدث كل هذا فى كوكب مصر.

كوكب مصر يحتاج إلى مجلدات كثيرة لدراسته وفهم أغواره والتنبؤ بتحركاته. نُردد على مدار العقد الماضى عبارات عبقرية مثل «معركة الوعى» و«بناء الإنسان» و«مخرجات التعلم» و«الإنسان قبل الحجر أو معه أو أثناءه» وغيرها كثير. لكن ترديد العبارات لا يغنى عن جزئية تنفيذها.

والتنفيذ لا يقتصر على دور الدولة، بل على سكان كوكب مصر كذلك -أو على الأقل الجزء الذى يعى أن هناك مشكلة فى تشكيل الوعى ومحتواه وأولوياته- أن يبذلوا جهداً فى تعديل مسار الوعى فى حال ثبت أنه يحتاج تعديلاً، وذلك كلٌّ فى مجاله.

لكن أن نقف وقفة رجل واحد من أجل مناهضة أى تطوير فى التعليم، وتحديث طرق تطبيق القوانين، وتطهير ما علق بخطاب وفتاوى دينية طرحتنا أرضاً، وتجديد ما أوشك على التهاوى والتحلل من عادات وأفكار مثل زواج الطفلة، وختان البنات، وضخ العيال لتسريحهم فى التسول وقيادة التكاتك للخروج من دائرة الفقر الضيقة إلى دائرة الفقر الأوسع، حيث توريث الغلب والإبقاء على حلقة البؤس محكمة الإغلاق وغيرها، فهذا يعنى أننا سنبقى فى رمال «الأكثر قراءة» و«الأعلى تريند» المتحركة. تبتلعنا ونبتلعها ونهوى معاً يداً بيد.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكوكب المصرى ورمال التريند المتحركة الكوكب المصرى ورمال التريند المتحركة



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

بيروت ـ لبنان اليوم

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 04:02 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تصاميم جزيرة مطبخ بألوان جريئة تعرف عليها

GMT 10:40 2023 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

تعرّف على المعدل الطبيعي لفيتامين "B12" وأعراض نقصه

GMT 06:58 2023 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميسي يواجه رونالدو مجددًا في بطولة كأس "موسم الرياض"

GMT 06:51 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الذهب في لبنان اليوم الإثنين 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 18:54 2021 الإثنين ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تبون يُجدد تمسك الجزائر بمبادرة السلام العربية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon