واشنطن – الرياض بين الماضي والمستقبل
أخر الأخبار

واشنطن – الرياض... بين الماضي والمستقبل

واشنطن – الرياض... بين الماضي والمستقبل

 لبنان اليوم -

واشنطن – الرياض بين الماضي والمستقبل

بقلم : إميل أمين

تستدعي زيارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترمب والوفد رفيع المستوى المرافق له إلى المملكة العربية السعودية، طَرْح العديد من التساؤلات عن معنى ومبنى العلاقة الممتدّة منذ عقود طوال بين واشنطن والرياض، ومن ثم التطَلُّع إلى المستقبل، حيث الآفاق رحبة والآمال والطموحات واعدة.

في البداية، يَعِنّ لنا التوقف للحظات ومحاولة تقديم وصف لكل من البلدين، في إطار من الواقعية، وعدم الميل إلى التهوين أو التهويل، وذلك لتحقق أكبر قدر من الموضوعية في سياق الحديث.

أما عن المملكة العربية السعودية، فتظلّ في الحال والاستقبال، قلب منطقة الخليج العربي النابض، ورمانة الميزان في التوازنات الجيوسياسية لتلك المنطقة ذات الجغرافية المهمة للغاية ما بين الشرقين الأوسط والأقصى.

ثم في الوقت عينه، تبقى السعودية المركز الروحيّ الإيمانيّ والوجدانيّ للعالم الإسلامي، والذي يصل اليوم إلى مليارَيْ نسمة، ما يعزّز من دورها على الصعيد العالميّ.

الأمر الثالث، هو أن المملكة كانت ولا تزال أحد أهم منتجي سائل الحضارة في حاضرات أيّامنا، أي النفط، والذي يعتبر الركيزة الرئيسية في صناعات الأمم والشعوب، والمصدر الأول للطاقة مهما كثرت الأحاديث عن بدائل الطاقة، والتي لا يتوقع لها أن تحتل دور النفط قبل مرور عقود طوال.

ثم خُذْ إليك شأنًا آخر لا يقل أهمية، وهو موصول بفكرة الكثافة الديموغرافية، لأمّة شابّة عفيّة، جل تعدادها من الشباب الواعد، المقبل على الحياة والنماء، ما يفيد بأن خطر "الشتاء الديموغرافي" لا يقترب منها.

وعلى الصعيد المقابل، لا تزال الولايات المتحدة الأميركية، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، حتى القول بأنها "الأول بين متقدمين" لا يصدق كثيرًا، ذلك لأن هناك بونًا شاسعًا بينها وبين الساعين في طريق القطبية العالمية.
يمكن لأيّ محلل سياسي محقق ومدقق أن يقطع بأن روسيا الاتحادية تمتلك الكثير من الرؤوس النووية، وهذه حقيقة لا جدال فيها، لكن الرؤوس النووية، لا تعطي الدول نفوذها حول العالم بشكل قاطع.

أما الصين، فلديها الكثير من الفوائض المالية، وهذه بدورها قد تقصر في كثير من الأحيان عن لعب الدور المطلوب للقوى العظمى في دعم الاستقرار والأمن حول العالم.

أما القارة الأوروبية، قارة النهضة والتنوير، فها هي تتراجع كثيرًا جدًّا، عن الولايات المتحدة، سواء على الصعيد العلمي أو العسكري، وربما الاقتصادي في ذات الوقت.

وحدها تبقى الولايات المتحدة منطلقة في أعلى عِلّيّين، رغم كافة ما يقال عن تراجع، وقد يكون حقيقة على مستوى ومنهاج صعود وأفول الحضارات.

تأتي زيارة الرئيس ترمب، التي وصفها قبل أن تقلع طائرته من واشنطن إلى الرياض بأنها "تاريخية"، في ظلّ ولاية ثانية، لرجل غير متوقَّع، يحمل الكثير من الإثارة في قراراته، لكنه وفي كل الأحوال يدرك من هم الحلفاء الموثوقين، ومن هم الأصدقاء الذين أثبتوا في أوقات الشدائد أنهم على العهد قائمون.

الذين لديهم دالة على التاريخ، يدركون الدور الجوهري الذي لعبته المملكة في النصف الثاني من القرن العشرين، لا سيما حين اشتدَّ أوار الحرب الباردة بين حلفَيْ وارسو والأطلسي.

ربما لم يخشَ الغرب في تاريخه من شيء ما قدر خشيته من أمرين، الأول هو أن تتسرب المبادئ والإيديولوجيات الشيوعية الماركسية في العالم العربي، وأن تشيع أفكار الرفيق لينين وماركس وماركس، وسط المسلمين، والأمر الثاني، هو أن يصل نفوذ السوفيت بالقوة العسكرية إلى منابع النفط في منطقة الخليج العربيّ.

على الصعيد الأول، وقفت المملكة سدًّا منيعًا، برؤاها الدينية والإيمانية، أمام الغزوات البلشفيه الفكرية، واستطاعت أن تجابه كافّة التيارات الشيوعية التي كادت أن تتسرّب عبر مواقع أو مواضع أخرى في الشرق الأوسط.

لعبت المملكة دورًا مدافعًا عن ثوابت روحانية، شكَّلتْ حجر الزاوية في صدّ ورَدّ كافة العواصف التي اقتلعت الكثير من دول أوروبا الشرقية على سبيل المثال.

وعلى جانب الحفاظ على منابع النفط، بعيدًا عن أيّ تهديد، كانت المملكة هي اليقظة، والتي أدركت أن ثورة الإنسانية في عهد التصنيع الثاني، ستقوم على هذا النوع من الطاقة، والذي بدونه، ما كان من الوارد تحقيق أيّ تقدّم في مثلث الرأسماليّة العالمية، أي الولايات المتحدة الأميركية وأوربا واليابان.

اليوم يبدا الرئيس ترمب زيارته، والمملكة تعيش عهدًا جديدًا، يتمثّل في رؤية 2030 التي يقوم على فكرها وتنفيذ آلياتها، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تلك الرؤية التي تتسع سرديتها للبشر قبل الحجر، وللروح قبل المادة، والتي تجعل من الإنسان القضية والإنسان والحلّ.

اليوم وعلى بُعد نحو خمس سنوات من الوصول إلى 2023، تبدو هناك قفزات اقتصادية تاريخية، تخرج بالمملكة وشبابها، عماد المستقبل، من دائرة الريع النفطيّ، إلى عوالم وعواصم فكرية وروحية، تكنولوجية وتاريخية مغايرة لما سبق قبل مائة عام وأكثر.

اليوم تعيد المملكة قراة تاريخها وحضارتها، وتفتح الأبواب واسعةً لكشف رقائق حضارية عاشتها، لتنفتح أبواب السياحة واسعة، ولتستغلّ الموقع الجغرافي الخلّاب، فيما تتغير النظرة إلى الصحراء، ليجد فيها الآخرون مجالاًواسعًا، لا للتنقيب عن النفط والغاز، رغم وجودهما وأهميتهما بالفعل، بل على ساعات التأمّل، ورحلات الهدوء، والانسجام مع الطبيعة، بعيدًا عن صخب مادية لوَّثَتْ الروح بالكثير من الموبقات.

قبل وصول الرئيس ترمب بساعات، كان الأمير محمد بن سلمان يطلق شركة "هيوماين" كرائد عالمي في مجال الذكاء الاصطناعيّ.

ما الذي يعنيه هذا المشروع أول الأمر؟

باختصار غير مُخلّ، يفيد بأننا أمام عهد جديد من مسايرة الحداثة والمعاصرة للأصالة والتاريخ، ذلك أنه وفيما تمضي مشروعات تستنطق الجغرافيا، كما في مشروع نيوم العالمي، تمضي غيرها في طريق تطورات العالم الذي يقطع الكثير من الخطوات في عالم الروبوتات، والميكنة والثورة الرقمية، وما بعد الإنسان البيولوجيّ.

زيارة الرئيس ترمب في واقع الأمر، فرصة خلّاقة لتعاون وشراكات مستقبلية، تنفتح أمام الجانبين السعودي والأميركي، من أجل شراكات مفيدة للأجيال القادمة، وفي إطار من التكافؤ والاحترام المتبادل وتعظيم الفوائد.

من هنا أيضًا تبقى فوائد الزيارة معزّزة للحضور العربيّفي قلب الدبلوماسية الأميركية، إذ يمكن للرياض أن تلعب دورًا طليعيًّا ومتقدّمًا في سياق عرض القضايا الحياتية وفي مقدمها القضية الفلسطينية التي ما انفكّتْ الرياض تطالب بحقوقها التاريخية، وترفض ما يحدث من الجانب الإسرائيلي، لا سيما في غزة وغيرها من البقاع والأصقاع العربية.

منذ شباط فبراير 1945 والتقاء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس الامريكي روزفلت للمرة الأولى والوحيدة في البحيرات المرة على متن الطراد الامريكي "يو. إس. إس كوينسي"، والعلاقات السعودية الامريكية ترتقي إلى أن وصلت في الأعوام الاخيرة إلى ما يمكن أن نطلق عليه ما بعد إستراتيجية، من جراء الترابط العضويّ والهيكليّ، بين دولة تمثل سويداء القلب من الخليج العربي والشرق الاوسط، واخرى تبقى رائدةً وقائدةً في عالمنا المعاصر، وتكاد تشابه دور روما في زمن إمبراطوريّتها التليدة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن – الرياض بين الماضي والمستقبل واشنطن – الرياض بين الماضي والمستقبل



GMT 21:39 2025 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

البيان بتوقيت واشنطن

GMT 21:38 2025 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

حرب الـ12 يوماً: كيف نصرت روسيا والصينُ إيرانَ؟!

GMT 21:37 2025 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

هل من فرصة لشرق أوسط متوازن؟

GMT 21:36 2025 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

التحلّل...

GMT 21:35 2025 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

إيران... البُسطاء يدفعون الثمن

GMT 21:35 2025 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

لا قيادة إسرائيلية للشرق الأوسط

GMT 21:34 2025 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

التاريخ يعيد نفسه في ليبيا

GMT 21:33 2025 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

واشنطن و«الناتو»... مستقبل «إمبراطورية الدعوة»

درّة زروق بإطلالات كاجوال مثالية في صيف 2025

بيروت ـ لبنان اليوم

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 22:19 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 14:20 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ساعات يد أنثوية مزينة بعرق اللؤلؤ لإطلالة

GMT 04:58 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 18:42 2021 الخميس ,30 كانون الأول / ديسمبر

طريقة سهلة لصبغ الشعر في المنزل للعام الجديد

GMT 15:39 2022 الخميس ,20 كانون الثاني / يناير

طريقة إزالة آثار الحبوب السوداء من الجسم

GMT 17:42 2022 الأحد ,23 كانون الثاني / يناير

3 فنادق فخمة في روسيا من فئة الخمس نجوم

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 23:14 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

يوسف عنبر مدربًا للمنتخب السعودي

GMT 08:28 2022 الإثنين ,11 إبريل / نيسان

موديلات متنوعة لأحذية السهرة لإطلالة أنيقة

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 10:51 2020 الأحد ,26 إبريل / نيسان

انضمام هند جاد لـ "راديو9090" خلال شهر رمضان

GMT 16:03 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 2.5 يضرب منشأة فوردو النووية في إيران

GMT 09:05 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تنسيق الفستان الأبيض تحت العباية المفتوحة في موسم 2025

GMT 09:59 2024 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

أبرز العطور التي تتناسب مع أجواء الخريف

GMT 02:47 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير حلى التوفي البارد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon