عن «كورونا» والتعليم التقليدي

عن «كورونا» والتعليم التقليدي

عن «كورونا» والتعليم التقليدي

 لبنان اليوم -

عن «كورونا» والتعليم التقليدي

هاني عوكل
بقلم : هاني عوكل

قبل جائحة «كورونا» كانت المؤسسات التعليمية منشغلة في مسألة التحول من التعليم التقليدي إلى الذكي، وهو الذي يوجب الدراسة عن بعد بوساطة توظيف التكنولوجيا واستخدام الألواح الإلكترونية التي تمكن الطالب من متابعة حصصه الدراسية وحلها مع المدرسين من المنزل.
الكثير من المؤسسات التعليمية في العالم انبرت لتأهيل كوادرها التعليمية للتعامل مع هذه التقنيات، وكذلك مهدت للطلبة بعض الحصص الدراسية عن بعد في سبيل تمكين التعليم عن بعد شيئاً فشيئاً في خططها واستراتيجياتها التعليمية، وظهور فيروس كورونا عزز هذه المسألة ودفع بالكثير من المؤسسات للتحول إلى التعليم عن بعد.
على أن هناك من يدافع بقوة عن ضرورة الفكاك من التعليم التقليدي واعتماد آليات تسرع التحول الكامل إلى التعليم عن بعد أو ما يطلق عليه التعليم الذكي، تحت يافطات أن التعليم العادي تقليدي لا يلبي احتياجات سوق العمل ولا يراعي الثورة التكنولوجية التي نعيش غمارها في هذا الزمان.
هذا الرأي يرفض التعليم العادي المرتبط بذهاب الطلبة إلى مدارسهم وجامعاتهم للحصول على العلم، ويقصر العملية التعليمية برمتها على الحصول على المعلومة من الألواح الذكية والشروحات والتطبيقات الإلكترونية، ويؤكد أنه لا ضرورة لعودة الطلاب للانتظام في مواقعهم التعليمية بعد انحسار «كوفيد - 19».
في الحقيقة لا أحد ينكر أهمية التكنولوجيا ووظائفها المتنوعة في عصرنا الحالي، فضلاً عن أهمية استخدامها في أوقات الضرورة كما حصل مع بعض الدول التي ارتأت استكمال العملية التعليمية من المنزل دون أن تتوقف المسيرة التعليمية ويضيع العام الدراسي على الطلبة.
استثمار التكنولوجيا واستخدام التعليم الذكي أمر جيد ولا غبار عليه، ويمكن تطبيقه في أوقات الأزمات وغير الأزمات كذلك، إذ إن المهم في الأمر هو وصول المعلومة بطريقة صحيحة بحيث يستوعبها الطالب، وهناك منافع ومزايا وعيوب للتعليمين التقليدي والذكي.
في أي ميزان ينتصر التعليم التقليدي على الذكي، لأسباب كثيرة أولها يتعلق باكتساب الطالب مهارات تتجاوز الدراسة والانتفاع العلمي.
يكفي أن يذهب إلى المدرسة ويتفاعل مع زملائه ومدرسيه ويمارس الأنشطة الصفية واللا صفية أيضاً، وإذا أراد يمكنه ترسيخ العلاقات الاجتماعية من بوابة المدرسة.
التعليم التقليدي يتجاوز في أبعاده الكثيرة مسألة تلقي المعلومات، إذ إن الطالب لا يحصل عليها والسلام ختام، وإنما يتعلم هناك الأدب والأخلاق وكيف يتفاعل مع أقرانه بكل احترام ومودة، وفي المدرسة التربية الأخلاقية والدينية والاجتماعية، وكذلك الرياضية والعديد من الأنشطة المتنوعة.
ثم إن الطالب بحاجة إلى الحركة وقتل الفراغ بممارسة أنشطة مصاحبة للمدرسة من حيث الاستيقاظ مبكراً، وتناول وجبة الإفطار وتعلم احترام الوقت بالوصول إلى المدرسة في الوقت المناسب، وهذه ثقافة جميلة تحسب للطالب في نشاطه الدماغي والجسدي، وهكذا يوظف طاقاته ووقته في أشياء مفيدة.
بذلك فإن المدرسة ليست بيئة تعليمية فقط وإنما هي أكبر من ذلك، والتعليم الذكي لا يفهم هذه الإشارات لأنه يقوم على التعليم عن بعد، من حيث إن الطالب يحصل على المعلومة من المدرس وفي أحسن تقدير يتحقق التفاعل بينهما، لكنه ليس أبداً كتفاعل الطالب مع المدرس في الصف.
الفرق بين التعليم التقليدي والذكي، أن في الأول يحصل الطالب على المعلومة من المدرس بشكل أفضل، والتفاعل أفضل كذلك ويمكن للمدرس التعرف إلى مهارات الطلبة ومعرفة نقاط قوتهم وضعفهم أيضاً، وتنمية النواقص لديهم بالتدريب واكتساب مهارات جديدة تعليمية صرفة أو ثقافية عامة.
أما التعليم الذكي فهو دون روح وكثيراً ما يتحول إلى تعليم تلقيني مشحون بالملل، فقط أقصى ما يكسبه الطالب هو الحصول على المادة التعليمية وتطوير مهاراته في استخدام التكنولوجيا، لكن أيضاً ثمة مخاوف كبيرة من احتمالات إساءة استخدامها في طرائق سلبية.
كارثة ستحل على المجتمعات إذا رفعت الدولة يدها تماماً عن التعليم التقليدي واستبدلته بالتعليم الذكي، وهي كارثة لا تتصل بالجانب المادي من حيث الاستغناء عن الكوادر التعليمية واختصار العملية التعليمية فحسب، وإنما هي كارثة اجتماعية وأخلاقية وقيمية سيدفع المجتمع ثمنها لاحقاً.
الأولى أن يكون التعليم التقليدي في طليعة أنواع التعليم التي تستدعي ذهاب الطلبة إلى المدرسة والالتزام بالحصص الدراسية، وأن يكون التعليم الذكي مسانداً ومعززاً للتعليم التقليدي وليس أن يكون بديلاً عنه؛ لأن الهدف لا يتصل ببناء وصقل مهارات تعليمية فقط، وإنما الأهم من ذلك هو بناء الإنسان بتحصينه أخلاقياً واجتماعياً وعلمياً ومعرفياً.
التعليم التقليدي ليس تعليماً غبياً، بل هو أذكى من التعليم الذكي لأنه أوسع منه في كمية الحصول على المعارف والمكتسبات والأنشطة المدرسية وخلافها، وقد يعيش الطالب من وراء التعليم الذكي في عزلة اجتماعية تضغط عليه نفسياً وجسدياً إلى حد كبير.
النتيجة أن التعليم الذكي لا يبني الإنسان الاجتماعي ولا يؤسس لمجتمع متلاحم.
التعليم الذكي ينبغي أن يوظف في الإطار الصحيح وأن يكون حاجة أكثر من أن يكون ضرورة كل الوقت، لأن العبرة في بناء الأجيال وتحقيق التنمية المتوازنة المستدامة إنما عمادها التعليم التقليدي.
التعليم الجيد هو التعليم الذي تكتمل حلقاته التعليمية من حيث وجود نظام تعليمي متين يعتمد على كفاءات تدريسية، وكذلك على برامج ومادة تعليمية دسمة تحقق الهدف المنشود، والأهم على تفاعل وتواصل حسي وملموس بين كامل أطراف العملية التعليمية.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «كورونا» والتعليم التقليدي عن «كورونا» والتعليم التقليدي



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 20:00 2022 الإثنين ,21 شباط / فبراير

فيراري تزيل النقاب عن أقوى إصداراتها

GMT 20:40 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 19:28 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الموت يُهدد حمادة هلال في "المداح"

GMT 02:03 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

مشاهير عالميون حرصوا على أداء مناسك عمرة رمضان 2024

GMT 15:04 2023 الأحد ,07 أيار / مايو

الأطفال في لبنان بقبضة العنف والانحراف
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon