النكبة ورواية الآخر

النكبة ورواية الآخر

النكبة ورواية الآخر

 لبنان اليوم -

النكبة ورواية الآخر

عاطف أبو سيف
بقلم : عاطف أبو سيف

ربما تمر ذكرى النكبة الأليمة هذا العام ونحن نعيش أوضاعاً خاصة، تتعلق بما أشرنا له سابقاً حول تعاظم محاولات دولة الاحتلال توطين نفسها في المنطقة عبر الاختراقات المقلقة التي تتم في الرواية العربية وجهود التطبيع الثقافي التي كانت أبرز محاولاتها الحالية بعض المسلسلات والبرامج التي تبث هذا الشهر الفضيل والتي تعكس خللاً في الجبهة الثقافية العربية وتشكل اختراقاً كبيراً في بعض مسلمات تلك الرواية، بل وتذهب في مواضع مختلفة إلى إسناد الرواية الصهيونية.

والأمر بالأمر يذكر فإن حالة الاختراق ليست جديدة فمنذ زمن ليس بقصير صار وجود الناطقين باسم جيش الاحتلال والخارجية الإسرائيلية وما يسمى المحللين والكتاب الإسرائيليين ضيوفاً عاديين ودائمين على كبريات الفضائيات العربية المتناحرة في ريادة الإعلام العربي. وأيضاً يمكن رصد مئات الشواهد حول هذا الاختراق المتراكم الذي أشد ما يمكن أن نخشاه أن يبدو طبيعياً مع الوقت، للأسف.السعي الصهيوني لإحداث هذا الاختراق في استغلال وتوظيف لكل الظروف التي تمر بها الأمة العربية يجب أن يدفعنا للتفكير جدياً في تصليب المشروع المضاد بما يضمن حماية الجبهة الثقافية العربية لأن الثقافة هي السد المنيع والظهر الصلب خلف السياسي، وفي الوقت الذي تعجز فيه السياسة عن التعبير الأمثل عن المقولة الوطنية فإن الثقافة بتعبيراتها وتجلياتها المختلفة تبرع في تقديم الحكاية الوطنية بوصفها مسلمة من مسلمات الوجود.

مثلاً لاحظ كيف أن الشخصيات الإسرائيلية من العسكر وغيرهم باتوا يتحدثون ليل نهار على الفضائيات العربية وبعضهم بات يطلق مواقع وصفحات تواصل بعد ذلك من أجل التواصل مع المواطنين العرب.ناهيك عن الوفودوالفرق الرياضية والاجتماعات وغيرها التي تحاول أن تقدم دولة الاحتلال بوصفها مواطناً صالحاً في المنطقة.والأمر نفسه ينسحب على الزيارات وبعض ضعاف النفوس ممن يزورون دولة الاحتلال. وفيما لا يمكن الوقوف في وجه زيارة المواطنين العرب لفلسطين لأن هذا جهاد كبير وتحمل أكبر فزيارة السجين لا تعني التطبيع مع السجان،  لا يمكن تفهم كيف يبيح البعض لنفسه زيارة فلسطين عبر التنسيق مع الاحتلال والحلول ضيوفاً عليه.

ثمة نسق غريب لا يمكن تجاهله يتمثل في الانزياح التدريجي الذي تحاول دبلوماسية دولة الاحتلال الرقمية إحداثه في توطين إسرائيل رقمياً في طريق توطينها فعلياً، ويشمل هذا الإعلام الحقيقي والاجتماعي كما يشمل الاختراقات المرئية والمسموعة.حدث هذا بالتدريج وأعتقد أننا بحاجة لدراسة السياقات التي تم خلالها وكيف تم حدوث الأمر حتى نعالجه بشكل أكثر نجاعة.فما تم ليس مجرد عرض مسلسل تلفزيوني على أقل افتراض يقوم بتغيير الحقائق بما يبرر بعض أهم أركان الرواية الصهيونية حول سرقة فلسطين وفي آخر المساس بوحدة الحال العربية وتمزيقها وتصوير التعاون مع دولة الاحتلال بأنه أمر واقعي وواجب.

عموماً ونحن نحيي ذكرى النكبة ونتذكر كل الآلام والعذابات التي عاشها شعبنا وهو يجبر تحت تهديد السلاح على ترك أرضه علينا أن نتذكر كل السابق. وإذا كنا نسعى إلى ألا ننسى وقد أثبتت السنوات أن الكبار يموتون والصغار يصبحون أكثر تمسكاً بالأرض وبالعودة إليها، فإن علينا أن نتذكر أن عدونا لا يكل ولا يمل، ويعمل ليل نهار من أجل تمرير الكذبة التاريخية عن وجوده المزعوم على هذه الأرض.وبقدر نضالنا من أجل الحفاظ على ذاكرتنا بالقدر الذي علينا أن نواصل السعي لحماية الذاكرة الجمعية للأمة التي يحاول العدو اختراقها وتشويهها حتى يتلاعب بمصالحها بشكل أكبر.

ومرد ذلك أن سرقة فلسطين واحتلالها بعد تهجير أهلها وتدمير مدنها وقراها لا يعنيان أن المنتصر بات صاحب الأرض.والأكثر من ذلك فإن وجود المحتل المؤقت غير معزز بـأي شواهد مادية في التاريخ باستثناء الأساطير والخرافات والحكايات التي لا أصل لها في متون ما تتوارده الشعوب عن الأرض.بعبارة أخرى فإن نهم العدو إلى تشويه الرواية القومية عن فلسطين ومحاولة جعل البعض يتبنى روايته هو لشعوره القاتل والقاهر بأنه ليس جزءاً من حكاية الوجود على هذه الأرض.العربي الفلسطيني وحده البطل الحقيقي للحكاية وهو من يملك مفاصلها ويستطيع عبر تسلسل زمني أن يثبت في كل عام وجوده على هذه الأرض.

الآن أكثر من سبعة عقود مرت على سرقة البلاد وعشرات سنوات أخرى يمكن إضافتها لها من محاولات تزوير التاريخ عبر البعثات الاستكشافية الغربية لم يتم التدليل ولو بلقى أثري واحد على أصغر الأكاذيب عن هذا الوجود العابر حتى بنصوصهم، وعليه فإن الاحتلال وكل أفعاله لم تستطع أن تغير شيئاً مثل أن الطفل الفلسطيني أول شيء يتعلمه بعد «بابا» و»ماما» اسم قريته أو مدينته.ومع الوقت يتشرب المعلومات الكثيرة عنها والتي تصل حد بعض التفاصيل التي يتوارثها من لهجات فرعية أو أمثال أو أكلات أو قصص شعبية.

البديل الذي يسعى له الاحتلال أن يستعيض عن هذا الغياب في الحكاية بتزوير حقائق يسعى لاقناع الآخرين بها. بالطبع الفلسطيني ميئوس منه لأسباب كثيرة لذا يتم تعويض كل هذا الغياب بحضور وهمي عبر الاختراق الثقافي.
إذا هذا ليس اعتباطاً ولا مجرد مسلسل أو مقابلة تلفزيونية بل إن أبعاده أكبر بكثير من كل ذلك. وفيما يجب سد كل الثغرات وقطع جميع المحاولات التي يقوم بها الاحتلال من أجل أن يسكن في روايتنا عن بلادنا العربية وعن أجمل بقاع الأرض فلسطين علينا أن نعيد ترتيب أوراقنا الداخلية بما يعزز ويكثف مقومات الرواية القومية عن فلسطين العربية وهذا يجب أن يتم ايضاً بالتأكيد على درس النكبة أو السلاح الأبرز لمواجهتها والمتمثل في عبارة «لن ننسى».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النكبة ورواية الآخر النكبة ورواية الآخر



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 13:48 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:47 2021 الأربعاء ,18 آب / أغسطس

إطلالات أنيقة وراقية للفنانة اللبنانية نور

GMT 19:08 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

الجزائري مبولحي يخضع لبرنامج تأهيلي في فرنسا

GMT 08:14 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

غويتريش يُحذر من حرب معلومات مضللة في قطاع غزة

GMT 15:51 2023 الإثنين ,24 إبريل / نيسان

شركة طيران الشرق الأوسط تتأهّب لموسم الصيف
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon