الكورونا وتحوُّل العالم إلى سجن

"الكورونا" وتحوُّل العالم إلى سجن

"الكورونا" وتحوُّل العالم إلى سجن

 لبنان اليوم -

الكورونا وتحوُّل العالم إلى سجن

عادل الأسطة
بقلم : عادل الأسطة

آخر رواية قرأتها هي رواية «العوسج» للفلسطيني عبد اللطيف مهنا، وهي روايته الأولى على الرغم من أنه من مواليد ١٩٤٧، وله من الإصدارات ثلاث مجموعات شعرية ونص «أعشق صبراً وأشترط» (١٩٧٨). أما مجموعاته فهي: كأنها هن (١٩٩١)، إنها هن (٢٠٠٠)، ليتها هن، مخطوط.

وله أيضاً نص ينتمي إلى الأدب السياسي «إضاءات/ ابتهالات للوطن... شهادات للآتي» (١٩٩٢).
وله، وهو فنان تشكيلي، كتاب «Art» (صدر في بودابست، في ٢٠١٣).

 «العوسج» هي روايته الأولى والأخيرة وقد أنجزها في ٧ أيلول ٢٠١٩، (صدرت هذا العام في رام الله عن دار الرعاة). ولست هنا لمحاكمتها نقدياً والكتابة عن أزمنتها المتعددة؛ الروائي والسرد والكتابي وزمن الكاتب وزمن القارئ وزمن القراءة... إلخ، فما استهواني وأنا أقرأها هو أن يكتب شاعر، وهو في الثالثة والسبعين من العمر، رواية وأن يعود إلى شبابه وهو في العشرين، ويكتب عن تجربة اعتقاله في السجون العربية في دولة خليجية ذهب إليها ليعمل في إحدى صحفها رسام كاريكاتور، وكان أن دُبرت له مكيدة فزُج به في السجن واتُخذ قرار بترحيله إلى بلده الذي اكتمل احتلاله، وهو في السجن - أي في ١٩٦٧، فإلى أين سيرحل؟

الرواية التي لا يصرّح فيها باسم ذلك البلد النفطي، وإنما يلمح إليه، تذكّر قارئ الأدب العربي بأدبيات السجن الوطني من شعر وقصة ورواية، وتتقاطع، إلى حد ما، مع رواية عبد الرحمن منيف «شرق المتوسط» في التعميم وعدم التخصيص.

ذكّرتني الرواية التي تكتب عن العامين ١٩٦٦ و ١٩٦٧ برواية غسان كنفاني «أم سعد» ١٩٦٩ التي ترى أن هناك أكثر من سجن في حياتنا وأن السجن لا يقتصر على السجن السياسي:
«أتحسب أننا لا نعيش في الحبس؟ ماذا نفعل نحن في المخيم غير التمشي داخل الحبس العجيب؟ الحبوس أنواع يا ابن العم! أنواع! المخيم حبس، وبيتك حبس، والجريدة حبس، والراديو حبس، والباص والشارع وعيون الناس.. أعمارنا حبس، والعشرون سنة الماضية حبس، والمختار حبس.. تتكلم أنت عن الحبوس؟ طول عمرك محبوس.. أنت توهم نفسك يا ابن العم بأن قضبان الحبس الذي تعيش فيه مزهريات؟ حبس، حبس، حبس، أنت نفسك حبس.. فلماذا تعتقدون أن سعد هو المحبوس؟».
فالسجن أو الحبس كما في قول أم سعد يتسع داله ليعني مدلولات عديدة وهي محقة بذلك عموماً، فنحن غالباً ما نرى في العادات والتقاليد والوظيفة والعادة، بل والمال وجمعه، سجناً، فيغدو المرءُ منا أسيراً لشيء أو لعادة يسجن نفسه فيها، كما سجن الروم الشاعر «أبو فراس» الحمداني، فكتب قصيدته «أيا أم الأسير».
الشاعر مظفر النواب كتب في قصيدته «ثلاث أمنيات على بوابة السنة الجديدة» المقطع الآتي:

«فهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر.. سجون متلاصقة.. سجان يمسك سجاناً».
هل يختلف ما قاله عما ورد على لسان الشاعر راشد حسين في قصيدة محمود درويش «كان ما سوف يكون»:

«ليتني كنت طليقاً في سجون الناصرة».
كان راشد حين قال ما قال في القاهرة، ولسوف يعود محمود درويش نفسُه في رثائه ماجد أبو شرار ليكتب:
«وكان السجن في الدنيا مكاناً.. فحررنا ليقتلنا البديل».
لم يقتل السجن الـ «نحن» التي ينطق الشاعر باسمها بل حررها، والمفارقة أن بديل السجن هو القاتل.
منذ آذار ونحن نعيش حالة أشبه بالحالة التي تحدثت عنها أم سعد، ومنذ هذه الفترة لم يقتصر الأمر على العالم العربي وحده، فقد اتسع ليشمل المعمورة، ولقد صار العالمُ كلُّه سجينَ الخوف، وهو ما لم يكن عليه في يوم من الأيام.

هل صار العالم كله سجناً كبيراً؟ وماذا لو بُعث عبد الرحمن منيف من قبره وعاش ما نعيش ورأى ملاعب كرة القدم في أوروبا، لا في دول الخليج، بلا مشجعين؟ هل سيعتقد أن البشرية كلَّها زُج بها في سجون شرق المتوسط؟ وماذا سيكون عنوان الرواية التي سيكتبها؟
 

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكورونا وتحوُّل العالم إلى سجن الكورونا وتحوُّل العالم إلى سجن



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 18:07 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منافسة قوية بين ريال مدريد وأرسنال على ضم فلاهوفيتش

GMT 14:58 2021 الثلاثاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

هيفاء وهبي تضج أنوثة بملابس كاجوال ناعمة

GMT 07:33 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

ابتكار إطارات ذكية تقرأ مشاكل الطريق وتحذر

GMT 21:43 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

الأهلي المصري يعلن شفاء بانون من كورونا

GMT 15:59 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تأجيل أولمبياد طوكيو يكلف اليابان 2 مليار دولار

GMT 05:55 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

هزة أرضية قوية تضرب وهران الجزائرية

GMT 13:25 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

طرق لإضافة اللون الأزرق لديكور غرفة النوم

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 15:58 2023 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل العطور الرجالية لهذا العام

GMT 15:41 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

أحذية مسطحة عصرية وأنيقة موضة هذا الموسم

GMT 05:28 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

نسرين طافش تَسحر القلوب بإطلالة صيفية

GMT 08:42 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

اتجاهات الموضة في الأحذية لربيع عام 2022
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon