عن الحالة الليبية وغياب النظام العربي

عن الحالة الليبية وغياب النظام العربي

عن الحالة الليبية وغياب النظام العربي

 لبنان اليوم -

عن الحالة الليبية وغياب النظام العربي

صادق الشافعي
بقلم : صادق الشافعي

نعم يمكن اعتبار ليبيا وما جرى ويجرى فيها ولها «حالة».
ويمكن الإضافة ان هذه الحالة الليبية هي واحدة من أبرز الأمثلة على غياب النظام العربي بشكل عام وافتقاد أي دور له وغياب أي قدرة على الفعل والتأثير.
الحالة الليبية بوصفها وخصائصها الحالية بدأت وما زالت مستمرة منذ سقوط نظام القذافي.

لقد ترك نظام القذافي ليبيا بعد عشرات السنين من استقراره وانفراد بحكمها، خاليةً من وجود قوى سياسية - او مجتمعية- منظمة ولو بالحد الأدنى ومؤهلة لتشكيل البديل وملء الفراغ السياسي وإدارة شؤون الدولة.

المسؤولية الأولى في ذلك تقع على حكم القذافي الذي احتكر الدولة بجميع مكوناتها ومؤسساتها لصالح مؤسسة الرئاسة التي كان ينفرد بها، ويجيّر لخدمتها مؤسسة الأمن التي كان أيضاً يسيطر عليها ويتحكم بها.

كان يمكن لليبيا- وما زال- ان تكون واحدة من أفضل الدول العربية، ومن بين دول العالم المستقرة والمزدهرة أيضاً. فقد حباها الله والطبيعة كثيراً من الامتيازات التي تتنوع وتتكامل فيما بينها لتكون كذلك.

- ساحل بطول اكثر من 1000 كلم على البحر الأبيض المتوسط على «مقرط عصا» من سواحل الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط بكل ما يعنيه ذلك من امتيازات. وبعمق داخل البلاد يمتد الى 200 كم او أكثر.
وبكل ما يوفره مناخ البحر المتوسط من فرص في مجال زراعة منتوجات البحر المتوسط مثل الحمضيات والزيتون وغيرها.
- تنوع مناخي من شرق اوسطي بإمكانات ما تم ذكره، الى صحراوي بمساحات واسعة جداً وما يوفره من إمكانات مختلفة في مجالات أخرى. الى مناخ قريب من مناخ أوروبا الوسطى كما في مناطق الجبل الأخضر وما يوفره من إمكانات أخرى ومنها السياحة.
- مساحتها الواسعة والمتجاورة حدودياً مع عدد كبير نسبياً من الدول العربية والافريقية وما يوفره من امكانات التجارة والتبادل.
- ثم هناك الثروة النفطية السخية وذات النوعية المتميزة حتى أصبحت صناعات بعض الدول الأوروبية تبرمج مصانعها وصناعاتها لتتوافق مع خصائصها.

لم تحصل الاستفادة من كل ما تقدم لا في بناء مجتمع متماسك وفاعل وعلى درجة عالية من الاكتفاء وبحبوحة العيش، ولا في بناء دولة قوية ومزدهرة، خصوصاً وان عدد سكان ليبيا ظل اقل من خمسة ملايين نسمة.
البديل كانت شطحات القذافي المغامرة وبالذات في افريقيا.

والدليل الحسي على ذلك أن من وضع شارة النهاية على القذافي ونظامه كانت القوات الأجنبية المتدخلة وليس أهل البلاد وقواهم.
إرث القذافي هو ما فرض نفسه على شكل وطبيعة ومحتوى التشكيلات التي حكمت ليبيا بعد غيابه، كما فرض نفسه على المجتمع وقواه المكونة، فجاءت على شكل فوضى وصراعات قبلية ومناطقية، وطموحات سلطوية وفوضى عارمة تشمل كل مكونات الدولة ومرافقها، وتراجع غير عادي في مقومات الحياة واحتياجاتها.

هنا يسجل أحد تجليات غياب النظام العربي التام، وتظهر بديلاً عن ذلك اختلافاته وعجزه في تقديم العون المطلوب لدولة ليبيا، وللشعب الليبي بالدرجة الأهم.
لقد باتت ليبيا بكل أهلها وقدراتها ومقوماتها أرضاً مفتوحة ومستباحة لصراع وتنافس لكل صاحب طموح ومصلحة مهما كان نوعها، وسواء كان من الداخل الليبي او من الخارج على اتساعه في الغالب، او في التفاهم والتلاقي بينهما.

الدور التركي بذاته ومشاريعه وطموحاته الخالصة حضر بكل قوة وطموح عالٍ واصرار وشراسة، وأحضر معه آلاف من المرتزقة من مختلف الجنسيات يتحركون حسب حاجته وينفذون مخططاته وأوامره.

وهذا الحضور والطموح اصطدم مع طموحات القوى الأخرى على تنوعها، ما أعطى الصراع حول ليبيا بعداً مناطقياً يتركز بشكل خاص حول البحر الأبيض والمتوسط والدول المطلة عليه والمتشاطئة حوله بالدرجة الأولى والدول الأوروبية بشكل عام، وحول حقوقها وحصصها في الثروات الكامنة في أعماقه.

النظام العربي لم يحرك ساكناً، بل ظهرت فيه خلافات وانقسامات وانحيازات تصل حد التصارع، ولم يصدر عنه أي موقف يقترن بفعل مؤثر ولا مشروع حل ولا خطة عمل.
مصر هي الوحيدة التي تدق رجلها في الأرض مدفوعة بالدرجة الأولى بحماية حدودها وسيادتها الوطنية، خصوصاً وأن المرتزقة الذين أحضرتهم ليبيا ينسقون ويتعاونون مع زملائهم في الإرهاب في الداخل المصري.

حال الفوضى والصراعات القبلية والمناطقية، إضافة الى غياب النظام العربي وعجزه عن القيام باي دور وكل دور، هما ما فتح الباب واسعاً ومرحباً امام كل اشكال التدخل الخارجي/ الأجنبي، سواء جاء ذلك دفاعاً عن المصالح الخاصة القائمة، او الطموح بفرض وجود ومصالح جديدة واقتطاع حصة من الكعكة الليبية. او حماية أمن المناطق المحيطة بليبيا والمتصلة معها تحت شعار حماية أمن واستقرار حوض البحر الأبيض المتوسط وحماية مصالح دوله.
هذا الحال، ما زال مستمراً في جوهره وعمقه، وكل ما يسمى مقدمات او مؤشرات على تحقيق تسوية او حل، يبقى في باب التفاؤل، او في باب التسكين والتأجيل وكسب الوقت، وعقد الصفقات.

بدون برنامج للحل يضعه ويتفق عليه النظام العربي، وهو أمر لا يبدو مأمولاً، او تتفق عليه وتضعه عدد من الدول العربية الرئيسية، يعمل بكل جدية ومسؤولية، ويتكامل ويدعم وينسق مع جهود مخلصة تبادر لها قوى من المجتمع الليبي ومكوناته، بدون ذلك لن يكون هناك حل حقيقي ومستقر للحالة الليبية.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الحالة الليبية وغياب النظام العربي عن الحالة الليبية وغياب النظام العربي



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 22:08 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

حملة ميو ميو لصيف 2021 تصوّر المرأة من جوانبها المختلفة

GMT 15:01 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 يضرب منطقة شينجيانج الصينية

GMT 12:38 2020 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزيرة الإماراتي يجدد عقد خليفة الحمادي 5 مواسم

GMT 18:03 2021 الجمعة ,17 كانون الأول / ديسمبر

تصاميم ساعات بميناء من عرق اللؤلؤ الأسود لجميع المناسبات

GMT 14:06 2023 الإثنين ,03 إبريل / نيسان

إتيكيت عرض الزواج

GMT 19:33 2022 السبت ,07 أيار / مايو

البنطلون الأبيض لإطلالة مريحة وأنيقة

GMT 11:29 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

أعشاب تساعد على خفض الكوليسترول خلال فصل الصيف

GMT 10:06 2022 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار الأحذية النود المناسبة

GMT 11:21 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

نجم تشيلسي أندي تاونسند يعتقد أن صلاح فقد الشغف
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon