كورونا والتغيير الجذري في منظومة التعليم والبحث العلمي

"كورونا"... والتغيير الجذري في منظومة التعليم والبحث العلمي

"كورونا"... والتغيير الجذري في منظومة التعليم والبحث العلمي

 لبنان اليوم -

كورونا والتغيير الجذري في منظومة التعليم والبحث العلمي

عقل أبو قرع
بقلم : عقل أبو قرع

من ضمن الأمور التي تغيرت والتي سوف تتغير بسبب الأزمة الحالية لانتشار فيروس "كورونا"، طبيعة وطريقة ونوعية التعليم والتعلم والأبحاث العلمية بأنواعها، سواء من حيث تحديد الأولويات أو نسبة الأموال من الميزانيات أو الاستثمارات فيهما، أو محتوى المواد التي يتم تدريسها أو عرضها، وشكل العرض وطبيعة التلقي من قبل الطلبة أو الباحثين، وأولوية المواد المطروحة، والاستثمار أكثر في وسائل التعلم عن بعد الافتراضي التكنولوجي، وغياب الدور التقليدي للمؤسسة التعليمية، وتضاؤل أهمية الحيز المكاني للتعليم والتعلم والبحث العلمي، بما يحويه من المدرس والطالب ونوعية الخدمات وطبيعة التفاعل والأمور الأخرى غير التعليمية.

وسوف يكون التركيز على الاستعانة عن ذلك من خلال الوسائل الافتراضية التكنولوجية ولو بشكل تدريجي، وسوف يطال هذا آجلاً أو عاجلاً التخصصات العلمية والهندسية، التي تحتاج الى مختبر ومعمل ومواد، وسوف يطال كذلك وسائل البحث العلمي وطريقة إجراء البحث وعرض أو نشر النتائج، وبدون شك أن التركيز على مواضيع علمية محددة، سواء من خلال التعليم أو البحث سوف يكون من أولويات الدول والمجتمعات المتعددة، بعيداً عن التعليم التقليدي "الوجاهي"، وبعيداً عن التخصصات الكلاسيكية، وبعيداً عن استثمار مئات بل الآلاف من ملايين الدولارات في مواضيع أبحاث، أثبتت أزمة كورونا عدم الحاجة اليها، أو على الأقل أنها ليست من ضمن الأولويات الحالية أو المستقبلية لشعوب كثيرة في العالم.

فهناك دول استثمرت وتستثمر أموالاً طائلة في أبحاث وبالتالي تعمل على تصنيع أو القيام باختراعات اثبتت أزمة كورونا الحالية عدم جدواها، أو على الاقل عدم الحاجة اليها وهشاشتها أمام " شبه كائن" دقيق لا يمكن رؤيته الا من خلال أجهزة متطورة، هو ذلك الجزيء الدقيق من الحامض النووي المغلف بالبروتين، الذي نحتاج الى تكبيره حوالي 500 مرة بالمجهر لكي نراه بالعين المجردة، والذي فقط يعيش داخل خلايا الكائن الحي، والقادر على الهجوم والحاق الأذى بشدة بالبشر والاقتصاد وبالمنظومة السياسية والاجتماعية وحتى في تغيير مفاهيم ثقافية ودينية وعلاقات بين الدول وتقوقع للمصالح واغلاق الحدود بشكل لم يسبق له مثيل، حيث تقوقعت الدول وانعزلت وقامت بإجراء جرد ذاتي لإمكانياتها وما تملك من أدوات للتعامل مع هذا الفيروس، بعيداً عن آفاق مساعدة حقيقية، سواء من دول قريبة أو بعيدة.

واثبت التخبط والتصريحات المتناقضة وفي أحيان، غير العلمية وغير الموضوعية، فيما يتعلق بتوفر لقاح أو دواء أو حتى أمكانية استخدام دواء حالي، مدى هشاشة وضعف الاستثمار في المجال البحثي العلمي الصحي الطبي، ومدى عدم جدوى إنفاق مئات المليارات خلال السنوات الماضية على أبحاث أسلحة الدمار، التي يتم تكديسها، حتى تصدأ أو ينتهي زمن استعمالها أو يتم افتعال مآس ونزاعات من أجل استخدامها، ومن استمع الى تصريحات الرئيس الاميركي بأنه يستخدم شخصياً دواء "هيدروكسي كلورو كورون"، وفي نفس الوقت يقرأ عن قرار لمنظمة الصحة العالمية بإيقاف استخدام هذا الدواء في التجارب السريرية لمرضى فيروس "كورونا"، والذي يتم استخدامه حالياً لعلاج مرضى الملاريا، يلاحظ الضعف الشديد في فهم أهمية الابحاث والحاجة الى الاستثمار في هذا المجال، وهذا ما سوف يكون الأولوية القادمة لدول ومؤسسات بحثية وشركات أدوية وبيوتكنولوجية وغيرهما، بحيث يصبح الاستثمار في البحث العلمي دقيقاً وخاصاً وموجهاً، وينبع من حاجة المواطن والمجتمع، وليس من أجل الغطرسة والقوة والاستعراض وسباق التسلح والتسليح.
وهذا سوف ينطبق كذلك على نوعية التعليم، ومدى حاجة الناس والبلد الى تخصصات أو مساقات لا تمت بصلة الى حاجة البلد الحالية أو المستقبلية، بغض النظر عن نوعية البلد والإمكانيات، وسوف تكون هناك إعادة صياغة لاستراتيجيات التعليم، وللأولويات، وسوف يشمل هذا طريقة ايصال التعليم الى الطالب أو ايصال المعلومة الى الباحث، وطبيعة العلاقة بين المدرس والطالب، بعيداً عن الشكل التقليدي لغرفة الصف وللمنهاج الورقي وطبيعة الاختبارات أو التقييم، وبالطبع سوف تتغير أهمية كل طرف، حتى في ظروف معينة يمكن أن تكون لا حاجة لوجود مدرس بالمفهوم الحالي المتعارف عليه.
وبالطبع سوف تتغير ولو تدريجياً البيئة الخدمية المساعدة أو المساندة للتعليم الذي اعتدنا عليه، من الذهاب الى الحيز المكاني للتعليم، اي الحاجة الى مواصلات وغرف وخدمات الطعام والمكتبة وحتى الحاجة الى وجود اجسام ودوائر إدارية متنوعة ومتشعبة ومتراكمة خلال الزمن، ولا عجب اذا كان المختبر وما يحويه من مواد، واجراء التجارب واستخلاص النتائج، يوماً ما افتراضياً، وبالطبع فإن كل هذا التغيير المتوقع يحتاج الى تحضيرات واستشارات وتهيئة لتغيير في طبيعة علاقات ونوعية خدمات وحتى في اقتصاد مصغر مبني على ذلك، اعتدنا عليه خلال عشرات السنوات الماضية.
وفي بلادنا، من المفترض أن نبدأ بالتحضير وبشكل موضوعي مبرمج، لواقع أو لعالم ما بعد كورونا، سواء في المجال الصحي ونوعية الحاجات والخدمات، وفي منظومة الحماية الاجتماعية الهشة الضعيفة، وفي طبيعة الاقتصاد الضعيف القابل للاهتزاز كما اهتز خلال هذه الأزمة، وفي طبيعة العلاقات الاجتماعية والتربوية المتشعبة، والاهم في الاستثمار المادي وغير المادي، في منظومة تعليم وتعلم وبحث علمي، بناء على الدروس التي تم تعلمها من خلال الأزمة الحالية، آخذين في عين الاعتبار احتمال حدوث أزمات مشابهة وربما أخطر، تستدعي التعطيل الفيزيائي واللوجيستي للبلد، وبالتالي نكون جاهزين للتعامل مع أزمات بأقل الأضرار والخسائر المادية والمعنوية.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كورونا والتغيير الجذري في منظومة التعليم والبحث العلمي كورونا والتغيير الجذري في منظومة التعليم والبحث العلمي



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 20:00 2022 الإثنين ,21 شباط / فبراير

فيراري تزيل النقاب عن أقوى إصداراتها

GMT 21:45 2023 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

ديكور أنيق يجمع بين البساطة والوظائفية

GMT 21:00 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 22:15 2021 الخميس ,04 آذار/ مارس

طريقة عمل طاجن العدس الاصفر بالدجاج

GMT 19:09 2023 الأحد ,09 إبريل / نيسان

تنانير عصرية مناسبة للربيع

GMT 17:07 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

"جاسوس الحسناوات" انتهك خصوصية 200 ضحية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon