اقذف السَّرجَ على المُهْر

اقذف السَّرجَ على المُهْر !

اقذف السَّرجَ على المُهْر !

 لبنان اليوم -

اقذف السَّرجَ على المُهْر

توفيق أبو شومر
بقلم : توفيق أبو شومر

سُئلتُ عن رأيي في انتشار ظاهرة هجرة الشباب الفلسطينيين، خاصة المبدعين منهم، وعن تفشي ظاهرة الترغيب في هجرة الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي، وعن أثر هذه الهجرة على الوطن، قلت: «هناك فرقٌ بين الترغيب في السفر لكسب المهارات والرزق، هذا هو المرغوب، وبين (تهجير الشباب) من أوطانهم، هذا هو المرفوض.

إن السفر لطلب الرزق واكتساب المهارات المهنية والتعليمية ضرورة لصقل الشباب وتوسيع مداركهم، فقد درسنا في ستينيات القرن الماضي في كتاب المطالعة للصف الثاني الابتدائي أبياتاً شعرية، لا تزال تجري على لساني حتى اليوم، هذا الكتاب ألَّفه المبدع الفلسطيني خليل السكاكيني، تقول الأبيات، والتي لم يُعرَّف قائلُها، سوى أنه شاعرٌ من قبيلة، قيس:

اقـْذفِ الـسَـرجَ على الـمـُهْـرِ، وقَـرِّطْـــهُ الـلـِّجـامــا
ثـم صُـبَّ الـدِّرعَ في رأسـي، ونـاولـنـي الـحُـسـامـا
فـمـتـى أطـلُـبُ إن لـم أطـلـبُ الـرزقَ غــُلامــا؟
سـأجـوبُ الأرضَ أبـغـيـهِ، حـلالاً، لا حــرامــا
فـلـعـلَّ الـظـَّعـنَ يـنـفـِي الـفـقـرَ، أو يـُدنِـي الـحِـمـامـا

هذه الأبيات وافقت أبياتاً أخرى نُسبت للإمام الشافعي تقول:

سافرْ، تَجد عِوضاً عمَّنْ تُفارقُهُ......وانْصَبْ، فإن لذيذ العيشِ في النَّصَبِ
إني رأيتُ وقوفَ الماءِ يُفسِدُهُ......إن ساحَ طاب، وإن لم يجرِ لم يَطب
والشمسُ لو وقفتْ في الأفقِ دائمةً......لملَّها الناسُ، من عُجمٍ، ومِن عَربِ
والتبرُ كالتُربِ مُلقىً في أماكنه......والعُودُ في أرضِهِ نوعٌ من الحطَبِ
فإن تَغرَّب هذا، عزَّ مَطلَبُهُ......وإن تَغرَّب ذاكَ عزَّ كالذَّهبِ.

هذا السفرُ المحمود ضرورةٌ مِن ضرورات الحياة، وهو الذي نوَّع الثقافات، ونقل تجارب الأمم، وأسهم في تأسيس الحضارات.
إن السفر والابتعاث المخطط له والمدروس بعناية هو جوهر النهضة في العالم، أما تهجير الشباب من أوطانهم، وهم جاهلون لا يملكون الزاد الثقافي والمعرفي هو كارثة وطنية فلسطينية وعربية، لأنه يتوافق تماماً مع سياسة المحتلين الإسرائيليين، وفق سياسة؛ تفريغ الأرض من أصحابها الفلسطينيين، واستبدالهم بمهاجرين من المُغرَّر بهم من يهود العالم.

إن دعاة تهجير الشباب، خاصة في فلسطين، هم مقاولون، ينفذون خطة المحتلين دون أن يُجنِّدهم المحتلون، هؤلاء يقومون بأبشع الأدوار، عندما يُزينون الهجرةَ جنَّة موعودة، ويدفعون الشباب بلا خطة للسفر المهلك الخطير، دون رسالة، وبلا عتاد، سوى الرغبة في الانعتاق من الوطن!

هؤلاء المُغرَّرِ بهم يقعون ضحايا هذا التغرير، فهم لا يملكون عتاد السفر وعدته، وحينما يخرجون من الأوطان خروج الناقمين المحبطين، فإنهم يُشكلون بؤرة مرضية خطيرة في بلاد الاغتراب عن أوطانهم، فكثيرٌ منهم ينتقمون من أوطانهم، يُسيئون لها، ويسهُل أيضا تجنيدُهُم من الأعداء.

إنَّ أبرز أسباب هجرة هؤلاء يرجع للقمعِ والاضطهاد لحرية الرأي من الحاكمين المسؤولين في أوطانهم، وعدم وجود قوانين تحمي الشباب، وانتفاء فرص العمل، وضائقة المكان، وشعورهم بأنهم زائدون على حاجة أوطانهم، وأن وطنهم لا يصلحُ إلا للفاسدين، ممن استولوا على مقاليد الحياة.

يزدهرُ تهجير الشباب والكفاءات في الدول التي لا توجد فيها قوانينُ حامية للحقوق، وخاصة الدول التي تسيطر فيها أحزابٌ سياسيةٌ ديكتاتورية، تقيس الوطن من منظور حزبي ضيِّق، وليس لها استراتيجية نهضوية، فإنها من أكثر الأوطان نفياً وتهجيراً لأبنائها!

أخيراً، يُقاس تقدم وحضارة الأمم في عالم اليوم بكفاءتها في استيعاب العقول وجذبهم إليها، ويقاس التخلف والتأخر في الأوطان بمقدار كثرة هجرة العقول والكفاءات منها، لا إليها!
      

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اقذف السَّرجَ على المُهْر اقذف السَّرجَ على المُهْر



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 02:24 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الحبوب وأكثرها فائدة لصحة الإنسان

GMT 02:03 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

مشاهير عالميون حرصوا على أداء مناسك عمرة رمضان 2024

GMT 15:36 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 13:59 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon