لي صَديقٌ مِنَ العالَمِ السُّفْلِيّ
أخر الأخبار

لي صَديقٌ مِنَ العالَمِ السُّفْلِيّ

لي صَديقٌ مِنَ العالَمِ السُّفْلِيّ

 لبنان اليوم -

لي صَديقٌ مِنَ العالَمِ السُّفْلِيّ

زياد خدّاش
بقلم : زياد خدّاش

في المؤسسة الإعلامية التي أعمل فيها منذ عشرِ سنوات، لديَّ صديقٌ غير عاديّْ، هو سائقٌ غير قانوني، مهرب عمال، لص سيارات، سجين جنائي سابق. يعمل هذا الصديق مراسلاً وصانع قهوة، عيونه من حكايات، ومن أفكار متجدِّدة لسرقة الأشياء. في الأربعينيّات من عمره، وجهٌ نصف محروق، وأيد مشقّقة، عرج خفيف، وحذر دائم.
صديقي هذا يسرقني كلّ يوم.
أطلب منه أن يحضر لي صندوق زجاجات ماء معدنيّ، أعطيه خمسة عشر شيكلاً ليشتريَ لي بالباقي فستقاً وترمساً، يأتيني بالصندوق وهو يتأفف:
- يا الله يا أستاذ سقطت مني الخمسة شواكل انا أعتذر جداً.
أزعم أني أصدقه طبعاً، وفي مرات أخرى:
-والله يا أستاذ جعت واشتريت بالخمس شواكل سندويشة فلافل... سامحني.
وهكذا يسرق مني اسحٰق مراسل المؤسسة الإعلامية خمس شواكل كلما ذهب ليشتري لي غرضاً ما.
أبتسم انا أمام سرقاته وأسامحه لأنني أعرف كم يحمل في داخله قلب انسان جميل. كم هو مشروع انسان لطيف لولا ظروفه التي لا أعرفها ولكني أخمنها.
يذهب اسحٰق إلى المشفى ليعالج ركبته من التهاب. وهناك يسرق الصابون والأقلام والشراشف والمعقمات. لكنه ينهار تحت يدِ طفلٍ قُطعت إصبع يده ويغضب بصوتٍ عالٍ صارخاً في وجه الأطباء الكسالى:
-الولد بنزف يا مجرمين.
ثم يعود إلى المؤسسة ليبكي أمامي:
-والله كأنهم قطعوا شريان قلبي يا أستاذ، مسكين الطفل.. شفت الرعب في عينيه وفي عينين امه.
وفي مرات كثيره يخرج اسحٰق من المؤسسة مسرعاً دون أن يأخذ إذني ويعود في آخر الدوام.
-معلش يا أستاذ كان في مشكلة عائلية.
وأرى التعب الحقيقي في عينيه.
-احكيلي يا اسحٰق شو في؟
-أبوي يا أستاذ عمره تسعين سنة، بعاني من زهايمر كامل، بهرب من البيت كل يوم بعد يوم بروح لنابلس وبضطر أروح لنابلس عشان أجيبه...
-ولماذا نابلس يا اسحٰق؟
-أحبَ هناك بنتاً في الثلاثينيات من القرن الماضي، كان جدي -أبوه- تاجر مواشٍ وكانت بنت صديقه البدوي تاجر المواشي جميلة وشهية لكنّ القدر تدخل وأمر سيارةً لتدعسها وتحطم عظمها في الشارع، توقف جدي عن تجارته وعاد أبي الى رام الله لتبقى ذكريات البنت البدوية في قلبه حتى وهو يفقد ذاكرته.
أتاني اسحٰق أمس، أعطاني قهوتي وجلس..
-أستاذ بكرة عيد ميلادي نفسي حدا يهديني وردة.
في المساء كانت هناك باقة ورد تجلس على عتبة بيته، صُعق اسحٰق..
-أستاذ مبارح حدا حط ورد على باب بيتي.
-روعة يا اسحٰق روعة.. تتوقع مَن صاحب الباقة؟
-مش عارف، يا ريت أعرف!
لم يعرف اسحٰق حتى اللحظة أن الباقة مني، وأظنه لن يعرف.
قلت لاسحٰق :
-سأكتب عنك مقالة بعنوان "لي صديق من العالم السفلي" هل لديك اعتراض؟
-طبعاً لدي يا أستاذ طبعاً لدي.. شو يعني عالم سفلي؟
-يعني عالم اللصوص والمجرمين وقطاع الطرق وتجار المخدرات.
-لا يا أستاذ اوعى اوعى تكتب اوعى، ثم يتراجع بسرعة والا أقلك اكتب أستاذ لأنه كل أصحابي أُميين بيعرفوش يقرؤوا ما حدا رح يعرف.
-شكراً عزيزي اسحٰق لأنك أعطيتني حكايتك وتفاصيل حياتك، أحتاجها جداً.
-ولماذا تحتاجها يا أستاذ؟
-حتى أكتب مقالة عنك في زاويتي بـ "الأيام" وأحصل مقابلها على مئة شيكل.
-ميت شيكل؟ تحصل مقابل حكايتي على ميت شيكل ؟
-طبعاً.
-هل لي من حصة في هذه الميت شيكل يا أستاذ طالما انها حكايتي؟
-نعم يا صديقي .. إليك عشرة شواكل.
طار اسحٰق من الفرح وصرخ في وجهي مبتهجاً:
-خذ كل حكاياتي وأعطني ثمنها يا أستاذ أرجوك.
-أنت الآن تتاجر بحكاياتك يا اسحٰق...انتبه!
-وأنت أيضا تتاجر بحكايات الناس يا أستاذ... انتبه.
-صعقت من إجابة اسحٰق وسكت سكوتاً طويلا...
سيأتي اسحٰق غداً.. يعطيني القهوة ويطلب مني أن أقرأ له المقالة سيبتسم ويمد يده لأعطيه العشرة شواكل.
ستكون صفقة رائعة... شخص يبيع حكايته وكاتب يشتريها.

 
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لي صَديقٌ مِنَ العالَمِ السُّفْلِيّ لي صَديقٌ مِنَ العالَمِ السُّفْلِيّ



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

درّة زروق بإطلالات كاجوال مثالية في صيف 2025

بيروت ـ لبنان اليوم

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 22:19 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 14:20 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ساعات يد أنثوية مزينة بعرق اللؤلؤ لإطلالة

GMT 04:58 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 18:42 2021 الخميس ,30 كانون الأول / ديسمبر

طريقة سهلة لصبغ الشعر في المنزل للعام الجديد

GMT 15:39 2022 الخميس ,20 كانون الثاني / يناير

طريقة إزالة آثار الحبوب السوداء من الجسم

GMT 17:42 2022 الأحد ,23 كانون الثاني / يناير

3 فنادق فخمة في روسيا من فئة الخمس نجوم

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 23:14 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

يوسف عنبر مدربًا للمنتخب السعودي

GMT 08:28 2022 الإثنين ,11 إبريل / نيسان

موديلات متنوعة لأحذية السهرة لإطلالة أنيقة

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 10:51 2020 الأحد ,26 إبريل / نيسان

انضمام هند جاد لـ "راديو9090" خلال شهر رمضان

GMT 16:03 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 2.5 يضرب منشأة فوردو النووية في إيران

GMT 09:05 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تنسيق الفستان الأبيض تحت العباية المفتوحة في موسم 2025

GMT 09:59 2024 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

أبرز العطور التي تتناسب مع أجواء الخريف

GMT 02:47 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير حلى التوفي البارد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon