في ذكرى اغتصاب البلاد مساء الخير يا سيدي

في ذكرى اغتصاب البلاد: مساء الخير يا سيدي

في ذكرى اغتصاب البلاد: مساء الخير يا سيدي

 لبنان اليوم -

في ذكرى اغتصاب البلاد مساء الخير يا سيدي

زياد خدّاش
بقلم : زياد خدّاش

أرهقت أبي وأنا أسأله على مدى سنوات طويلة: لماذا أحذية جدي دائماً غارقة في التراب الأبيض؟ كان أبي يحدق في سؤالي دون إجابة، وكنت أرى طيف دمعتين في عينيه تحدقان في سؤالي.أمام العينين والدمعتين كان سؤالي يتهاوى أمامي حطاماً من اليأس والخجل والخوف.وكبر السؤال، صار بحثاً، صار هماً، صار لغزاً، صار مرضاً.ولم أعرف أن السؤال صار وطناً إلا حين مات جدي بين يديّ.وسمعت آخر كلماته لي وهي تخرج على شكل كلمة واحدة من أربعة حروف.
(لتّون).
بعد سنوات، راقبت أبي بقلق وهو يدخل، متسللاً ليلاً، مخزناً قرب غرفة سيدي في المخيم.كان يدخل ويغلق الباب خلفه محاذراً أن يراه أحد، ثم يخرج بعد دقائق وهو يسعل بعنف.كنت قد حاولت مراراً في آخر سنوات جدي دخول المخزن خلف جدي الذي كان يدخله قبلي، كان ينهرني دافعاً إياي بيديه القوتين: (ابعد غاد وله). ثم يقفل المخزن وأسمع صوت سعاله العنيف.ظل المخزن سراً كبيراً عندي أضيف إلى سر أحذية جدي المنقوعة بغبار أبيض غامض في ليلة شديدة العتمة، اقتحمت المخزن برفقة صديقي مصباح، رفيق الاقتحام الأول لعالم البنت الأولى وصفعة الجندي الأول والسؤال الوجودي الأول والمخزن الأول، لم ننتبه أنا ومصباح حين دخلنا أن أقدامنا غارقة في طبقة بيضاء ناعمة جداً من التراب، ولم نتبين لونها، مشينا متكئين على الجدران بأرجل ثقيلة وبدأنا نسعل بقوة،، قبل أن نشعل عود ثقاب لنفاجأ بأرض من شيد تغرق فيها أحذيتنا.

خرجنا مرعوبين مسرعين منتزعين الأقدام من دوامة ليل البياض العجيب.لمحت طيف أبي خلف ستارة شباكه، كانت يداه تمسحان شيئاً حول عينيه.سنوات طويلة مضت قبل أن يشرح أبي الحكاية بصعوبة:(جدك كان صانع شيد ماهراً في البلاد، ولن تصدق أن كل ليلة قضاها في المخيم، كان يحلم فيها بتلك الأيام، وحين كنت أسأله ما الذي يراه في الحلم، كان يجيبني بكلمة واحدة مكررة ثلاث مرات: اللتّون، اللتّون، اللتّون)، دون تفاصيل.مصعوقاً كنت أستمع على الهاتف الخلوي لصوت صديقي الذي يعمل والده حفار قبور: زياد في حدا طارش قبر سيدك بالشيد.لم أحتج إلى شرح إضافي من أبي لأعرف سر المخزن وسر معنى (كلمة اللتّون).بدأ سيدي حياته بكلمة وودّعها بنفس الكلمة.في ذكرى اغتصاب البلاد، مساء البياض الثقيل سيدي خليل، يا وطن السؤال الأول.

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

شخص ما يخبئ لي شيئاً

رسائل الآخرين!

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ذكرى اغتصاب البلاد مساء الخير يا سيدي في ذكرى اغتصاب البلاد مساء الخير يا سيدي



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 20:00 2022 الإثنين ,21 شباط / فبراير

فيراري تزيل النقاب عن أقوى إصداراتها

GMT 21:45 2023 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

ديكور أنيق يجمع بين البساطة والوظائفية

GMT 21:00 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 22:15 2021 الخميس ,04 آذار/ مارس

طريقة عمل طاجن العدس الاصفر بالدجاج

GMT 19:09 2023 الأحد ,09 إبريل / نيسان

تنانير عصرية مناسبة للربيع

GMT 17:07 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

"جاسوس الحسناوات" انتهك خصوصية 200 ضحية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon