تأملات في عالم متغيّر 10

تأملات في عالم متغيّر (10)

تأملات في عالم متغيّر (10)

 لبنان اليوم -

تأملات في عالم متغيّر 10

حسن خضر
بقلم - حسن خضر

هذه هي المعالجة العاشرة، والتي نريد لها أن تكون أخيرة، في محاولة لتقصي ما أثارت «صفقة ترامب» من تداعيات ودلالات بالنسبة للعرب والإسرائيليين والفلسطينيين والعالم. وقد جاءت مختزلة، وفي صيغة خلاصات عامة، لعل فيها ما يُحرّض على نقاش أوسع، لما يبدو نافذة أغلقها التاريخ ليفتح، في الوقت نفسه، ومن حسن الحظ، غيرها.
تناولنا، قبل أسبوع، رهان الإسرائيليين على الشعبويات الصاعدة، في الغرب ومناطق مختلفة من العالم، وتحوّل دولة لليهود في آخر، وأعلى، تجلياتها، إلى عبء على الديمقراطيات الليبرالية الغربية، لا من حيث الواقعية السياسية (Realpolitik) حتى الآن، بل الضمير، وما ينجم عن التناقض من توتر دائم في، وتوتير لعلاقتها بإسرائيل.
كما تكلمنا عن نفاد الرصيد الرمزي والأخلاقي لدولة لليهود بوصفه نتيجة موضوعية للرهان. وهذه التضحية يقدم عليها الإسرائيليون، اليمين القومي ـ الديني على نحو خاص (يمثل الأغلبية في الوقت الحاضر)، على أمل تصفية المسألة الفلسطينية بطريقة حاسمة ونهائية، أي إعلان الانتصار النهائي.
وتجدر الإشارة، هنا، إلى مفارقة تتجلى في القدرة على خلق واقع تبدو فيه المسألة، من ناحية، وكأنها قد صُفيت فعلاً، واستحالة التصفية بقدر ما يتعلّق الأمر بإكراهات الجغرافيا السياسية، والديمغرافيا، والذاكرة والتاريخ، من ناحية ثانية. وما قد تُحرّض عليه مفارقة كهذه، في وقت ما، من محاولات لحل التناقض، وبعد اليأس من نجاعة حل الأبارتهايد (القائم منذ عقود، والمرشح لعقود لاحقة بتسميات وصيغ مختلفة) بطريقة تنطوي على سيناريوهات كابوسية وكارثية إلى حد بعيد.
واقعياً: وعلى طريقة إنشاء عالم «الحقائق البديلة» التي دخلت قاموس السياسة بعد صعود ترامب: يمكن تصفية الأونروا، وقضية اللاجئين، وشطب تعبير الاحتلال من التداول في العلاقات، والمحافل الإقليمية والدولية، وتكريس واقع الأبارتهايد، وتجريم المقاومة الفلسطينية السلمية والمسلحة على حد سواء، في الإقليم والعالم، كنوع من الإرهاب.
بيد أن هذا كله لن يحل مشكلة الديمغرافيا الفلسطينية، ومشكلة انفتاح أفق جديد للترابط العضوي والمصيري بين المسألتين العربية والفلسطينية، وما ينجم عنه من حركة وحراك كفاحيين، ولن يحل مشكلة نفاد الرصيد الرمزي والأخلاقي لدولة لليهود، وما ينجم عن النفاد من فقدان مصادر الشرعية، ما يعني تقويض الدولة نفسها.
وهذا مرعب بشكل خاص لحملة كولونيالية أوروبية تأصلنت (أي أصبحت مثل السكّان الأصليين إلى حد تحولت معه صورتها في المرآة إلى مصدر خوف دائم) وأصبحت مرشحة «للضياع»، إن فقدت الخصوصية، في «غابة» الشرق الأوسط العربية، والتركية، والفارسية.
والواقع أن هذا كله، معطوفاً على الشوكة القيامية السامة للخلاص الميسيائي (التي حذّر غيرشوم شولم من مخاطرها) قد يجعل من سيناريوهات كابوسية وكارثية تماماً الخيار الوحيد، والانتحاري، لحل المسألة الفلسطينية بطريقة نهائية وحاسمة: الحرب «الأهلية» بين السكّان الأصليين والمستوطنين، والترانسفير، وهندسة الخرائط والمصائر والحدود القريبة والبعيدة.
وإذا كان ثمة من «فضيلة» لانهيار الإمبراطورية السوفياتية، مثلاً، بطريقة مفاجئة بعد فقدان شرعيتها في زمن الطغيان الستاليني (أطالت الحرب العالمية الثانية عمرها) أو من «فضيلة» لفيروس كورونا الحقير، الذي فرض منع التجوّل على البشرية، فتتمثل في القبول بالمفاجئ، وغير المتوقع من التحوّلات كاحتمال قائم، والتدريب على قراءة وتأويل علامات الشقوق، والإنصات لصوت التيارات الجوفية المائية في الأعماق، وعدم الثقة بالمألوف، أو التعامل مع الظاهر كتمثيل صحي وصحيح للباطن في كل ما يتصل بمنظومات وأنظمة وهياكل الدول والعلاقات.
لذا، في لحظة تبدو فيها استراتيجية «الجدار الحديدي» (بلغة جابوتنسكي) وقد حققت المُراد، يفشل الإسرائيليون في إدراك أن الانتصار نسبي، كما الهزيمة، فلا هذا نهائي في التاريخ ولا تلك. وعلى خلفية هذا الفشل تبدو الشرعية، في أكثر لحظات دولة لليهود قوّة في تاريخها، ورقة يابسة في مهب الريح.
على أي حال، لا ينبغي لخلاصات كهذه أن تكون مبعثاً لسرور أحد. فالكثير يعتمد على سلوك وخيارات الفلسطينيين، أيضاً. فهم لا يستطيعون الرهان على، والانخراط، في موجة الشعبويات والقوميات الصاعدة، ولا يمكنهم تعظيم رأس المال الرمزي والأخلاقي للمسألة الفلسطينية، والرهان عليه، كقاسم مشترك بينهم وبين الشعوب العربية من ناحية، وشعوب الإقليم والعالم من ناحية ثانية، ما لم تكن مضامين رأس المال هذا إنسانية، وديمقراطية، ومعادية للعنصرية والتمركزات القومية والدينية.
وهذا، وليكن معلوماً بلغة لا تقبل التأويل: ما سلبته حماس من رأس المال الرمزي والأخلاقي للمسألة الفلسطينية، وما لن تتمكن الفصائل المسكينة القائمة، التي تعتاش على أمجاد ماض مضى، من توفيره لهم. سيحتاج الأمر فترة قد تطول أو تقصر قبل عودة الروح إلى الحركة الوطنية الفلسطينية. ولا عودة للروح دون إعادة تصوّر وتصوير فكرة فلسطين كلغة مشتركة بيننا وبين العرب، والعالم، وكلغة يمكن أن يعثر فيها الإسرائيليون أنفسهم على مشترك من نوع ما.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات في عالم متغيّر 10 تأملات في عالم متغيّر 10



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 19:09 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

راين كراوسر يحطم الرقم القياسي العالمي في رمي الكرة الحديد

GMT 08:19 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

علاج حب الشباب للبشرة الدهنية

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 21:00 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أملاح يلتحق بمعسكر المنتخب ويعرض إصابته على الطاقم الطبي

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 17:21 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 21:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

مايك تايسون في صورة جديدة بعد عودته لحلبة الملاكمة

GMT 12:34 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

وفاة الإعلامي علي السقاف عن عمر يناهز 63 عامًا

GMT 18:54 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

رحمة رياض تعود إلى الشعر "الكيرلي" لتغير شكلها

GMT 16:16 2020 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تطورات جديدة في قضية وفاة الأسطورة "دييغو مارادونا"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon