ركوب النمر

ركوب النمر..!!

ركوب النمر..!!

 لبنان اليوم -

ركوب النمر

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

توقفنا قبل أسبوع عند ترامب "الرجل في الوقت المناسب" كما يراه بانون، وأشرنا إلى مكان ومكانة توصيف كهذا في "نظرية" (بصراحة تخبيص) سيّدة فرنسية نازية ومن منظري أقصى اليمين الغربي.ونستكمل، اليوم، الكلام عن سمات الرجل الثاني والثالث في "النظرية" نفسها.الثاني "رجل فوق الزمن"، وهو الذي يدرك حقيقة الزمن، ويتعالى عليه، ويدرك هشاشة مسعى الإنسان للتقدّم، ويدرك، أيضاً، أن الخلاص يكمن في الخلود لا في المستقبل.نجد هذا النوع من الرجال بين الزاهدين، والمتصوفة المجانين في البريّة، وفي شخصيات لا يعيرها المجتمع ما تستحق من اهتمام، بينما مكانتهم عالية ومرموقة في العصر الذهبي.

بيد أن تجاهلهم من جانب، المجتمع في عصور لاحقة، لا يعني أنهم بلا تأثير، فهم يُسهمون في تحرير ما حولهم من أفراد، لا المجتمعات، وحكمتهم تشع في كل اتجاه كضوء الشمس.أما الثالث "رجل ضد الزمن" فيولد من أصحاب القدرة على الغوص في ألغاز الكون، والمطلين على حقيقة الزمن، ويتحلى بطبيعة المحاربين. يعرف هؤلاء أن تيارات الزمن تسير في اتجاه الدمار، ولكن يفتنهم المجد على الضفة الأخرى (ضفة ماذا، ومجد ماذا، بصراحة لا أفهم) ويسكنهم طموح حارق تحض عليه المُثل العليا، لا الأنانية والمكاسب الشخصية، ويأخذون على عاتقهم حمل العالم، والعبور به، وسط الظلام.

وبهذا يتحوّل هؤلاء إلى برق وشمس في آن. كان هتلر، رغم هزيمته، أحد هؤلاء في نظر السيّدة المذكورة، وقد فعل ما فعل تجسيداً للقيم الآرية.هذا كله كلام فاضي، بطبيعة الحال، لا تسنده علوم السياسة، والاقتصاد، والتاريخ. ومع ذلك، فلنفكر في أشياء من نوع: أن التاريخ لا تحركّه الأفكار الكبرى، والمُعقّدة، دائماً، وبالضرورة، بل يمكن أن تحرّكه وتصنعه، في الشرق والغرب على حد سواء، فنتازيا واستيهامات على قدر مفزع من السذاجة والفقر المعرفي، والانفصال عن الواقع.

وهذه الصفات كلها، في ظروف مواتية، قد تصبح ذات قابلية عالية للعدوى وإشعال الحرائق. ولنفكر، مثلاً، في حرب الفقيه النجدي على "الشرك"، و"أستاذية" العالم، التي حلم بها شاب مصري في مدرسة ابتدائية، و"الحاكمية" التي كانت مرافعة اليمين الديني ضد الجمهورية والقومية (كنظام في الحكم، وأيديولوجيا معادية للاستعمار) في زمن الحرب الباردة.على أي حال، فلنبقَ في "الغرب". ينتمي ترامب، كما سبق وأشرنا، في معالجة سبقت، إلى الفئة الأولى.

ويمارس في الواقع، دور "المُفسد"، أو "المُخرّب"، و"المُعطّل". وهذه فعاليات لا تستدعي قراءة الكتب، أو التفكير في الزمن، من جانب القائمين بها، كما يقول بانون.ولعل في هذه الخلاصة ما يفسّر كيف ولماذا يلتف أشخاص لا يعوزهم الذكاء، والاطلاع على الكتب، حول شخص من فصيلة ترامب، ولا يتورّع هؤلاء، أحياناً، وبانون منهم، عن السخرية منه، والتندر عليه، رغم إيمانهم به، ودفاعهم عنه.فهم عن طريقه "يركبون النمر". وهذا المجاز مُستمد من "فلسفة" الفاشي إيفولا، الذي يرى أن مُخرجات التنوير والحداثة، كما تتجلى في الدولة القومية الحديثة، وفي أنظمة ليبرالية وشيوعية تعترف بالمساواة وحقوق الإنسان، أصبحت قوّة هائلة، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، ويرى أن حظوظ اليمين القومي والديني في مجابهتها والقضاء عليها قليلة.

يشبه هذا الوضع، والكلام لإيفولا، وضع إنسان وجد نفسه وجها لوجه، في الغابة، مع نمر مفترس. فماذا يفعل؟ في الهجوم على الوحش نهايته، وفي الهرب منه نهايته، أيضاً. ويبقى أن الوسيلة الوحيدة للنجاة هي ركوب النمر، ومحاولة البقاء على ظهره حتى يشيخ، وتخور قواه. عندئذ، يمكن للراكب أن ينزل عن ظهر النمر، ويجز عنقه.وهذا يعني أن على اليمين القومي والديني تفادي المواجهة المباشرة مع الدولة، والاستفادة مما توفر من فرص وضمانات وحريات، (أي ركوبها) وانتظار ضعفها للانقضاض عليها.هذا ما ترددت أصداؤه، أيضاً، في مشاريع ونقاشات "ركوب" كثيرة لدى الصحويين الوهابيين والحركيين الإخوان، على مدار العقود القليلة الماضية، وما تجلى في نفاد الصبر لدى "دواعشنا" للانقضاض على النمر، وما سيتجلى لدى "دواعش" الغرب على الأرجح، وفي وقت قد لا يطول.

وعلى خلفية هذا كله يمكن أن نفهم، الآن، دلالة "الإفساد" و"التخريب" و"التعطيل"، التي يراها فريق فاعل، ومؤثر، في أقصى اليمين الأميركي، في شخصية ترامب ودوره.لا يشكو هؤلاء ندرة المهارة، والموارد، ولا فتور الهمة والتصميم، ، وقد تمكنوا عن طريق المذكور، من ركوب النمر، كما لم يحدث من قبل في التاريخ الأميركي.وفي أميركا خطوط تماس قد يؤدي اشتعالها إلى تفكك الولايات، وانهيار النظام الديمقراطي.هناك جراح الحرب الأهلية، التي لم تندمل تماماً، وكذلك العنصرية، وميراث استعباد واضطهاد السود.(والأخيرة أكثر حدّة، في الواقع، من الانقسام السني ـ الشيعي الوهمي الذي نجحت الوهابية، والشيعية السياسية، في تحويله إلى حقيقة).

وهناك، أيضاً، ما لا يحصى من التفاصيل، التي لا تحتل العناوين الرئيسة في نشرات الأخبار: ترجيح كفة اليمين في المحكمة العليا، وفي النظام القضائي الفيدرالي، وتعديل القوانين، وسن تشريعات جديدة، ناهيك طبعاً عن الهبوط بهيبة الرئاسة إلى درك غير مسبوق، ومعها لغة الصراع السياسي، وطريقة إدارته. لذا، لم يعد في وسع العاقل طرد الحرب الأهلية من قائمة الاحتمالات.المقصود: في ترامب الشخص والظاهرة ما يكفي لإضعاف النظام الليبرالي، وزعزعة قواه، وما يكفي، أيضاً، لتمكين مهووسين بأفكار قيامية، وأصحاب مشاريع إجرامية تماماً، من ركوب النمر، والتفكير بأن لحظة الانقضاض عليه تقترب.وإذا نجحوا في أميركا، يصبح الانقضاض عليه في كل مكان آخر مسألة وقت لا أكثر.

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

إدارة التوحّش..!!

الزمن دائريٌ، والماضي مستقبلٌ في الانتظار..!!

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ركوب النمر ركوب النمر



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 22:08 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

حملة ميو ميو لصيف 2021 تصوّر المرأة من جوانبها المختلفة

GMT 15:01 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 يضرب منطقة شينجيانج الصينية

GMT 12:38 2020 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزيرة الإماراتي يجدد عقد خليفة الحمادي 5 مواسم

GMT 18:03 2021 الجمعة ,17 كانون الأول / ديسمبر

تصاميم ساعات بميناء من عرق اللؤلؤ الأسود لجميع المناسبات

GMT 14:06 2023 الإثنين ,03 إبريل / نيسان

إتيكيت عرض الزواج

GMT 19:33 2022 السبت ,07 أيار / مايو

البنطلون الأبيض لإطلالة مريحة وأنيقة

GMT 11:29 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

أعشاب تساعد على خفض الكوليسترول خلال فصل الصيف

GMT 10:06 2022 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار الأحذية النود المناسبة

GMT 11:21 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

نجم تشيلسي أندي تاونسند يعتقد أن صلاح فقد الشغف

GMT 21:17 2023 الإثنين ,20 آذار/ مارس

إطلالات عملية تناسب أوقات العمل

GMT 19:34 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

ملابس صيفية تساعدك على تنسيق إطلالات عملية

GMT 16:05 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

حذار النزاعات والمواجهات وانتبه للتفاصيل

GMT 07:36 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

نوال الزغبي تستعرض أناقتها بإطلالات ساحرة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon