مبادرة البطريرك الماروني تملأ الفراغ الفرنسي

مبادرة البطريرك الماروني تملأ الفراغ الفرنسي

مبادرة البطريرك الماروني تملأ الفراغ الفرنسي

 لبنان اليوم -

مبادرة البطريرك الماروني تملأ الفراغ الفرنسي

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

انتهت مفاعيل زيارة ماكرون للبنان قبل أن تبدأ. طارت الزيارة، - بفعل إصابة ماكرون بـ»كورونا» - كما طارت مفاعيل تأليف الحكومة. وبات بحكم المؤكد أن العام 2020 سيمضي دون تشكيل حكومة، خصوصا أن زمن «الهدايا» قد ولى سواء في عيد الميلاد أو في عيد رأس السنة، في بلد يخضع لأمزجة قيادات سياسية طائفية تضع مصالحها ومكاسبها فوق مصالح شعبها الذي يتجه بخطى ثابتة نحو انهيار كامل قد يوصل الى فوضى مجتمعية غير مسبوقة.

وحتى، الآن، ما زالت كافة عوامل تأليف الحكومة مجمّدة. وعلى الرغم من شكوى سعد الحريري من الرئيس ميشيل عون إلى المرجعية الدينية المسيحية الأولى وهي مقر البطريرك الراعي في بكركي. وحملت جلسة المكاشفة أمام الراعي، في طياتها، تبرئة حريرية حيال وجود أدوار طائفية «مزعزعة للاستقرار» سواء فيما له صلة بمسألة تأليف الحكومة أو تقديمه الدعم إلى حكومة حسان دياب.
صحيح أن حركة الراعي، شكلت خرقا محدودا في جدار الأزمة الحكومية، على خط التواصل ما بين عون والحريري، من خلال الدور الذي قام به البطريرك والذي نقل إلى رئيس الجمهورية «الإيضاحات» التي كان حملها إليه الرئيس المكلّف بالنسبة لأسباب التأخير في تشكيل الحكومة، خصوصاً وأن مناخ التصعيد الذي تبع اللقاء الأخير في قصر بعبدا بين عون والحريري، قد أدخل مسار التأليف في نفق مسدود، وأطلق العنان لحرب البيانات، والبيانات المضادة.
ومع طي صفحة الوساطة الفرنسية، أصبح من الضروري، وجود دور لبكركي، والذي رفض البطريرك الراعي الدخول في تفاصيله انطلاقاً من إرادته بعدم التدخل في عملية التأليف، ويتركّز على تهدئة الأجواء الداخلية، لا سيما بين عون والحريري ومحاولة تقريب وجهات النظر بالنسبة لكل ما يرافق الخلاف الحكومي.
وقد أثمرت مبادرة الراعي، عن ترتيب زيارة جديدة للحريري، إلى قصر بعبدا، وبدأت التكهّنات حول «طبيعة» اللقاء الذي سيجمعه مع عون، فهل يبدأ من حيث انتهى اللقاء الأخير، وينطلق بالتالي من مناقشة الملاحظات التي قدّمها عون على تشكيلة الحريري، ليُصار إلى تعديلها وتنقيحها وفق ما يتوافقان، أم يعود إلى النقطة الصفر بعد «نسف» تشكيلة رئيس الحكومة التي صوّرها البعض على أنّها «أمر واقع» لا يمكن تكريسه بأيّ حالٍ من الأحوال؟
وعلى كل حال، فإن ما يمكن تأكيده، هو أن مبادرة البطريرك هي بمثابة الحصول على «شرف المحاولة» خصوصا أن الراعي الذي أكد في عظة الأحد أنه «لم يجد أي سبب يستحق التوقف عنده لتأخير تشكيل الحكومة يوما واحدا».
ويمكن القول، إن مبادرة البطريرك الراعي جاءت لملء الفراغ الذي أحدثه تأجيل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان بعد إصابته بفيروس كورونا، فكانت بدلا عن المبادرة الفرنسية المجمدة والتي يبدو أنها لن تتحرك قبل 20 كانون الثاني المقبل، حيث يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من تعاطي الإدارة الأميركية السابقة واللاحقة مع لبنان.
ويبدو أن الكرة، اليوم، في ملعب رئيس الجمهورية، وخصوصا أن الراعي، اطلع على موقف الحريري، والذي ما زال يتمسّك بالبند الرئيسي الوارد في المبادرة الفرنسية، والذي يتمحور حول تأليف فريق وزاري متخصّص ومستقلّ لتنفيذ المهمة الأصعب في تاريخ كل الحكومات التي تعاقبت منذ اتفاق الطائف إلى اليوم، كبوابة للمساعدات العربية والدولية، وعدم إضاعة الوقت الثمين، والذي تزداد أكلافه، ومعها معاناة كل اللبنانيين، الذين أصبحوا مهدّدين بأمنهم الغذائي قبل أي ملف آخر، والسلم الأهلي.
وتندرج المحاولات الجارية من أجل التوصّل إلى تسوية في ملف تأليف الحكومة، في سياق توظيف اللحظة السياسية الداخلية الحافلة بالتحديات المالية والصحية والأمنية، علماً أن الصرح البطريركي في بكركي قد تحوّل خلال الأسبوع الماضي، إلى محور تقاطع للرسائل المتبادلة ما بين عون والحريري بشكل مباشر.
ولكن على كل حال، لا تزال الهوة كبيرة، خلافاً لكل ما يتم تداوله من أجواء، وبالتالي فإن الحد الأقصى لما يمكن أن تحقّقه الاتصالات الجارية، هو التوصّل إلى إرساء هدنة سياسية تؤدي إلى التخفيف من حجم التصعيد الحاصل على الجبهة الحكومية على الوضعين المالي والاقتصادي العام، وتحديداً على سعر صرف الليرة، كما حصل غداة وصول الزيارة التي قام بها الرئيس الحريري إلى قصر بعبدا، إلى الحائط المسدود.
وعليه، فإنه من شأن هذه الهدنة أن تبدّل الأجواء الداخلية المشحونة، وتعيد إطلاق حركة الرئيس المكلّف في كل الاتجاهات، وليس فقط في اتجاه رئيس الجمهورية، ولكن من الصعب أن يبادر أي طرف داخلي إلى التخفيف من سقف شروطه السياسية من أجل إنجاح التسوية الحكومية.
وهنا تؤكد المصادر، أن الحريري قد أعطى نفسه فرصة أخيرة لإعادة النظر فيما يُمكن تقديمه من لائحة أسماء لرئيس الجمهورية، بعد رفض الأخير آخر الطروحات التي قدّمها له الحريري، وبعد ذلك قد يتوجه الى اللبنانيين ليُصارحهم بمسار المهمة التي أوكلت إليه في الثاني والعشرين من تشرين الأول الماضي. وقد يكون الاعتذار، أبرز سطور بيانه.
وما يشهده لبنان في هذه الأيام من «كباش» لم يشكّل مفاجأة بالنسبة لأحد، بالرغم من أنه الأكثر سخونة منذ تكليف الحريري ولا ينفك يستعر أكثر فأكثر.
ومردّ هذا الاشتباك إلى أن الحكم والرجل القوي فيه، أي النائب جبران باسيل صهر عون، لا يريد سعد الحريري رئيساً للحكومة، وقد عمل منذ اللحظة الأولى للتكليف على محاولة وضعه أمام خيار من اثنين: إما الاعتذار أو الإذعان. وكل ما تم ويتم هو في إطار حشر الرئيس المكلّف لإحراجه فإخراجه باعتذار.
ويمكن القول، إن الحريري راهن على المبادرة الفرنسيّة وصديقه الرئيس ايمانويل ماكرون وعلى أن باريس ستضغط على عون من أجل تسريع وتيرة التأليف وأنها ستكون إلى جانبه، وبالتالي اعتبر أن عون الذي لا يحظى بأي دعم دولي سيكون مضطراً للتجاوب مع الضغط الفرنسي وظن أن هذا العامل هو نقطة قوّة بالنسبة له على حساب العهد.
كما بنى الحريري رهانه، على ضغط صديقه الرئيس بري على «حزب الله» لتشكيل ولادة الحكومة. كما ارتكز الحريري على الوضع المالي والاقتصادي المتردي. لكن حسابات البيدر سرعان ما خالفت حسابات الحقل، فالحريري سرعان ما اكتشف أن رهانه لم يكن في مكانه حيث لم ينجح ماكرون في تليين موقف الرئيس عون. ولم ينجح بري في جعل «حزب الله» يسهل ولادة الحكومة.
ولا يمكن أن نتجاهل حقيقة أن الحريري الذي يتلقى الحجم الأكبر من الضغوط، صارح زواره قبل أيام، أن الضغوط الأميركية – السعودية حول تأليف حكومة خالية من «حزب الله» لا تزال قائمة. وأن الرياض وواشنطن لا ترحّبان أصلاً بدعم حصة حلفاء «حزب الله» من المسيحيين، أي التيار الوطني الحر والرئيس عون، عدا أن الحريري وبقية القوى لم يلتقطوا بعد أي إشارة الى نوع التعديل المتوقع في السياسة الأميركية تجاه لبنان مع الإدارة الجديدة. حتى ان مسؤولاً أوروبياً قال قبل أيام لزائر لبناني: «لا أعتقد أن أحداً في فريق الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن تلفّظ بكلمة لبنان حتى الآن».
ووسط هذا، يعد مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر بـهدية وداعية من إدارة دونالد ترامب، قد تصل الى بيروت في السادس من الشهر المقبل، على شكل حزمة عقوبات جديدة مبنية على قانون مكافحة الفساد، وتشمل عينة أوسع من الشخصيات التي تعتبر قريبة من أكثر من جهة من الطبقة السياسية الحاكمة. وفسّرت الخطوة بأنها تهديد إضافي للمرجعيات الكبيرة، وعلى رأسها الحريري، أو أنها تصفية حساب متأخرة مع شخصيات لم تلتزم بالسياسات الأميركية بصورة تامة.
وفي خضم هذه المرحلة الانتقالية، يبدو ان احد الأسباب المانعة لتأليف الحكومة، الآن، رغبة الحريري في عدم تحمل مسؤولية أي قرارات قاسية، مثل رفع الدعم. وهو لذلك يشجع نبيه بري على أن ينجز المجلس النيابي سريعاً حزمة القرارات التي تحتاج إليها الحكومة المستقيلة لرفع الدعم على وجه الخصوص.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مبادرة البطريرك الماروني تملأ الفراغ الفرنسي مبادرة البطريرك الماروني تملأ الفراغ الفرنسي



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 02:24 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الحبوب وأكثرها فائدة لصحة الإنسان

GMT 02:03 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

مشاهير عالميون حرصوا على أداء مناسك عمرة رمضان 2024

GMT 15:36 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 13:59 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon