عن نظامنا البيئي الهش

عن نظامنا البيئي الهش

عن نظامنا البيئي الهش

 لبنان اليوم -

عن نظامنا البيئي الهش

عبير بشير
بقلم - عبير بشير

مصانع مغلقة، شوارع خالية، وسيارات مركونة بعضها لأسابيع.. ومطارات مقفرة، بعدما كانت خلية نحل، يبدو مشهداً كئيباً في ظل الحجر الصحي الذي فرض على السكان في العديد من دول العالم بسبب جائحة فيروس كورونا.
ولكن لحظة.... دعنا نوجه الكاميرا إلى زاوية أخرى، ففي مقاطعة ويلز نزلت قطعان الماعز البرية من التلال إلى الشوارع والحدائق، وتجولت في الشوارع الفارغة من السكان، ووجدت مقاهي فارغة فتجولت بين المقاعد والطاولات، وبدا أن المدينة بأسرها أصبحت ملكاً لها بينما جلس السكان في بيوتهم محبوسين، واكتفوا بالنظر من النوافذ للملاك الجدد لمدينتهم.
ونشرت شبكات التلفزة مقاطع «لبطات» تتنزه في شوارع باريس الخالية بحرية وثقة، أمام واجهات مسرح «كوميدي فرانسيز». دون مضايقة أحد من السكان.
أما المدينة الجميلة العائمة فينيسيا أو البندقية، والمهددة بشبح الغرق في البحر، فقد استراحت، بعدما كانت مرهقة، ومتعبة من ثقل «السياحة الزائدة» ومن آلاف السياح الذين يجوبون جداولها، وقنواتها المائية عبر السفن والزوارق. وقد تذمر سكان فينيسيا من غلبة السياح على مدينتهم، وقالوا، إنها تحولت من مدينة تاريخية لمدينة ترفيهية، فهم وإن كانوا مصدر رزق لمطاعمها ومحلاتها، إلا أنهم أيضاً يضرون المدينة بالتلوث الذي تسببه البواخر التي يصلون عليها، وبإلقاء النفايات في كل مكان.
لكن اختفاء القوارب والسفن السياحية وإقفال أكشاك الهدايا التذكارية، بسبب الإغلاق الناجم عن تفشي فيروس كورونا، أدى إلى تحول في قنوات «سيرينيسيما» المائية، وأصبحت مياه الممرات المائية صافية لدرجة أن حركة الأسماك باتت ملحوظة فيها بعد غياب حركة القوارب الكثيفة في هذه الممرات.
وعلى ما يبدو فإن الحاجة الماسة، لإيجاد توازنات بين العوالم الحية، لا يقتصر فقط على الطبيعة والسياحة. فإفراط البشر في خلخلة توازنات العوالم الحية أساس في موجات الأوبئة، وفي التلوث المناخي.
فالعلاقة ليست مبسطة بين مثلث البيئة والأوبئة والنشاطات الصناعية، مع التعدي المتمادي على البيئة من قبل نشاطات بشرية منفلتة العدوانية، على  البيئة والطبيعة وأنواعها الحيّة وغلافها الجوي ومسطحاتها المائية.
وكم هي قاسية ومؤلمة، عقلية الاستهلاك المنفلت والربح المتوحش، خصوصاً عبر نشاطات الصناعة وما يرافقها من تلوث مهول للمناخ، ومن أنماط العمران كالمدن الحديثة وزيادة ديموغرافية متصاعدة في أعداد السكان، وهجرات سكانية واسعة، وتآكل التنوّع البيولوجي، وتزايد انقراض الأنواع الحية، واستهلاك مفرط للمصادر الطبيعية وغيرها. ويتعلق أمر الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية باقتصاد مرتكز على الاستهلاك المتوسع مع تركيز أحادي على تصاعد الربحية وتضخيم رأس المال المالي، وتجري تلك الأمور كلها دون وضع الإنسان والقوى العاملة في المركز، بل في الهامش.
ومع حدوث اختلالات ضخمة في التوازن بين البشر والبيئة. ويضاف إلى ذلك حدوث اختلالات داخل مكونات البيئة نفسها كتقلص مساحات الغابات، وزيادة التصحر، وتراجع أعداد الحشرات المفيدة للإنسان مثل: النحل، وتراجع قدرة الطبيعة على تجديد ذاتها، وإعادة تعبئة مصادرها.
ذلك يجعل من الصعب، رسم صورة كاملة للانهيار الواسع في التوازن بين الجنس البشري والبيئة، وفي اللحظة الحاضرة، ثمة أسئلة لا حصر لها عن علاقة ذلك الانهيار البنيوي في النظام البيئي الشامل، مع الأوبئة التي جاء وباء «كوفيد 19» ليعطي مثلاً عنها. وليس بعيدا عن ذلك ما قالته عالمة طبيعة من ان «الطبيعة تنتقم لنفسها بهذا الفيروس». ولتذيقنا بعض ما قدمت يدانا، ولتذيقنا طعم الحجر والعزلة، أسوة بكثير من السجناء والمقهورين.
امرأة عجوز تحتسي كوباً من الشاي في بريطانيا، وتقول: لن يجبرني أحد على التزام المنزل، سأخرج ساعة أشاء. لن يكون الفيروس أشدّ ضراوة من الحرب العالمية الثانية، ولا من الجرائم التي ارتكبها الإنسان بحق أخيه الإنسان.
لكن هل يطول زمن العزلة؟ لا أحد يعرف؛ لكن هناك دائماً ملاذ في الطبيعة، وربما هي المنقذ لنا، رغم أننا لم نكن رحيمين بها. لن تتضجر الحدائق من المشي بها مرة أخرى، رغم اننا لطالما رمينا نفاياتنا بها، ولن تعترض الزهور، التي لطالما عبثنا بها، ولن تبخل علينا الطيور بغنائها رغم أننا لم نوفر فرصة لاقتناصها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن نظامنا البيئي الهش عن نظامنا البيئي الهش



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:05 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 00:08 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

وزارة الصحة التونسية توقف نشاط الرابطة الأولى

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 23:44 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

مارادونا وكوبي براينت أبرز نجوم الرياضة المفارقين في 2020

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 11:03 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

إتيكيت طلب يد العروس

GMT 10:04 2021 الإثنين ,10 أيار / مايو

الهلال السعودي يحتفل بمئوية جوميز

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك

GMT 17:41 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها

GMT 22:26 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

مصارع يضرم النار بمنافسه على الحلبة

GMT 12:31 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

أفضل أنواع الماسكارا المقاومة للماء
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon