ميركل مديرة أزمات أوروبا

ميركل مديرة أزمات أوروبا

ميركل مديرة أزمات أوروبا

 لبنان اليوم -

ميركل مديرة أزمات أوروبا

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

أماطت أزمة كورونا وأساليب إدارتها اللثام عن تمايزات هائلة بين البلدان وثقافتها السياسية المختلفة. فبغض النظر عن المؤشرات الاقتصادية التقليدية، ظهر سُلم تقدم جديد تقيس به الدول مدى نجاعتها في إدارة جائحة عالمية. وهو جودة الأنظمة الصحية ونسبة الأسرة المتاحة وأجهزة التنفس الاصطناعي، إضافة لأساليب القيادة السياسية.
وفي هذا المشهد سطع نجم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وارتفعت نسب تأييد الشعب الألماني لحزبها في استطلاعات الرأي بمعدل غير مسبوق، على خلفية الإشادة بطريقة تعاملها مع الأزمة. مع الحفاظ على هدوئها ورصانتها وتكتمها أحيانا. وذلك في ظل خلافات بين دول أوروبية بشأن التعامل مع وباء كورونا، وشكاوى إيطالية من خذلان جيرانها لها.
وقالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن المستشارة «الرصينة» هي الزعيمة التي تحتاجها أوروبا في خضم أسوأ أزماتها. وهي التي تنبأ المراقبون بأفول نجمها السياسي في زخم أزمة اللاجئين التي زلزلت المشهد السياسي في ألمانيا، وفي وقت اعتبر فيه الكثيرون أن ميركل أصبحت «بطة عرجاء» وهو مصطلح سياسي أميركي يُطلق على السياسي الذين يقضي ولايته الأخيرة في الحكم، وخصوصا بعد النتائج الضعيفة لحزبها المسيحي الديمقراطي في انتخابات 2017، وبعد إعلانها انسحابها من رئاسة الحزب في 2018.
لقد استطاعت ألمانيا بقيادة ميركل أن تسيطر بشكل جيد على فيروس كورونا مقارنة بباقي دول أوروبا، لا سيما إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، لتكون بذلك الاستثناء الأوروبي.
وقدمت ألمانيا نموذجا جذابا بإجراءات حكومتها وانضباط معظم مواطنيها. ما ساهم بشكل كبير في عدم انتشار الوباء والسيطرة عليه في البلاد، وهو ما جعل البلد يتجه نحو الانفتاح الذكي. فقد خففت السلطات الألمانية الحجر الصحي وسمحت للمتاجر والمحلات باستئناف نشاطها، وأعادت فتح المدارس مع ضرورة الالتزام بتعليمات السلامة، والتباعد الجسدي.
وتساءلت صحيفة «ذي صن» البريطانية، عن سر التفوق الألماني، على باقي الدول الأوربية في مواجهة فيروس كورنا، وعزت الأمر إلى عدة عوامل في مقدمتها بطء رد الفعل الرسمي في الدول الأوروبية، بداية انتشار الفيروس بالإضافة إلى نقص المختبرات الطبية المجهزة.
في حين تفوقت ألمانيا أوروبياً في عدد أجهزة التنفس الصناعي وعدد الأماكن المتاحة بأقسام العناية المركزة في المستشفيات.
وفي وقت يوجد بفرنسا سبعة آلاف مكان، يوجد في إيطاليا خمسة آلاف وفي بريطانيا أربعة آلاف فقط في هذه الأقسام، يتوفر في ألمانيا حوالى خمسة وعشرين ألف سرير مع أجهزة تنفس صناعي في أقسام العناية المركزة.
غير أن الحكومة الألمانية لم تكتف بذلك، حيث أعلنت عن مضاعفة عدد أماكن الرعاية المركزة، واستخدمت بعض الفنادق والصالات الرياضية كأماكن لعلاج الحالات الخفيفة تخفيفاً عن كاهل المستشفيات للتفرغ لعلاج الحالات الحرجة.
كما تميزت ألمانيا بقدرتها على إجراء الفحوصات المبكرة على الحالات المشتبه فيها وبالتالي اكتشاف الفيروس في الأشخاص الذين لم تظهر عليهم أي أعراض، ما أدى إلى عزلهم وشفائهم قبل تطور المرض لديهم. 
وأبدى غالبية الألمان رضاهم عن أداء حكومة ميركل في إدارة أزمة كورونا في بلادهم. والذي توازى مع إطلاق الحكومة الألمانية برنامج إنقاذ بحجم 700 مليار يورو لمنع إفلاس الشركات الصغرى والمتوسطة، وتقديم إعانات للعاملين المتوقفين عن العمل، وهي اليوم بصدد توسيع أكبر خطة إنقاذ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لقد تحدثت ميركل عن «نجاح مؤقت هش»، لتبرهن مرة أخرى على إتقانها فن انتقاء عباراتها في كل المناسبات والظروف، من دون أن تنسب لنفسها المبادرات أو النجاح. وهذا ما دفع برئيس قسم علم الفيروسات في مستشفى هايدلبرغ الجامعي للقول: «ربما كانت أعظم نقاط قوتنا في ألمانيا هي اتخاذ القرار العقلاني على أعلى مستوى وزاري، مقترنا بثقة الشعب بالحكومة».
كذلك، وفي رد منه على سؤال، توجه نائب ميركل الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولز بثقة، قائلا: «ننتقل إلى وضع طبيعي جديد.         
وتبدو المستشارة وكأنها استعادت زخم شعبيتها. بعدما أظهرت كفاءتها في إدارة أزمة كورونا، وتوالت الإشادات من الداخل والخارج حول «النموذج الألماني» الذي جمع بين المرونة والدقة وإشراك الهيئات ذات الصلة في بلورة القرار.
واختارت ميركل - صاحبة الدكتوراه في الفيزياء - طريقا يقوم على الهدوء والرصانة والاكتفاء بالوقائع والحقائق، وكأنها في مختبر علمي. تُذكر بالمخاطر دون تهويل، تُشيد بالنظام الصحي الألماني دون غطرسة أو غرور.
وأوضح ستيفان بروخلر أستاذ العلوم السياسية في جامعة هومبولت في برلين جانبا آخر من خصائص أسلوبها في القيادة: «أعتقد أن هناك سببين للتفوق الألماني في مواجهة كورونا. فالمستشارة ميركل تملك أسلوبا قياديا يعتمد التوافق؛ أسلوبا يجمع بين التصميم والمعرفة العلمية. وتعمل الحكومة في برلين على إشراك رؤساء حكومات الولايات والمعارضة في صنع القرار.
هذا النمط من الحكم، يختلف بشكل كبير عن أسلوب سياسيين آخرين مثل دونالد ترامب أو بوريس جونسون اللذين يعتمدان استراتيجية امتلاك الحقيقة، والغطرسة».
«قليل من الكلام مزيد من الأفعال» هكذا نصحت قناة «سي.إن.إن» الأميركية، الرئيس دونالد ترامب ودعته إلى الاقتداء بالمستشارة ميركل.
وقارنت القناة بين الصراع المرير الذي يقوده ترامب ضد حكام الولايات الأميركية والتعاون الوثيق، بل والانسجام بين ميركل ورؤساء حكومات المقاطعات الألمانية.
القناة أشادت بمهارة ميركل، فرغم أن ألمانيا والولايات المتحدة لهما نظامان فيديراليان، حيث تتمتع الولايات بصلاحيات واسعة، فإن ميركل، تقول القناة، أدارت الأزمة بشكل زاد من تعاضد وتوحد الألمان، فيما ساهم ترامب في انقسام الأميركيين.
وربما يتبادر إلى ذهننا، ونحن نرى كيف تعاملت المستشارة ميركل مع أزمة كورونا، مقدمة رواية «قصة مدينتين» للكاتب تشارلز ديكنز: «كان أحسن الأزمان، وكان أسوأ الأزمان. كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة. كان عهد الإيمان، وكان عهد الجحود. وكان شتاء القنوط، وكان ربيع الأمل».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ميركل مديرة أزمات أوروبا ميركل مديرة أزمات أوروبا



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:00 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

نصائح "فونغ شوي" لسكينة غرفة النوم

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 06:54 2023 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

قواعد وإتيكيت الحديث واتباع الطرق الأكثر أناقاً

GMT 19:56 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

الأحزمة الرفيعة إكسسوار بسيط بمفعول كبير لأطلالة مميزة

GMT 19:13 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الممثل البريطاني جوس آكلاند عن عمر يناهز 95 عامًا

GMT 12:47 2020 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

موديلات بروشات للعروس مرصعة بالألماس

GMT 15:13 2022 السبت ,07 أيار / مايو

اتيكيت تقديم الطعام في المطاعم

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 11:52 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

لعنة الأبطال تطارد ريال مدريد وبرشلونة في كأس السوبر

GMT 09:36 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الصحافيون السودانيون يدفعون ثمناً باهظاً لكشف الحقيقة

GMT 07:15 2023 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

تخفيف الإجراءات الامنية في وسط بيروت

GMT 07:38 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل 10 عطور رقيقة للعروس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon