عن المارونية السياسية والشيعية السياسية في لبنان

عن المارونية السياسية والشيعية السياسية في لبنان

عن المارونية السياسية والشيعية السياسية في لبنان

 لبنان اليوم -

عن المارونية السياسية والشيعية السياسية في لبنان

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

غمز البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظته الأخيرة من قناة رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، على أمل أن يطال غمزه شركاءَ الحريري في المنظومة السياسية.
وقد حذر البطريرك الحريري، من التفاهمات الثنائية والوعود السرية والمحاصصات، وهو كلام يعتبر تقييماً لمرحلة طويلة بدأت منذ اتفاق الطائف ولا تزال مستمرة بخطوطها العريضة.

وينطبق هذا الكلام على الاتفاق الرباعي الذي أعقب الانسحاب السوري من لبنان وسبق الانتخابات النيابية عام 2005 بين الثنائي أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل على إدارة تلك المرحلة وتقاسم حصصها النيابية والوزارية، من دون أن يكون للقوى السياسية والحزبية المسيحية – أي للمارونية السياسية - فيها حضورٌ وازن.

كما ينطبق كلام البطريرك على تفاهم مار مخايل بين التيار الوطني الحر وحزب الله عام 2006، وهو التفاهم الذي أعطى سلاح حزب الله غطاء مسيحياً كان المساهم الأساس في تمكينه من قضم مواقع القرار السياسي والأمني والاقتصادي للدولة اللبنانية- الشيعية السياسية- في مقابل وعد من الحزب للعماد عون بدعم وصوله الى رئاسة الجمهورية.
فلكل طائفة لبنانية قصة مع لبنان، والقصص كلّها تتراوح بين رغبة في الاتّصال ورغبة في الانفصال.

وشهدت العقود الأربعة الماضية تغيرات هائلة: المسيحيّون مثلاً انتقلت كتلتهم الكبرى من تصور البلد متماهياً مع الغرب إلى تصوره متعاطفاً مع بشّار الأسد، مستعدّاً لتفهّم السلوك الإيراني. والسنة، بدورهم، انزاحت أكثريتهم من صورة للبنان وهو يهتف لجمال عبد الناصر، ثم للمقاومة الفلسطينية إلى تخيل لبنان وطناً مستقرّاً، متحالفا مع دول الخليج والسعودية.

التحوّلان هذان ليسا بسيطين، ولا قليلين، ولكن يبقى التحول الذي عرفته الطائفة الشيعية أكثر حدة ودرامية، وواقع الحال أن مسار الشيعية السياسي في لبنان هو مسار الانزياح الهائل من موقع الاتصال، كما بناه الإمام موسى الصدر، الذي أسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وكان هدفه توثيق العلاقة بين الوطن وإحدى أكبر طوائفه وأكثرها تهميشاً وهي الطائفة الشيعية.

وجاءت الصدرية نتاج تقريب الأرياف من المدن، وتوسيع الإدارة وتحديثها، وتوسّع البيئة الشيعية المتعلّمة التي خرجتها الجامعة اللبنانيّة.
الطائفة الشيعية، كانت الطائفة الأكثر ديناميكية، بسبب علاقتها بالإدارة والتعليم، والهجرة، لهذا كان التعويل، على أنْ يكملَ الشيعة المشروع الوطنيَّ اللبنانيَّ بعد أن استُنزفَ الموارنة والمسيحيُّون ولم يعد لديهم الكثير ليعطوه. هذا الاستنزاف كان قد دلَّ إليه اختيارهم سليمان فرنجيَّة، في 1970، لرئاسة الجمهوريَّة، ورزوح إنتاجهم الثقافيّ تحت وطأة الخطابيَّة الرومنطيقيَّة الريفيَّة والنوستالجيَّة.

فالشيعة يومذاك باتت تربطهم بالدولة وإدارتها صلة بالغة المتانة، وكانت كتلتهم الوازنة تحوَّلت من ريفيَّة إلى مدينيَّة. وهم بدوا متفوّقين على الموارنة والسنَّة من جهتين: أقلّ من الموارنة رومنطيقيَّةً وانشداداً إلى الممفهوم الريفيّ القديم عن الوطنيَّة، وأقلّ من السنَّة تعرُّضاً للإصابة بالقوميَّة العربيَّة ومترتّباتها.

وقد عبَّر موسى الصدر في بداياته اللبنانيَّة عن هذه التوجُّهات، وهو ما استمرَّ عليه إلى أنْ صدَّه سليمان فرنجيَّة المقفل عن كلّ إصلاح وتغيير. وإذ قفز الصدر إلى الحضن الأسديّ ومخيَّمات التدريب الفلسطينيَّة.

وفي محل الاتصالية، رفع حزب الله برنامجاً انفصالياً، وباسم الشيعة، وأعلن العزم المبكر على إقامة «جمهورية إسلامية في لبنان، قبل أن يتراجع عنها. وباسمهم، خاض حروب طهران في بيروت. وباسمهم، أعلن عن مشروع للتحرير وأنشأ دولة أقوى من الدولة، وجيشاً أقوى من الجيش.

والمواجهة المعلنة مع الشيعية الأمنية بدأت على أثر خروج الجيش السوري من لبنان في العام 2005 واضطرارها ان تدافع عن مشروعها بنفسها، وقد اصطدمت هذه الشيعية السياسية بالانتفاضة السيادية الوليدة واستخدمت شتى الأساليب والوسائل لإجهاضها.

ومنذ تفاهم مار مخايل 6 شباط 2006، اختار حزب الله أن يحيل معادلة 6 شباط 1984 إلى التقاعد. نسخة 2006 أنشأت الحصانة السياسية للشيعية السياسية على قاعدة الغطاء الذي يؤمّنه لها ميشال عون وتياره آنذاك، الذي كان صاحب الصفة الأكثر تمثيلاً في بيئته. وهو ترتيب معاكس لنسخة 1984 التي بنت حصانتها السياسية على قاعدة الغطاء الذي يؤمّنه لها التحالف الشيعي مع وليد جنبلاط، على شرعية «الدولة المارونية» كان يمثّلها آنذاك الرئيس أمين الجميل.
وأنهت حرب العام 1975 حكم المارونية السياسية التي ساهمت بتأسيس الجمهورية الأولى.

ولم يلقب لبنان بـ«سويسرا الشرق» سوى بفعل حقبة الاستقرار والازدهار والبحبوحة التي عرفها البلد في زمن المارونية السياسية، فتميّز بدولة حديثة وعصرية ومتقدمة على كل دول المنطقة في شتى الحقول والمجالات، ولكن اندلاع الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975 بسبب الانقسام حول خيارات إستراتيجية كبرى أدى إلى إنهاء حكم المارونية السياسية وإنهاء النموذج الذي شكّله لبنان.

كما أنهى اغتيال الرئيس رفيق الحريري حكم السنية السياسية، وما خطته من خطوات في طريق إعادة إعمار لبنان. وباتت الشيعية السياسية والعسكرية وحدها هي سيدة الموقف في لبنان، بعدما لم يوجد في لبنان سنية سياسية، فالسنية السياسية كانت تعني الحريرية السياسية، وحصرا رفيق الحريري.
وقد اصطلح على تسمية الحقبة التي دخل فيها الرئيس رفيق الحريري إلى الحياة السياسية في العام 1992 مترئساً أولى حكوماته بعد اتفاق الطائف، بالسنية السياسية، ومردّ ذلك إلى الأسباب الآتية:

السبب الأول: انكفاء المارونية السياسية بفعل الانقلاب السوري على اتفاق الطائف الذي طبِّق انتقائياً وعلى قاعدة غالب ومغلوب وتحكُّم دمشق بقرار بيروت.
السبب الثاني: نجاح الدعاية العونية بفِعل عدم انتخاب العماد ميشال عون كأوّل رئيس للجمهورية في اتفاق الطائف، من خلال تصوير هذا الاتفاق بأنه استبدل المارونية السياسية بالسنية السياسية، وانه نزع الصلاحيات من الموارنة وأعطاها للسنة.

صحيح أنه قبل رفيق الحريري كانت هناك قيادات سياسية سنّية وازنة موزعة مناطقياً وتعمل متعايشة مع زعامات المارونية السياسية. ولكن لم يكونوا يشكلون حالة محلية مستقلة، وكبيرة، بل جزءاً من الحالة الإقليمية التي كانت تموج بالمنطقة بنسخ ناصرية أو بعثية أو عرفاتية أو يسارية.

وبالتالي فإن المارونية السياسية لم تكن متوجسة إلا من رياح الخارج، وما يمكن أن تزيحه في بلد حكمته منذ الاستقلال.
المارونية السياسية مثّلها بنسختها المنحطة، شخص مثل جبران باسيل، الذي رفع شعار استعادة الحقوق المسيحية من السنية السياسية. على اعتبار أن اتفاق الطائف الذي أصبح دستوراً قلص من صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني ووضع جزءاً من صلاحياته التنفيذية في مجلس الوزراء مجتمعاً، وذلك نتيجة الخلل في التوازن الوطني والعسكري الذي تسبّبت به حربا التحرير والإلغاء اللتان أعلنهما الجنرال ميشال عون عامي 1989 و1990 وأنهكتا المجتمع المسيحي.

«المارونيَّة السياسيَّة» نهضت بقيام دولة، ومن خلالها، فيما ازدهرت «الشيعيَّة السياسيَّة» عبر تفكيك الدولة، وإقامة دولة موازية يشكّل السلاح عمودَها الفقريَّ.
ويرفض الموارنة الحاليون الاعتراف بأنهم ورثة غير ناجحين لأسلافهم الموارنة ‏الناجحين الذين أسسوا لبنان الحديث، والذين أنتجوا فكرتين ديناميتين غير مسبوقتين: العروبة مقابل ‏العثمانية، ثم الوطنية اللبنانية مقابل العروبة. ويرفض المسلمون الاعتراف بأنهم خلفاء غير ناجحين لـ «المارونية السياسية» ‏التي انتهت في العام 1975‏‎.‎

ولم تفعل «السنية السياسية، والشيعية السياسية» أكثر من الندب على مظلومية سابقة، فظنوا أن «الطائفية السياسية» التي ابتدعها الموارنة، يستعاض عنها بـ»طائفيات سياسية» ‏متعددة، تعيد لهم حقاً مسلوباً وشراكة مغبونة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن المارونية السياسية والشيعية السياسية في لبنان عن المارونية السياسية والشيعية السياسية في لبنان



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:56 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 15:43 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

أعلى 10 لاعبين دخلاً في صفوف المنتخب الجزائري

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 09:07 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

صفقة نفطية لشركات أجنبية تُفجر خلافاً واسعاً في ليبيا

GMT 10:20 2023 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

الجينز واسع والألوان الجريئة أبرز صيحات الموضة لعام 2024

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 19:50 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة السيدة الأميركية الأولى السابقة روزالين كارتر

GMT 00:54 2023 الخميس ,27 إبريل / نيسان

أفضل الإكسسوارات والمجوهرات لهذا الموسم

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon