إنها رائحة النفط والتدويل

إنها رائحة النفط والتدويل

إنها رائحة النفط والتدويل

 لبنان اليوم -

إنها رائحة النفط والتدويل

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

«عجقة» أساطيل وبوارج حربية على تخوم شواطئ بيروت، تصول وتجول تحت ستار تفقد أضرار المرفأ، وتقديم مساعدات طبية وإغاثية للشعب اللبناني.
وغالباً لم تأتِ تلك الأساطيل تلبية لدعوة رسمية من قبل الحكومة اللبنانية الغائبة بدافع الاستقالة.

ويعرِف العتيق في السياسة اللبنانية أن الزحمة الحقيقية هي زحمة أنابيب غازٍ وبِترول. وباستطاعة أي متابِعٍ أن يتنشق رائحة الغاز في بيروت، وتكاد رائحته تطغى على تلك التي فاحت مِن نيترات الأمونيوم. فقد جاء الفرنسي ثم تبعه الأميركي للتأكيد على ترسيمِ الحدود البحرية.

ومن المؤكد أن معاناة الشعب اللبناني لا تدخل في صلب إستراتيجيات الدول الغربية القادمة بأساطيلها، فالعيون والبوارج كلّها شاخصة اليوم على الغاز اللبناني، وبشكل أوسع على كميات الغاز الضخمة التي تم اكتشافها شرق البحر المتوسط من سورية مروراً بلبنان وإسرائيل وقبرص وصولاً إلى مصر، وهي موجودة على تخوم الاتحاد الأوروبي، أول مستهلك للغاز في العالم.

فمنذ توقيع العقود مع تجمع شركات «TOTAL ENI» و»NOVATEC»، كان واضحاً الفيتو الأميركي على بدء عملية استخراج الغاز اللبناني قبل ترتيب بعض الأوراق الداخلية في لبنان،

والتوافق على تسوية بين الفرنسيين والأميركيين حول عملية الحفر، إلى أن تم التوصل إليها في شهر شباط الماضي، على أن يتم تجميد تنفيذ المراحل اللاحقة حتى ترتيب الأمور السياسية والأمنية مع لبنان.

ومن الواضح أن هناك أمرين تسعى أميركا إلى حلهما، وهما: موضوع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل على مستوى البلوك 9، وموضوع سلاح «حزب الله» ووجود قواعد له على الحدود مع إسرائيل.

كل هذه العوامل تضع لبنان أمام مرحلة جديدة غير مسبوقة، فالشركات التي تريد الاستثمار في هذا الغاز، وبناء منصات وبنى تحتية بعشرات مليارات الدولارات، تحتاج قبل كل شيء إلى توافق واستقرار سياسي واقتصادي وأمني محلي ودولي في لبنان.

ولذلك، سيكون موضوع إنهاء ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل البند الأول على جدول أعمال زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية لبيروت ديفيد شينكر، المقررة أواخر الشهر الحالي، وقد تدفع الإدارة الأميركية لبنان إلى التطبيع مع إسرائيل في مرحلة لاحقة، على غرار الاتفاق الثلاثي الأميركي الإسرائيلي الإماراتي، وهذا ما ظهر في مقابلة الرئيس ميشال عون الأخيرة، الذي قال: إنه لا يمانع من التوصل إلى تسوية سلمية مع لبنان، إذا ما تمت إزالة بعض العوائق من طريقها، ولم يشر إلى مبادرة السلام العربية.

من جهة أخرى، تسعى فرنسا والولايات المتحدة إلى نزع سلاح «حزب الله»، وبالأدق السلاح الذي يهدد إسرائيل ومنصات حفر الغاز، من صواريخ بعيدة المدى، وصواريخ ذكية، أما باقي أسلحة «حزب الله» الموجهة للداخل اللبناني سيغضون الطرف عنها، مقابل - وهذا هو الأهم ومحور زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الأخيرة للبنان - الضغط باتجاه خلق نظام جديد، وميثاق جديد للبنان، وترتيب الصيغة اللبنانية وفق نموذج أكثر قابلية للحياة.

وهذا أبعد بكثير من حديث ماكرون عن حكومة لبنانية جامعة. وهو يعني بشكل أو آخر تبني المجتمع الدولي لصيغة «المثالثة»، بدلاً من المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وفي ذلك إرضاء للشيعة، ولـ»حزب الله»، مقابل أسلحتهم الثقيلة ضد إسرائيل وضد مصالحهم في المنطقة. وبمعنى آخر، تسييل قوة «حزب الله» في الداخل اللبناني، عبر مقايضة ما تعزز موقعه وموقع الطائفة الشيعية في الدولة اللبنانية، مقابل تحجيم دور «حزب الله» داخلياً، وإقليمياً.

وهذا أصبح ممكناً، بعدما أضحى منطق التدويل (تدويل الأزمة اللبنانية انطلاقاً من تفجير المرفأ «الملتبس») أمراً واقعاً من التدخل في مسار تشكيل الحكومة اللبنانية القادمة، إلى مشاركة مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي في التحقيقات، وصولاً إلى توزيع المساعدات، وصمت «حزب الله» عن هدير البوارج.

وخصوصاً، أن الغارات الدبلوماسية على الساحة اللبنانية بعد زلزال المرفأ، تعيدنا إلى مناسبتين: الأولى اتفاق الطائف حين تولت إدارته الدول الخارجية، والثانية اتفاق الدوحة، حين تكرر الأمر نفسه. الذي يجمع بين الاثنين، إنها الإرادة الدولية، أي إرادة التدويل، كان لها الكلمة الفصل في حل المشاكل اللبنانية جزئياً عند كل مرة تصل «الصيغة» اللبنانية إلى مرحلة الاستعصاء.

ولكن الكلام الآتي من الصرح البطريركي، قد يفرمل إلى إشعار آخر هذا الطرح، فقد أعلن البطريرك الراعي من الديمان أن «البطريركية تطالب بأن يكون كل حل سياسي منسجماً مع ثوابت لبنان ونهائية الوطن وهويته اللبنانية وانتمائه العربي وميثاقه الوطني». وحذّر من «ابتداع طروحات من نوع المثالثة»، كما حذّر من أي انقلاب على صيغة الشراكة المسيحية الإسلامية، وقال: إنّ «أي حل لا يتضمن الحياد الناشط واللامركزية الموسعة والتشريع المدني ليس حلّاً بل مشروع أزمة أعمق وأقسى وأخطر».
وهناك طرح ثالث، يتحدث عن التوافق حول صيغة تحفظ لكل مكون من المكونات الطائفية وجودها ونفوذها ضمن إطار جغرافي محددة هويته من خلال التوزيع الديموغرافي القائم حالياً، تحت عنوان لامركزية إدارية أمنية اقتصادية، على أن تبقى بيروت مدينة مفتوحة ومنزوعة من السلاح.

الموضوع لا يتوقف على ذلك في نفق التدويل، فمن الواضح أن الدول التي قررت مساعدة لبنان، ليست في وارد منحه مساعدة بـ»شيك على بياض».
ثمة من يقول: إن لبنان كدولة، خسر مرفأه نهائياً، وإن المرفأ الجديد في حال البدء بتشييده، سيكون بحصص مقسمة على شكل أسهم تذهب لصالح دول بعينها أو ربما أكثر من دولة، بمعنى أن الدول التي ستبادر إلى إعادة تشييد المرفأ، لن تقدّمه مجاناً إلى سلطة متهمة بالتورط في تفجيره بالأساس، بل سيعود ريعه إليها، وهذا سيرتب على الدولة لاحقاً أموراً خطيرة، حيث ستصبح سيادتها على مرفئها الرسمي خاضعة لسيادة ومصالح دول أخرى مساهمة في إعادة إعماره، كما حدث مع مرفأ اللاذقية.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنها رائحة النفط والتدويل إنها رائحة النفط والتدويل



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 02:24 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الحبوب وأكثرها فائدة لصحة الإنسان

GMT 02:03 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

مشاهير عالميون حرصوا على أداء مناسك عمرة رمضان 2024

GMT 15:36 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 13:59 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon