عن أزمة سد النهضة 1 من 2

عن أزمة سد النهضة (1 من 2)

عن أزمة سد النهضة (1 من 2)

 لبنان اليوم -

عن أزمة سد النهضة 1 من 2

عبير بشير
بقلم - عبير بشير

مشروع يحمل اسماً واعداً: «سد النهضة العظيم»، شيد على الروافد الإثيوبية العليا للنيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية. على مدى السنوات التي استغرقها بناء المشروع، كان غضب القاهرة من أديس أبابا، يغلي على نار غير هادئة. فعلى النقيض من مشاريع سدود الري العادية، فإن السعة المائية الهائلة وحجم البناء العملاق تجعل من «النهضة» أكبر سدود إفريقيا على الإطلاق.

وفيما ترى فيه أثيوبيا حقاً مشروعاً ومفخرة قومية لإنجاز إقلاعها الاقتصادي، ترى فيه مصر تهديداً لوجودها ولأمنها القومي. أوليست «مصر هبة النيل» كما كتب هيرودوت قبل 2400 عام، ثلاث كلمات لخص فيها المؤرخ الإغريقي حقيقة عابرة للعصور. فوجود بلد الفراعنة مرتبط وجودياً ووجدانياً بهذا النهر، ولولاه لتحولت إلى صحراء قاحلة بلا حياة. فالنيل يشكل 95% من مصادر المياه العذبة في مصر.
وتاريخياً، كانت العلاقة بين كل من إثيوبيا ومصر طويلة وممتدة في التاريخ الإنساني والسياسي والاجتماعي، وتأرجحت بين الانسجام والتنافر، ولعل من أهم أسباب الصراع والنزاع بين الطرفين إلى جانب القضايا الدينية هو الموارد المائية لحوض النيل ومحاولة كل طرف الادعاء بأحقيته في المياه. إثيوبيا ترى أنها لها الحق في إقامة مشاريعها المائية باعتبار أن المياه تنبع من أراضيها وهي أحق بها دون النظر إلى أي اتفاقيات سابقة ليست طرفا فيها، بينما ترى مصر أحقيتها باعتبار الحق التاريخي الأصيل والاتفاقيات المائية التي أبرمت سابقاً، وإثيوبيا تعتبر من الدول ذات الصوت العالي، والأكثر رغبة في قيادة دول المنبع وتغيير الواقع على الأرض، وتكثر مطالبها في إعادة توزيع حصص مياه النيل على أسس جديدة تراعى فيها التطورات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في دول حوض النيل.
 ويعتقد المصريون أن أباطرة الحبشة ترسخت لديهم فكرة منذ عدة قرون وهي القدرة على تحويل مياه النيل عن مصر مقابل سعي مصر للسيطرة والهيمنة على مشاريع النيل، وترتب على ذلك وجود تراث فكري يجعل من اثيوبيا مصدراً دائماً لتهديد مصر عن طريق مياه النيل ويجعل من مصر مصدراً يثير القلق الأمني الإثيوبي.
واتسمت العلاقات المصرية الإثيوبية بطابع الحساسية القومية والدينية منذ زمن بعيد، وأصبح الصراع على مياه النيل، هو نقطة التفجر الدائمة لهذه الحساسيات والتعقيدات التاريخية، ورغم أن العلاقات المصرية الإثيوبية شهدت كثيراً من التحسن في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بسبب نشاط العهد الناصري الكبير في إفريقيا، وبسبب بناء النظام الناصري للعلاقات الوثيقة بين الكنيسة الإرثوذكسية المصرية، والكنيسة الأرثوذكسية في إثيوبيا في عهد البابا كيرلس، الذي كان يقوم بنفسه بتنصيب أساقفة الكنيسة في إثيوبيا.
وفي عهد عبد الناصر، طالبت حركة تحرير إريتريا الاستقلال عن إثيوبيا، وكان موقف مصر في تلك الفترة هو احترام وتأييد قرار الأمم المتحدة الصادر والخاص بضم إريتريا إلى إثيوبيا في اتحاد فيدرالي، ولأن عبد الناصر كان يعي جيداً أهمية إفريقيا، فكانت العلاقات المصرية الإثيوبية في أوج قمتها في عهد عبد الناصر والإمبراطور الإثيوبي هيلا سلاسي، حيث كان يدرك أهمية منابع مياه النيل لمصر.
كما أن مصر كانت تربطها بدول المنابع الأخرى، وهي بوروندي ورواندا والكونغو وتنزانيا وكينيا وأوغندا، علاقات تعاون جيدة خاصة أوغندا، حيث قامت مصر بإنشاء سد «اوين» في أوغندا، لتوليد الكهرباء وتنظيم حركة المياه في اتجاه النيل الأبيض، وأيضًا طورت العمل مع دول المنابع بمشروعات مشتركة كحفر الآبار، ومشروعات صحية وتعليمية وغيرها.
كما قامت مصر بتطوير منابع النهر واكتشاف المزيد من المنابع، في رواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية، لكن هذه الدول، وفور استقلالها بدعم من جمال عبد الناصر، وتحديدًا في عام 1964، أرسلت لمصر ما سُمي بـ»رسالة من جورجيوس» وهذه الرسالة أكدت على عدم اعترافهم بالاتفاقيات الموقعة بينهم مع مصر، بشأن تقسيم المياه، ومنحوا مصر مهلة عامين، قبل إلغاء هذه الاتفاقيات من جانب واحد.
وفي الجانب الاثيوبي، سرعان ما عاد التدهور في العلاقات المصرية الأثيوبية بعد الإطاحة بهيلاسى، بحيث قطعت الكنيسة الإثيوبية علاقتها بالكنيسة الأم في مصر، وأصبحت تنصب أساقفتها بنفسها. وقام منجستو هيلامريام الحاكم العسكري الشيوعي لإثيوبيا سنة 1979م، بتحطيم زجاجات بين يديه، وهو يتهم مصر بالضلوع مع الولايات المتحدة الأميركية، وحلفائها من الدول العربية في تحالف موجه إلى إثيوبيا، وقد رد أنور السادات على ذلك بالتهديد بقصف إثيوبيا. كما قامت الخرطوم بدعم حركة تحرير إريتريا، بينما ساندت إثيوبيا حركات تحرير جنوب السودان، وأعلن السادات وقوفه إلى جانب السودان، ما كان له تأثير سلبي على العلاقات المصرية الإثيوبية.
وبدأ ملف المياه يدخل دائرة التوترات بين القاهرة وأديس أبابا بعد إعلان السادات في 1979، مد مياه النيل لري 35 ألف فدان في سيناء، وأعلنت إثيوبيا وقتها أن هذا المشروع ضد مصالحها، وتقدمت بشكوى إلى منظمة الوحدة الإفريقية تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل.
 تصاعدت الأمور بتهديد الرئيس الإثيوبي «منجستو» بإمكان تحويل مجرى نهر النيل، ومن جانبه وجه الرئيس السادات خطاباً حاد اللهجة إلى إثيوبيا، وأعلن أن مياه النيل خط أحمر مرتبط بالأمن القومي المصري.
وجاء عصر الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ليشهد بداية مرحلة جديدة من العلاقات، وخفت حدة توتر الخطاب السياسي بين البلدين، وبدأت تحل محلها انفراجة في العلاقات المصرية الإثيوبية في صيغة التعاون والتفاهم في مختلف المجالات، ثم توقفت أعمال المجلس الأثيوبي المصري17 عاما كاملة، بعد محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995.
وعقب ثورة 25 يناير 2011، أخذت العلاقات بين مصر وإثيوبيا محورًا مختلفًا، بعد شروع إثيوبيا في بناء سد النهضة، وعرض الاتفاقية الإطارية بين دول حوض النيل» اتفاقية عنتيبي»- التي تعترض عليها مصر والسودان-  على البرلمان الإثيوبي لإقرارها.
ولم تعترف اتفاقية عنتيبي بالحصص التاريخية لمصر « 55.5 مليار متر مكعب من المياه 18.5 مليار متر مكعب للسودان»، ورغم أن هدف الاتفاقية كان توزيع الفقد في المياه، التي تمثلت في 950 مليار متر مكعب على إثيوبيا، وحوالى 750 على الهضبة الاستوائية، و530 ملياراً على بحر الغزال على دول حوض النيل.
وتمتد جذور المعضلة الحالية – المصرية الأثيوبية - إلى الماضي الاستعماري، حينما أقصيت أثيوبيا من كل المعاهدات ذات الصلة بتوزيع مياه النيل، منها معاهدة عام 1929 التي أشرفت عليها بريطانيا كقوة استعمارية، وأعطت مصر عملياً حق الفيتو ضد أي مشاريع بنية تحتية تمس منابع النيل والمناطق العليا منه. إضافة إلى اتفاقية أخرى مع السودان عام 1959، قسمت موارد مياه النيل بين البلدين بشكل يضمن لمصر 55.5 مليار متر مكعب سنويا و18.5 مليار متر مكعب للسودان. اتفاقية تم التفاوض عليها بدون إثيوبيا.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن أزمة سد النهضة 1 من 2 عن أزمة سد النهضة 1 من 2



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 02:24 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الحبوب وأكثرها فائدة لصحة الإنسان

GMT 02:03 2024 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

مشاهير عالميون حرصوا على أداء مناسك عمرة رمضان 2024

GMT 15:36 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 13:59 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 19:38 2022 الثلاثاء ,05 تموز / يوليو

نصائح عند اختيار طاولات غرف طعام مستديرة

GMT 16:09 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:47 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

أفكار لارتداء إكسسوارات السلاسل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon