انفجار المرفأ قنبلة في الوعي المسيحي اللبناني

انفجار المرفأ... قنبلة في الوعي المسيحي اللبناني

انفجار المرفأ... قنبلة في الوعي المسيحي اللبناني

 لبنان اليوم -

انفجار المرفأ قنبلة في الوعي المسيحي اللبناني

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

ليس عبثاً أن يعود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان للمرة الثانية في أقل من شهر، وليس عبثاً أن يستهل زيارته للبنان بلقاء السيدة فيروز بناء على طلبه، ففيروز في الوجدان هي الصورة الجميلة الباقية من لبنان الفن والثقافة ورسالة التواصل بين الشعوب بلغة الموسيقى العالمية، في الذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير.
 وليس جزافاً أن يحذر وزير الخارجية الفرنسي لورديان، من خطر اختفاء لبنان. وهو الخطر الذي استشعرته بكركي وسيدها الراعي أخيراً، الذي بدأ صريخه يعلو ويعلو أكثر فأكثر، خوفاً على لبنان، والوجود المسيحي فيه.

ولن تمر بكركي مرور الكرام، على تكليف السفير مصطفى أديب، بتشكيل الحكومة اللبنانية، عقب اتصال ماكرون عشية الاستشارات النيابية وزيارته للبنان بالرئيس ميشيل عون، وتزكيته لأديب لرئاسة الوزراء، وموافقة الثنائي الشيعي على ذلك، ما يعني أن لبنان أصبح في قلب الوصاية الدولية، في ظل الحديث عن عقد سياسي جديد وعن الدولة المدنية، والديمقراطية العددية. لقد بدا زلزال مرفأ بيروت، كقنبلة نووية في الوعي المسيحي، لقد أصاب التفجير كل اللبنانيين، لكنّه أصاب المسيحيين في الصميم الوجودي، وانفجر في الفكرة التي قامت عليها نظرية «الأقليات».

فلطالما قامت فكرة العونية السياسية على أن سلاح حزب الله هو بديل المسيحيين في لبنان عما خسروه في اتفاق الطائف من صلاحيات. وتوجه إلى المسيحيين بالنظرية «المشرقية»، باعتبار أن المسيحيين يحميهم «تحالف الأقليات»، مع الشيعة والعلويين، وأنه لولا سلاح حزب الله، لكانت «داعش» وصلت إلى جونية، وأصبحت سيداتها سبايا لدى «داعش». لكن الوضع تغير جذرياً بعد التفجير الذي قيل إنه حدث على مقربة من مخازن صواريخ لحزب الله.

لقد كان التفجير بمثابة قنبلة شبه نووية في الوعي المسيحي، لقد تبخر ثلث عاصمة بيروت، وأي ثلث، إنه الثلث المسيحي، فالمناطق التي دمرت بشكل كبير، من الجميزة والصيفي ومار مخايل، مروراً بالأشرفية، ووصولاً إلى أطراف كسروان وبعبدا والمتن، هي عمق القلب الاقتصادي المسيحي لبيروت الكبرى، حيث جزء كبير من المطاعم والفنادق والمقاهي، وعقر الدار الوجودي للطبقة الوسطى والعليا المسيحية البيروتية، والشريحة الأكثر مدنية وانفتاحاً، والصورة الأدق عن لبنان الذي يحلم به أغلبية اللبنانيين، بمقاهيه، وصالاته الفنية، وبيوته الأثرية.

وللمرة الأولى ينتبه المسيحيون إلى أن سلاح حزب الله يمكن أن ينفجر في وجوههم، وفي مناطقهم. قبلها كانت الحروب التي يخوضها حزب الله بعيدة عنهم في الضاحية والجنوب. بعد 4 آب، انتبه المسيحيون إلى أن اللعب مع السلاح أذاه شديد، وأن السلاح قريبٌ جداً منهم، وفي عقر دارهم. وهو خطر على «وجودهم»، فآلاف البيوت ما عادت صالحة للسكن في الجمّيزة والصيفي. تلك البيوت القديمة، جاء التفجير ليخرجها نهائياً من الخدمة، وهي، في عمرها وحالتها، تشبه «الوجود المسيحي» نفسه، القديم، والجالس على بركان صواريخ وأسلحة.

لقد نجح المسيحيون في ترسيخ مفهوم نهائية الكيان اللبناني، بعد عقود من التباين حوله، ولم يعد في لبنان طائفة أو حزب ينظر نحو لبنان كخطأ تاريخي أو زائدة جغرافية، ينتظر متغيرات تتيح دمجها بالمحيط العربي أو الإسلامي، كما كان الحال في منتصف القرن الماضي.

وسيكون سهلاً لدى التدقيق في هواجس المسيحيين الفعلية اكتشاف حقيقة أنه ليس في العقل المسيحي الجمعي خوف من وجود لمشروع سني أو شيعي طامح أو طامع بلبنان، بل صراعات إقليمية يخشى اللبنانيون مسيحيين ومسلمين من أن يدفعوا فواتير تصعيدها أو تسوياتها.
وهذا ما حدث، وشكل صدمة في الوعي المسيحي على مراحل، كان آخرها مدمراً وعنيفاً جداً – انفجار المرفأ-.

لقد كان الشرخ الأساسي في الصورة حين وقعت ثورة تشرين وامتنع الغرب ودول الخليج عن مد يد العون إلى لبنان، فتعرض لبنان لحصار غير معلن هدفه تطويق حزب الله، وانهار اقتصاده وعملته الوطنية، والاقتصاد الواقع تحت الحصار، هو اقتصاد مسيحي في عمقه، في المصارف والجامعات والمدارس والمؤسسات الكبيرة. لقد قام «لبنان المسيحي» على أعمدة كثيرة، أبرزها: الجيش، والمصارف، والمؤسسات، الجامعة الأميركية واليسوعية، والمدارس التبشيرية، كل هذه الأعمدة اهتزت بشكل عنيف.

والمصارف بدأت رحلة «تشييعها» بشكل أو بآخر، بعدما كانت مسيحية، ومارونية. كذلك المدارس المسيحية، على أبواب الإفلاس، كما لو أنّنا نشهد وداع «الدولة المسيحية العميقة»، في التعليم والمال.

ثم اكتشف المسيحيون أنهم ما عادوا قادرين على الوصول إلى أموالهم في المصارف. كان يمكن أن يقبلوا أيّ شيء، إلا أن يتحولوا إلى متسولين مهما كان حجم مدخراتهم.
حينها اكتشف مسيحيو لبنان أن عهد عون ليس عهد الإنقاذ بل عهد القطيعة مع الغرب. وسياسة ميشال عون جعلت الدولة اللبنانية، دولتهم، في مصاف «الدولة المعادية» للغرب، الذي لطالما افتخروا بأنه حليفهم وسندهم، وبأنهم جزء منه. والغرب هو المدى الحيوي التقليدي للمسيحيين ثقافياً واقتصادياً وسياسياً، الذي لا يمكنهم تخيل العيش خارجه.
بكركي اليوم خائفة، وتتحرك بدافع الخطر الوجودي، وليس كخيار سياسي، وترى أن خلاص لبنان الوحيد بحياده، وعدم استعدائه للغرب ودول الخليج، ووضع كل مخازن السلاح بين أيدي الدولة اللبنانية.

و»الحياد» يعني خروج حزب الله من أدواته الإقليمية، خروجه من سورية بشكل نهائي، وتخليه عن شعار «الموت لآل سعود»، وتخليه عن كل برامجه، المعلنة والسرية، لأي نشاط في أي دولة عربية.

 وليس خافياً على أحد أن البطريرك الراعي، الذي خلف بطريرك الاستقلال الثاني، نصر الله صفير، في العام 2011، كان محسوباً على 8 آذار، في الوعي السياسي اللبناني. مقارنةً بسلفه، بدا الراعي أقرب إلى «مشرقية» ميشال عون، منه إلى «سيادية» صفير. وبدت بكركي، في عهده، كما لو أنّها تقوم بالتفاف تاريخي صوب الشرق. حصل هذا أيضاً في لحظة انسحاب أميركي من المنطقة، ووصول الدب الروسي إلى المياه الدافئة على ضفاف المتوسط.

لكن بكركي خائفة اليوم أكثر من أي وقت مضى، فقد شهد العام 2020 إعلاناً أميركياً صريحاً ببدء مواجهة تاريخية ونهائية مع حزب الله، من ضمن مواجهة شاملة ضد إيران، وقانون قيصر لا يمزح. وقد وجد الراعي أن ميشال عون «أسير» حارة حريك التي انتخبته رئيساً. كذلك صهره جبران باسيل، «رهينة» حلمه بوراثة حماه على كرسي قصر بعبدا. واقتنع الراعي أن الرجلين يسعيان إلى «مجد من رماد».

بكركي خائفة، للأسباب الاقتصاديّة التي تتسبب بالهجرة الكثيفة للمسيحيين، وما يرافقها من تضاؤل في الحضور المسيحي، ويبدو أننا أمام موجة هجرة مسيحية ومسلمة، قد تكون الأقوى والأخطر منذ تأسيس لبنان الكبير قبل 100 عام... لنصل إلى الجيش، الذي لطالما كان حامي المسيحيين وجيشهم، والجيش الآن في مهب الريح، مع تحول رواتب كبار ضباطه إلى «فكة ليرات» تكاد لا تكفي لشراء الطعام والشراب.

بكركي قلقة اليوم، من التغير الجوهري في الاهتمام الغربي بالوجود المسيحي ومن خلاله النظر لهوية لبنان، والحديث علنياً وجدياً عن الحاجة إلى نظام سياسي جديد في لبنان.
وبكركي خائفة من دفع الغرب للمحور السني العربي، للتطبيع مع إسرائيل من دون الأخذ بالاعتبار لأي شروط لحل القضية الفلسطينية بصورة عادلة تنهي هواجس لبنان، خصوصاً المسيحيين حول مصير اللاجئين الفلسطينيين وخطر التوطين.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انفجار المرفأ قنبلة في الوعي المسيحي اللبناني انفجار المرفأ قنبلة في الوعي المسيحي اللبناني



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:56 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 21:29 2023 الإثنين ,08 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الاثنين 8 مايو / آيار 2023

GMT 07:24 2021 الإثنين ,01 آذار/ مارس

غفران تعلن مشاركتها في "الاختيار 2" رمضان 2021

GMT 08:42 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

اتجاهات الموضة في الأحذية لربيع عام 2022

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 13:46 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 17:36 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

"مودل روز" تثير الجدل بإطلالة جريئة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon