عن مناعة القطيع

عن مناعة القطيع !

عن مناعة القطيع !

 لبنان اليوم -

عن مناعة القطيع

عبير بشير
بقلم - عبير بشير

في وقت، يبدو فيه المشهد عجائبياً في الميزان السياسي والاقتصادي والشعبي وكأن توازنات العالم انقلبت رأساً على عقب، وحين كانت دول الشرق والغرب وأوروبا تسارع باتخاذ إجراءات طارئة لمكافحة وباء كورونا وتغلق المدارس والجامعات والمتاجر وتنشر جنودها في الشوارع لفرض الحجر الصحي، كانت حكومة بوريس جونسون تغرد خارج السرب، فقد ظلت المدارس والمطاعم والمسارح والنوادي والأماكن الرياضية والشركات والمصانع في بريطانيا مفتوحة، ولم تفرض قيود إلزامية على الحركة والتنقل. كان عين الحكومة البريطانية فقط على حركة الاقتصاد وخشيتها من أن تؤدي التدابير الصارمة إلى وقف عجلة الإنتاج والاقتصاد، وكانت حجة الحكومة البريطانية الخوف من أن يصاب البريطانيون «بالإرهاق السلوكي» ويستأنفون حياتهم الطبيعية قبل احتواء تفشي المرض.
لقد ظهر مساران متناقضان للتعامل مع الفيروس، فبينما عملت معظم الدول باتجاه السيطرة على الفيروس، والحد من انتشاره، داخل أقاليمها الجغرافية، من خلال نهج العزل الصحي، وعبر ما يُسمى بسياسة «تسطيح المنحنى»؛ فإن حكومة جونسون طرحت مساراً معاكساً، عبر تطبيق استراتيجيتها الفريدة للتعامل مع الأزمة، وهي «مناعة القطيع» التي تقول بتوسيع دائرة انتشار المرض حتى تتكون مناعة جماعية لدى السكان. قبل أن يصاب جونسون ووزير الصحة نفسهما بفيروس كورونا، وقبل أن تتراجع بريطانيا تباعاً عن خطتها وصولاً إلى إعلان الإغلاق التام، على ضوء دراسات وبيانات نبهت إلى عواقب وخيمة تنتظر بريطانيا إذا لم تبادر بتطبيق إجراءات مشددة.
وقبل أسبوعين من إصابة جونسون، خلفت تصريحاته صدمة لدى البريطانيين حين أخبرهم أن عليهم الاستعداد لفقد أحبائهم، لأن الفيروس سيواصل الانتشار في البلاد على مدار الأشهر المقبلة حاصدا المزيد من الأرواح.
لقد طالب جونسون البريطانيين فقط بالهدوء، وأن على كل من يشعر بحُمى أو بسعال، أو أعراض البرد عامة، أن يلتزم منزله، لفترة سبعة أسابيع، من دون التواصل مع الخدمات الصحية الوطنية، والتي ستكون مخصصة فقط للحالات الحرجة، وحضهم على وقف التواصل الاجتماعي مع الذين تزيد أعمارهم على 70 عاماً والأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية.
وتحدث المستشار الصحي للحكومة البريطانية باتريك فالانس عن «مناعة القطيع»، موضحاً أنه كلما توسعت دائرة انتشار الوباء ستصبح هناك مناعة وطنية أوسع لأجيال، رغم ما قد يرافق ذلك من خسائر في الأرواح.
وألمح فالانس إلى احتمال ترك فيروس كورونا يصيب نحو أربعين مليوناً من سكان المملكة المتحدة، أي 60% من السكان، للوصول إلى «مناعة القطيع»، وهي نظرية معروفة تقول بمواجهة أي فيروس بالفيروس ذاته، «داوها بالتي هي الداء».
فعندما يتعرض جسم الإنسان إلى الأمراض المعدية، فإن جهاز المناعة لديه، يقوم بصنع أجسام مناعية مضادة لها. وإذا عاش الشخص وتعافى فإن جهاز المناعة يطور ذاكرة لهذا الغازي، بحيث إذا تعرض للفيروس مستقبلاً فإنه يمكنه محاربته بسهولة.
ويوضح البروفيسور مارك وولهاوس، أستاذ علم الأوبئة والأمراض المعدية في «جامعة إدنبرة» أن مفهوم مناعة القطيع يقف في «أساس برامج التطعيم جميعها». فمناعة القطيع تقول: إذا كان لديك مرض جديد مثل كوفيد-19 وليس له لقاح فعندها سينتشر بين السكان، ولكن إذا طور عدد كافٍ من الأشخاص ذاكرة مناعية فسيتوقف المرض عن الانتشار حتى لو لم يكن جميع السكان قد طوروا ذاكرة مناعية.
إلا أن حكومة جونسون اضطرت للتراجع عن خطة «مناعة القطيع» بفعل الأرقام والبيانات الصادمة الآتية من إيطاليا، إذ إن ما يصل إلى 30 في المئة من المرضى من الذين دخلوا المستشفى بالفيروس يحتاجون إلى العناية المركزة، وإذا تكررت هذه الأرقام في المملكة المتحدة، فإن بريطانيا ستكون أمام سيناريو مرعب من انهيار النظام الصحي، كما أن معدل الوفيات سيكون بعشرات الآلاف.
وشبه د. ويليام هاناج الأستاذ في تطور وبائيات الأمراض المعدية في جامعة هارفارد إجراءات الحكومة البريطانية، بشخص يريد إخماد حريق نشب بمنزل، عبر تركه حالياً على أمل السيطرة عليه مستقبلاً.
وحدد هاناج المشكلة باستراتيجية «مناعة القطيع» التي تتبعها السلطات جزئياً، بكون النظرية تنطبق بشكل أساسي على اللقاحات التي تجعلها ممكنة، وليس فيروس كورونا الذي ليس له لقاح حتى الآن، مشدداً على أن «كورونا المستجد» هو عبارة عن وباء سيصيب أعداداً هائلة من الناس، وسيقتل أعداداً كبيرة منهم.
كذلك تعرضت الحكومة البريطانية إلى انتقادات بالجملة على استراتيجيتها، ففي رسالة مفتوحة، لنحو 200 من العلماء البريطانيين والدوليين، عبروا عن قلقهم البالغ من استراتيجية مناعة القطيع وشككوا في جدوى هذه المقاربة، إذ إنّ المشكلة الرئيسية فيها تكمن في عدم توفر أيّ دليل علمي على إمكانية تطوير مناعة دائمة ضد الفيروس، مع بروز تقارير عن أن الفيروس يطور نفسه، وإصابة المتعافين منه من جديد. وحتى يصيب 60 في المائة من السكان، وفقاً لنظرية مناعة القطيع، فإن معظم الوفيات تكون بين المجموعات ذات المناعة الضعيفة، مثل المسنين، أو من يعانون من أمراض. وتعد التضحية بالفئات الضعيفة صحياً أمراً معيباً أخلاقياً، وهم سيكونون بمئات الآلاف.
وتشير البيانات إلى أنّ تفشي فيروس «كورونا» في المملكة المتحدة، يتبع مساراً مشابهاً لإيطاليا، حيث تشهد بريطانيا ارتفاعاً مهولاً في عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد، فقد سجلت، البلاد أكثر من 29 ألف حالة، كما بلغت الحصيلة الإجمالية للمتوفين بالوباء على الأراضي البريطانية أكثر من ألفين وخمسمائة حالة.
وتحاول بريطانيا الآن جاهدة، تأجيل الوصول إلى ذروة تفشي وباء كورونا، عبر إستراتيجية «تسطيح المنحنى» بعدما أجبرت عن التخلي عن استراتيجية «مناعة القطيع».
وتقوم بريطانيا بتطبيق هذه الإستراتيجية، مثلها مثل معظم الدول لمواجهة فيروس كورونا والتي تقوم على إبطاء الانتشار، بمعنى توزيع الإصابات على مدة زمنية أطول، في ظل غياب المصل المضاد للفيروس الجديد. ولا تستهدف سياسة «تسطيح المنحنى» تخفيض العدد الإجمالي للمصابين بالفيروس، بقدر ما تحاول الموازنة بين مراحل تفشي الوباء وقدرات قطاع الرعاية الصحية، ويتم ذلك من خلال تأجيل الوصول إلى نقطة الذروة بمنحنى انتشار الفيروس، لتوزيع المصابين بالفيروس على فترات زمنية أطول، بما يسمح للنظم الصحية باستيعاب الأزمة.
ويمكن الوصول إلى إبطاء تفشي الوباء من خلال أداتين أساسيتين، هما:1-العزل المنزلي، 2- التباعد الاجتماعي وهو يعني منع التجمعات بكافة أشكالها، والاحتماء بالمنزل، وتخفيف التواجد بأماكن العمل والأماكن العامة والمواصلات العامة، وإلغاء الفاعليات، وإيقاف المدارس والجامعات، ومنع المصافحة وكافة أشكال التواصل البدني، والمحافظة على مسافة تصل إلى متر أو متر ونصف بين كل شخص وآخر في حالات اللقاءات الضرورية، وهو يمكن أن يعني إعلان حال الطوارئ، وتمديدها، كما يحدث عندنا في فلسطين - خليك بالبيت-.
-----
مراجعة طبية: د فرج أبو راضي – أخصائي في مستشفى رفيق الحريري

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن مناعة القطيع عن مناعة القطيع



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 15:43 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

أعلى 10 لاعبين دخلاً في صفوف المنتخب الجزائري

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 09:07 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

صفقة نفطية لشركات أجنبية تُفجر خلافاً واسعاً في ليبيا

GMT 10:20 2023 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

الجينز واسع والألوان الجريئة أبرز صيحات الموضة لعام 2024

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 19:50 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة السيدة الأميركية الأولى السابقة روزالين كارتر

GMT 00:54 2023 الخميس ,27 إبريل / نيسان

أفضل الإكسسوارات والمجوهرات لهذا الموسم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon