مغزى الحرب على «سيداو»

مغزى الحرب على «سيداو»

مغزى الحرب على «سيداو»

 لبنان اليوم -

مغزى الحرب على «سيداو»

بقلم : مهند عبد الحميد

«اعتبرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن توقيع دولة فلسطين على اتفاقية سيداو عام 2014 الخاصة بحقوق المرأة يعتبر إنجازاً وطنياً للشعب الفلسطيني، مؤكدة أن بنود هذا الاتفاق لا تحتوي على أي بند مما حاول البعض ترويجه ضد هذه الاتفاقية».
 جاء هذا الموقف رداً على الحملة المناهضة للمعاهدة الدولية «سيداو» والتي تجاوز مدبروها حدود حرية التعبير عن الرأي الى وضع إملاءات وممارسة التهديد والوعيد  والابتزاز للجهات الرسمية وللقضاء والإعلاميين وأصحاب البيوت الذين يؤجرون المنظمات النسوية. إن محاولة حشد العشائر وتحريضها للتمرد على مرسوم رفع سن الزواج الى 18 سنة، وإغلاق المنظمات النسوية وسَوق اتهامات ضدها ترقى الى مستوى الجريمة فضلاً عن التهديد والوعيد والترهيب، إن هذه المواقف تشكل انتهاكاً سافراً للقانون والنظام، وتقود الى الفوضى وشريعة الغاب، وتؤدي الى نكوص المجتمع الى طور بدائي كالعودة الى ما قبل المجتمع المدني وما قبل سلطة ودولة.
كان الأجدر بالمعترضين على «سيداو» أن يقرؤوا بنودها ويقولوا أي البنود يوافقون عليها وأي البنود يختلفون معها حتى لو كانت كلها، ويقدموا توصياتهم، بدلاً من شيطنتها وتحريمها وتكفيرها بالمطلق، وخلق موقف عدائي لا يستند الى المعرفة والتوثيق واحترام الرأي الآخر. ما حدث يقدم الشعب الفلسطيني بصورة غير حضارية، ليس عبر الموقف المتطرف الرافض للمعاهدة التي وقعت عليها 194 دولة بما في ذلك الدول العربية والإسلامية، وإنما عبر أسلوب الرفض وكيفية التعامل من قبل المناهضين للمعاهدة، هذا الموقف الغريب الذي لم يحدث بهذا المستوى المخل بالديمقراطية وبلغة التخاطب وبالفئات المستخدمة - العشائر-في كل الدول العربية والاسلامية الموقعة على المعاهدة.
هل تريدون سلخ فلسطين عن العالم ومنظومة القوانين والمعاهدات والاتفاقيات التي تشكل مرجعية لتعايش كل دول وشعوب العالم، وتشكل سلاحاً للشعوب المناضلة ضد الاحتلال والنهب والعنصرية والهيمنة الاستعمارية. هل ترفضون اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، وعهدة حقوق الإنسان، ومعاهدة الطفل، واتفاقية مناهضة العنصرية وغيرها من الاتفاقات والقوانين، كما ترفضون معاهدة سيداو؟ البديل يا سادة هو «دولة داعش» التي حاربها العالم وأجمع على كونها خطراً يهدد البشرية، وأزال سيطرتها في العراق وسورية.
 إن صلب قضية الخلاف هي معاهدة سيداو المدعمة بقراري مجلس الامن الدولي رقم 1325،1820. في هذا المجال يمكن القول ان الاتفاقية تدعو الى مساواة النساء بالرجال في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، وفي التعليم والعمل والصحة والضمان الاجتماعي والمساواة أمام القضاء، وحقوق الأمومة، والحصول على الجنسية، والتصويت والترشيح للانتخابات والمشاركة في صنع القرار، والحصول على أجر متساو للعمل المتساوي. والمعاهدة ترفض الاتجار بالمرأة واستغلالها وممارسة العنف ضدها. هل أنتم ضد المساواة وضد إزالة كل أشكال التمييز الممارَسة بحق النساء والموجودة في الواقع والقوانين؟ برفضكم المطلق للاتفاقية تذهبون الى خندق اللامساواة والتمييز ضد النساء. والتمييز السلبي فيه ظلم شديد ويتناقض مع العدالة والأخلاق التي هي جوهر الدين. ولا يغير من هذا الموقف وجود فقهاء في العهود القديمة شرعوا التمييز واللامساواة باسم الدين، في الوقت الذي يتصدر المشهد الآن علماء دين يؤيدون المساواة ويرفضون التمييز ولا يرون ذلك متناقضاً مع الدين، وهذا الموقف تحول الى موقف لدولهم. لماذا لا تكون فلسطين جزءاً من هذا المفهوم الديني الذي بدأ ينتشر في مصر والسعودية والأردن وتونس والمغرب وعدد آخر من الدول؟ 
أود التوجه بالسؤال للذين رفضوا وقاوموا زواج الأطفال ما دون الـ 18 عاماً، هل زوجتم يا سادة أبناءكم وبناتكم في سن الطفولة قبل ان ينهوا المدرسة والجامعة ويعملوا ويستطيعوا الاعتماد على أنفسهم؟ هل يعقل قطع التطور العقلي والجسدي والتعلم والنضج والعمل في زمننا هذا بالزواج بمقياس الغريزة؟ قبل قرن كانت البنات لا يذهبن الى التعليم المدرسي والجامعي باستثناءات قليلة جداً، وكانت الذريعة ان مكان المرأة هو البيت لاعتبارات دينية. لماذا انقلبت المعادلة فأصبح عدد البنات في الجامعات يناهز الـ 65%. ونسبة المتزوجات منهن أقل من 5%. الشيء نفسه ينطبق على العمل، فقد ارتفعت نسبة النساء العاملات وبخاصة في جهازي التعليم والصحة والقضاء وفي مؤسسات السلطة بنسبة كبيرة. الواقع يا سادة يختلف عن رغبات ومواقف البعض. لا تستطيعون تجاهل التطور في مختلف المجالات، ولا تستطيعون فرض مواقف متنافرة مع حاجة المجتمع وبخاصة نصفه من النساء للشراكة على قدم المساواة بكل المستويات، بعد أن اثبتن أنهن أهل لذلك. ولا يمكن معارضة المساواة بالدين المفتوح على التطور كما تقول المدرسة الدينية غير المتزمتة.
حقوق المرأة هو موضوع الخلاف في فلسطين. من يقبل بممارسة الظلم والتمييز والحرمان والقهر والعنف ضد النساء؟ من يقف ضد الحقوق بالمعايير التي طرحتها اتفاقية سيداو، يضع نفسه في موقع الذي يمارس الظلم والتمييز ضد نصف المجتمع، ولا يوجد تفسير آخر غير الانعزال عن المكان والزمان في زمن تحول فيه العالم الى قرية كونية صغيرة.
 وإذا كان موقف القوى التي استخدمت العشائر ووظفتها لتعزيز نفوذها الاجتماعي في مواجهة المؤسسة والأنظمة والقوانين، فإن موقف  بعض المؤسسات، ومواقف رسمية لبعض المسؤولين حاولت جميعها مسايرة الموقف والتماهي بشكل أو بآخر معه. هذا الموقف هو أشد خطورة من الموقف العدمي الأصلي الرافض للمساواة. لقد أوصلتنا سياسة التنازل والتعايش والتماهي مع المواقف المتزمتة دينياً، الى حالة من الميوعة التي تقوض كل إنجاز وكل تقدم على طريق المساواة في الحقوق والواجبات لكل المواطنين، بمعزل عن انتمائهم الديني ونوعهم الاجتماعي ولونهم وعرقهم. حسناً فعلت اللجنة التنفيذية التي خرجت بموقف لا يقبل التأويل وهي تدافع عن قرارها بتبني «سيداو» متجاوزةً الابتزاز الذي يستخدم الدين للإخضاع. إن نقل قضية المساواة الى العشائر والعائلات ورفض حقوق المرأة بصورة مسيئة للشعب الفلسطيني، كان يستدعي الدفاع الصريح من موقع المجتمع المدني والمؤسسات والتنظيمات والنظام والقانون ومن موقع الدولة. للأسف بقي الاستقطاب في إطار العشائر، وفوق ذلك نجح في جذب فئات ومسؤولين لخندقهم. دعونا نعترف، لقد نجح تحالف العشائر مع اتجاهات سياسية متزمتة مع  بعض من القطاع الخاص في إسقاط مشروع الضمان الاجتماعي، فهل ينجح هذا التحالف في إسقاط سيداو؟ سؤال برسم التنظيمات والأحزاب والمنظمات النسوية والاتحادات الشعبية والمستوى الثقافي والأكاديمي!
 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مغزى الحرب على «سيداو» مغزى الحرب على «سيداو»



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 15:43 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

أعلى 10 لاعبين دخلاً في صفوف المنتخب الجزائري

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 09:07 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

صفقة نفطية لشركات أجنبية تُفجر خلافاً واسعاً في ليبيا

GMT 10:20 2023 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

الجينز واسع والألوان الجريئة أبرز صيحات الموضة لعام 2024

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 19:50 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة السيدة الأميركية الأولى السابقة روزالين كارتر

GMT 00:54 2023 الخميس ,27 إبريل / نيسان

أفضل الإكسسوارات والمجوهرات لهذا الموسم

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان

GMT 15:38 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

150 شركة تبدأ إضرابًا في إسرائيل أبرزها "ماكدونالدز"

GMT 18:24 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مصطفى حمدي يضيف كوتة جديدة لمصر في الرماية في أولمبياد طوكيو

GMT 19:00 2024 الخميس ,04 إبريل / نيسان

سعر الذهب يصل لمستويات غير قياسية جديدة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon