سأتخلص من كل من لا يشبهني

سأتخلص من كل من لا يشبهني

سأتخلص من كل من لا يشبهني

 لبنان اليوم -

سأتخلص من كل من لا يشبهني

عبد الغني سلامة
بقلم : عبد الغني سلامة

مع بدء انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فتحتُ حساباً على «فيسبوك» لأشرح على صفحتي أفكاري العظيمة، وآخر على «تويتر» للإعلان عن مواقفي الحاسمة من الأحداث، وآخر على «أنستغرام» لنشر صوري الجميلة.. ولأنني دائماً على صواب، وأتمسك برأيي مهما كان الثمن، لا أقبل أن يتهمني أحد بالتورم الذاتي، أو الغرور.

صرتُ أقبل أي طلب صداقة، حتى امتلأت المساحة المخصصة لعدد الأصدقاء، ثم فاضت بالمتابعين.. وكنتُ إذا قرأتُ منشوراً لأي شخص، لا بد أن أدلي برأيي، وغالباً ما كنت أعترض، وأسخّف الرأي الآخر.. فقد اكتشفت أن معظم الناس سطحيون (قبل أن يكتشف ذلك أحد المستشارين)، ثم صرتُ أضيق ذرعاً بالآراء المخالفة، وصارت الشاشة الزرقاء ساحة حرب ضروس، أخوضها بكل انفعال على جبهات متعددة.
الموضوع لا يحتمل المزاح، وهذه المرحلة ليست للاجتهادات المترفة، ولا يجوز لي أن أترك الساحة للغوغاء والمضللين والجهلة.. وهكذا تصاعدت حربي مع كثير من الأصدقاء المفترضين، حتى صارت مصدر قلق وكآبة.
قررت أن أتخلص من كل من لا يعجبني، كل من اعتبرته جاهلاً، أو طابورا خامساً، أو عميلاً، أو سحيجاً، أو منفذاً لأجندات خارجية، أو مطبعاً، أو مستشرقاً.. هؤلاء جميعاً لا يجوز الاكتفاء بعمل «بلوك» عليهم، بل يجب فضحهم، ومقاطعتهم، حتى أن بعضهم يستحق السجن المؤبد، أو الإعدام.. ذلك، حتى نحصن جبهتنا الداخلية، ونبني مجتمعنا النقي الطاهر.
لم يلزمني وقت طويل في البحث والتفكير والتأمل، فسرعان ما تبين لي الصادق من الكاذب، وبسهولة فائقة ميزت بين الوطني والخائن، وبين المؤمن والكافر.. فمن كان مع النظام السوري، فهو حتماً دموي ومستبد.. ومن كان مع المعارضة فهو داعشي أو أميركي، ومن لزم الحياد والصمت فهو سلبي وجبان.
من كان مع قطر، فهو عميل للصهيونية، وربما كان جاسوساً لقاعدة العيديد الأميركية، ومن كان مع الإمارات فهو شريك في التطبيع، ومع «صفقة القرن»، ومن كان مع السعودية، فهو شريك في قتل أطفال اليمن وتجويعهم.. ومن كان ضد دول الخليج عامة، فهو يتنكر للمساعدات التي قدموها، ويضرب العلاقات الأخوية مع دولٍ طالما دعمت الفلسطينيين، ويساهم في تعميق كراهية تلك الشعوب للفلسطينيين.. ومن كان مؤيداً لها فهو منتفع، وانتهازي، ومتواطئ.
ومن كان مع تركيا، فهو عدو للعروبة، أو إخونجي، ومن أيد نموذج أردوغان كتجربة إسلامية، فهو علماني فاسق، لا يفقه الإسلام، ومن رفض تجربته في الحكم فهو متخلف ومتشدد.
من كان مع إيران فهو مجوسي، شيعي، ومن الروافض.. ومن كان معارضاً لها، فهو عدو لمحور المقاومة، ويقف إلى جانب محور الانبطاح والاستسلام، ومن النواصب.. من أيد «حزب الله» فهو دموي فاشي طائفي.. ومن عارضه فهو انهزامي وجبان.
من أيد مرسي، فهو إخواني، ظلامي، رجعي.. ومن عارضه فهو فلول، ومن مخلفات الدولة العميقة، وربما كان من الكفرة والمضللين.. ومن أيد السيسي فهو انقلابي، مستبد.. ومن عارضه فهو إرهابي، وداعم للجماعات السلفية في سيناء.. من أيد كامب ديفيد فهو استسلامي خائن، ومن عارضها فهو غير واقعي، وطوباوي، ولا يريد الخير لمصر.
من انتمى لـ»فتح»، أو أيد السلطة الوطنية، فهو مجرد موظف منتفع، أو سحيج، أو فاسد، ويقدس التنسيق الأمني.. ومن عارضها فهو يريد تدمير المشروع الوطني، ويعمل لأجندات خارجية، واحتمال أن يكون حمساوياً.
من أيد «حماس» فهو انقلابي، يعمل على تأبيد الانقسام، وهو بالتأكيد رجعي وظلامي، ولا تهمه فلسطين.. ومن عارضها، فهو فاسق، وعدو للإسلام، وربما يكون كافراً، أو خائناً، وبالتأكيد من جماعة التنسيق الأمني.
من يوافق على حل الدولتين، فهو مطبع، ومتورط في بيع فلسطين، وخائن لدماء الشهداء.. ومن يرفضه فهو خارج العصر، ولا يفهم في السياسة، وليس واقعياً، ويريد جر الفلسطينيين إلى حرب مفتوحة خاسرة حتماً مع عدو متفوق ومدجج بالسلاح.
من يؤمن بالسلام فهو استسلامي انهزامي جبان، متنازل عن فلسطين التاريخية.. ومن يرفض السلام، فهو عدمي، لا إنساني، وعنصري، ونازي، ويريد قتل كل اليهود، وإلقائهم في البحر.
أي فنان، أو أديب أو فريق رياضي يزور فلسطين، ويشارك في فعاليات معينة تحت حراب الاحتلال فهو مطبع، وعدو للفلسطينيين.. وكل من يرفض زيارة فلسطين، فهو تطهري، نرجسي، متخاذل، وليس صديقاً للفلسطينيين، ولا يؤيد قضيتهم.
كل جماعات الإسلام السياسي متخلفون، ظلاميون، سلفيون، رجعيون، إرهابيون، يعيشون في التاريخ، منفصلين عن الحاضر، ويريدون تدمير المستقبل.. وكل من ينتقد الإسلام السياسي، فهو فاسق، عدو للإسلام، ماسوني، جاسوس أميركي، مضلَّل، علماني.
كل اليساريين شيوعيون كفرة.. وكل اليمينيين إمبرياليون، انبطاحيون، يمثلون البرجوازية العفنة.
من أيد «سيداو» فهو بلا شرف، ويريد تفتيت المجتمع، وتسويق ثقافة الغرب.. ومن يرفضها فهو رجعي، متزمت، ماضوي.
جماعة القصيدة النثرية، متآمرون على اللغة، وضد الأصالة.. جماعة الشعر العامودي، لا يتذوقون الجمال، ولا يؤمنون بالحداثة.
من تدخل في أزمة حسن شاكوش فضولي متطفل.. ومن لم يحدد موقفاً فهو زئبقي، منافق..
وهكذا، بعد فترة قصيرة، كنت قد تخلصت من كل من لم يعجبني، ومن كل من لا يشبهني، وحذفت الآلاف من المطبعين والخونة والانهزاميين والرجعيين والكفرة.. وفي الحقيقة لم يتبقَّ لي صديق واحد.
هذا لا يضرني، فأنا سأظل متمسكاً بمبادئي، رافضاً أي تنازل، ولن أكون تابعاً لأحد، ولا جزءاً من قطيع أغنام، ولن أنزل إلى مستوى الدهماء والغوغاء، ولن أكون جزءاً من النخب والإيليت، وأدعياء الثقافة.
هذا لأني متميز.. جداً، أو يمكنني القول: إنّي العبقري الوحيد في العالم.. كيف لا، وقد طورت نظريتي الخاصة منذ كنت طالباً في المدرسة، ولم يدهشني أن آرائي كانت دوماً دقيقة، وأني أستشرف المستقبل أفضل من زرقاء اليمامة، وأعرف مجاهل التاريخ أكثر من هيروديت نفسه، وأحلل الواقع أعمق من كل المحللين الذين يظهرون على الشاشات.. أنا الخبير الإستراتيجي في كل شيء.. أنا النقي الطاهر.. أنا وحدي من سيدخل الجنة، ربما أشفع لكم يوم القيامة أيها الأوباش الرعاع السطحيين.. وربما لا أفعل، فأترككم لجهنم وبئس المصير.
 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سأتخلص من كل من لا يشبهني سأتخلص من كل من لا يشبهني



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:05 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 00:08 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

وزارة الصحة التونسية توقف نشاط الرابطة الأولى

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 23:44 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

مارادونا وكوبي براينت أبرز نجوم الرياضة المفارقين في 2020

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 11:03 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

إتيكيت طلب يد العروس

GMT 10:04 2021 الإثنين ,10 أيار / مايو

الهلال السعودي يحتفل بمئوية جوميز

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك

GMT 17:41 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها

GMT 22:26 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

مصارع يضرم النار بمنافسه على الحلبة

GMT 12:31 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

أفضل أنواع الماسكارا المقاومة للماء
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon