ثنائية الموت والحكم في العراق

ثنائية الموت والحكم في العراق

ثنائية الموت والحكم في العراق

 لبنان اليوم -

ثنائية الموت والحكم في العراق

عبد الغني سلامة
بقلم : عبد الغني سلامة

يزدحم تاريخ العراق بأحداث العنف بأقسى صوره، مع ميلٍ للمبالغة والتطرف في ممارسته والإيغال في تطبيقه، حتى بات العنف والتقلبات الدموية سمة للعراق، وهي ظاهرة تستوجب الدراسة، وللأسف فإن البلاد ما زالت تسير على نفس النهج دون تغيير، مدفوعة بنفس النوازع السيكولوجية، ولم يتغير فيها سوى التسميات وتاريخ السنين وأسماء الأشخاص.في كتابه، "تاريخ العنف الدموي في العراق"، يقول باقر ياسين: "هذا العنف الذي تفجر مبكراً ورافق مراحل البلاد التاريخية تجلى بأشكال وأمثلة عديدة، بدأها ملوك "أور" بعادة دموية كانت تقتضي قتل ثمانين رجلاً وامرأة مع كل ملك يموت لخدمته في الحياة الآخرة، ثم تجلت مرات عديدة في الصراعات الدموية التي طبعت غزوات وحروب الممالك على بعضها البعض، وتدمير المدن المفتوحة واستباحتها، وكان سبق البدء للملك السومري "زاكيزي" حين دمر "لكش" وقتل سكانها. 

ويبدو أن القرن العشرين هو البديل المكافئ لكل القرون الخمسين الماضية، لغزارة أحداثه الدموية وكثافتها، حيث بدأ القرن بقتل والي البصرة أكثر من عشرين لصّاَ بوضعهم في "شوالات"، وإغراقهم في شط العرب، فيما ابتدأ القرن الحالي بقتل أكثر من مائتي مواطن في اليوم الواحد، دون الحاجة لوضعهم في "شوالات"، وإغراقهم في أي شط.ومع تفاقم ظاهرة العنف نشأت على هامشها ظاهرة السحل والتمثيل بالموتى، والتنكيل بالخصوم، حتى لو كانوا مفكرين وعلماء وأدباء.. كما سجل التاريخ ظاهرة تدمير الآثار والتراث الحضاري والفني والثقافي.

أما الظاهرة الأبرز فتمثلت بتلازم حوادث القتل المفجعة والموت المريب بنهايات رؤساء وملوك العراق، بدءًا من فيصل الأول وانتهاءً بصدام حسين. وحدهما "عبد الرحمن عارف"، و"جلال طالباني" توفيا بشكل طبيعي كسائر البشر.لنبدأ بفيصل الأول، الذي اختاره السوريون المتحمسون لفكرة الانفصال عن تركيا ملكاً عليهم، والذي لم يدم ملكه سوى شهر واحد، حيث خسر المعركة في ميسلون، لكنه لم يخسر اللقب، فبعد ترحيله وجَدَ في العراق ملاذاً، فيما وجَدَ فيه العراقيون ضالتهم؛ كان فيصل الأول أول ملوك العراق، وأول من افتتح موسم الموت المريب، فبينما كان في رحلة استجمام في سويسرا حقنته ممرضة حقنة سامة أودت بحياته، ضمن ظروف ما زال يكتنفها الغموض.

من بعده تولى ابنه الأمير غازي الحكم، وهو في مقتبل العمر، لم تُرق للبريطانيين سياساته وتطلعاته، فدبروا اغتياله من خلال هوايته المفضلة، بواسطة حادث سيارة مفتعل في حرم قصره في العام 1939. وثالثة الأثافي كانت من نصيب الوصي عبد الإله، صهر الملك المغدور، الذي قُتل مع العائلة المالكة في ذاك اليوم المحفور في ذاكرة العراق، وقد أوغل الغاضبون في سحْلِهِ في شوارع بغداد وتقطيع جثته، وفي نفس هذا اليوم الفاصل بين الملكية والجمهورية تم القبض على رئيس الوزراء نوري السعيد ونجله وقتلهما، وسحلهما مع المسحولين.

كان فيصل الثاني آخر ملوك العراق، وكان يوم الرابع عشر من تموز 1958 آخر عهده بالدنيا، في قصر الرحاب في حي الحارثية حيث كانت تقيم العائلة المالكة، المكان الذي شهد نهايتهم المفجعة، عندما اجتاح الجيش باحات القصر فخرجت الأسرة المالكة مذعورة، وبعد أن تكاثرت جموع الغوغاء، أعطى ضابطٌ تعليماته بإطلاق النار، منهياً بذلك عهداً ملكياً دام ثلاثة عقود ونيف.. ويؤكد بعض شيوخ العراق أن نزيف الدم الذي انفجر ذلك اليوم التموزي الملتهب، سيصير "لعنة" ستستمر كعقوبة لأمد غير معلوم!

كان عبد الكريم قاسم أول عراقي يحكم البلاد بعد الملوك الهاشميين، وأكثر من حكموا العراق إثارة للجدل، وإذ يتهمه خصومه بالاستبداد،  سمّاه الشعب الزعيم الاوحد، والابن البار.مَنَحَ الزعيمُ الشيوعيّين حريةً كبيرة ووَرّطَهُم في أحداث العنف في الموصل وكركوك، ولكنه بعد انقلاب الشواف الفاشل نكّل بخصومه وأمر بإعدامهم.. ناصبه البعثيون العداء، وحاولوا اغتياله عام 1959 في شارع الرشيد، وكان من نفذ المحاولة صدام حسين.وفي مبنى وزارة الدفاع ستكتب نهاية حقبة فريدة من تاريخ العراق، سيتذكرها كثيرٌ من المسنين بحنينٍ ولوعة حتى يومنا هذا، فقد صحت بغداد صبيحة الثامن من شباط 1963 على أصوات الانفجارات وأزيز الطائرات وهي تقصف مبنى الوزارة حيث كان يتحصن بها الزعيم الأوحد، ففيها كان يتخذ من غرفة متواضعة مكتباً له ومناماً.

حدث هذا على يد عبد السلام عارف، شريك قاسم في انقلاب تموز، وبدعم من البعثيين، ضمن انقلاب عسكري سيغير مسار الأحداث كلياً، اقتيد العقيد بعربة عسكرية، ليمثل أمام محكمة سريعة قضت بإعدامه رمياً بالرصاص، فأعدم وهو ببزته العسكرية، ومعه كبار معاونيه.ثامن القتلى هو أول مدني يحكم الجمهورية: عبد السلام عارف.. في رحلته الأخيرة على مروحية لزيارة مدينتي العمارة والناصرية، برفقة محافظ البصرة، وقيل إن المحافظ تردد في الصعود معه، لكنه أجبر على ذلك، وفي صباح اليوم التالي بثت الإذاعة بياناً مقتضباً ورد فيه "في ظروف غامضة تحطمت الطائرة التي كان يستقلها الرئيس"، لكن الأيام كشفت فيما بعد تورط حزب البعث في الحادث.

وبينما يحتفل العراقيون بالذكرى الحادية عشرة لثورة البعث، وهم يهتفون لقائدها حسن البكر، فوجئوا بخبر عاجل مفاده أن البكر استقال من منصبه، وعيّن نائبه رئيساً للجمهورية، وفي اليوم التالي جلس صدام على منصة في قصر للمؤتمرات وأخذ يتلو بعض الأسماء.. من ورد اسمه يخرج من القاعة، ليتولى حرسه الشخصي أمر إخراجه من الدنيا كلياً، بتهمة التآمر على النظام والثورة، والتحالف مع الجارة اللدود سورية.دام حكم صدام ربع قرن، وانتهى ضمن نفس السياق العنيف، حيث أعدم شنقا بعد محكمة صورية، وبطريقة مخزية.. خلال عهده خاض العراق حروباً كثيرة، قتل فيها أعداد هائلة، وأعدم خلق كثيرون، إلى أن جاء الغزو الأميركي، لتبدأ مرحلة جديدة من العنف والفساد والطائفية.

منذ بدايات العام الحالي، بدأت تخرج في بغداد ومدن أخرى عديدة تظاهرات شعبية حاشدة، تطالب بالإصلاح، ومحاسبة الفاسدين، وإنهاء نظام المحاصصة الطائفية.. نرجو أن تكون بداية التغيير الإيجابي، لتقفل مرحلة طويلة من العنف، ليعود العراق كما نعرفه ونحبه: حاضرة الدنيا وموئل العلم والحضارة.

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

فـسـيـفـسـاء عـراقـيـة

عن الفرقة الناجية

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثنائية الموت والحكم في العراق ثنائية الموت والحكم في العراق



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:05 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 00:08 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

وزارة الصحة التونسية توقف نشاط الرابطة الأولى

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 23:44 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

مارادونا وكوبي براينت أبرز نجوم الرياضة المفارقين في 2020

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 11:03 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

إتيكيت طلب يد العروس

GMT 10:04 2021 الإثنين ,10 أيار / مايو

الهلال السعودي يحتفل بمئوية جوميز

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك

GMT 17:41 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها

GMT 22:26 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

مصارع يضرم النار بمنافسه على الحلبة

GMT 12:31 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

أفضل أنواع الماسكارا المقاومة للماء
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon