عن أي عنصرية تتحدثون

عن أي عنصرية تتحدثون؟

عن أي عنصرية تتحدثون؟

 لبنان اليوم -

عن أي عنصرية تتحدثون

عبد الغني سلامة
بقلم : عبد الغني سلامة

كشفت جريمة مقتل المواطن الأميركي "جورج فلويد" على يد شرطي عن مدى العنصرية المتفشية في المجتمع الأميركي، فهي ليست الأولى من نوعها، فالشرطة غالبا ما تتعامل بقسوة أشد مع المشتبه بهم إذا كانوا من السود، ولا تقتصر مظاهر العنصرية على ممارسات الشرطة الوحشية؛ بل تطال شرائح أوسع، وحسب صحيفة "غارديان" البريطانية فإن السود في الولايات المتحدة يتعرضون للتمييز حتى لو كانوا من طبقات اجتماعية عالية المستوى، ويتقاضون رواتب وأجورا أقل من نظرائهم البيض، ويتلقون رعاية صحية مختلفة، ويتعرضون للحبس مدة أطول، ويستسهل القضاة الحكم بالإعدام على المجرم إذا كان أسود البشرة.

مع أن المجتمع الأميركي بدأ يتعافى من مظاهر العنصرية منذ إلغائها أواخر الستينيات، حتى أنه انتخب رئيسا أسمر البشرة (أوباما)، وانتخب العديد من أعضاء الكونغرس من خلفيات اجتماعية وأصول عرقية مختلفة، ولكن على ما يبدو فإن خطاب "ترامب" الشعبوي اليميني العنصري أنعش الجماعات الأصولية والعنصرية، وأجج خطاب الكراهية والتمييز ضد الأقليات والعرقيات المختلفة، بمن في ذلك السود.وإذ كشفت مأساة "فلويد" عن حجم العنصرية الأميركية البيضاء، وتفاقمها في عهد ترامب، بما ينذر بقيام ثورة اجتماعية، وبينت في نفس الوقت مدى بشاعة تلك العقلية العنصرية، التي شاهدناها في الكراهية المحتقنة في صدر الشرطي الأبيض، وهو يضغط بركبته على عنق "فلويد"، والأخير يستنجد قائلاً: "لا أستطيع التنفس".. وهي أيضا مناسبة لتسليط الضوء على عنصرية الاحتلال الإسرائيلي الذي يضغط بركبته على عنق الشعب الفلسطيني منذ سبعين عاما وأكثر، والأخير يستنجد بالضمير العالمي قائلا: "لا نستطيع التنفس".. الاحتلال يخنقنا..

وتشكل هذه المأساة أيضا فرصة لنا نحن العرب، لنرى أشكال العنصرية التي ما زلنا نمارسها منذ آلاف السنين؛ عنصرية ضد السود، وضد المرأة، وضد الأقليات، وضد المختلفين عنا في الدين أو الطائفة، وضد ذوي الإعاقات.. أي أنه بنفس القدر المطالبين فيه بفضح العنصرية الأميركية، والعنصرية الإسرائيلية، وعنصرية الأوروبيين ضد الجاليات المسلمة، علينا أن نرى أيضا عنصريتنا، وأن نعترف بوجودها، لنبدأ بعدها معركتنا العادلة ضد جميع أشكال التمييز والعنصرية.. وإلا كان انتقادنا لعنصرية أميركا وإسرائيل لا معنى له، بل إنه سيغدو شكلا من الانتقائية العنصرية.

ويبدو أن العنصرية متأصلة في الثقافة العربية منذ زمن بعيد جداً؛ فتجار العبيد العرب جابوا المحيط الهندي على مدى قرون وهم ينقلون ملايين العبيد من أفريقيا إلى الجزيرة العربية، ومنها إلى بقية بلدان العالم القديم.. ولما جاء الإسلام، ودعا للعدالة وعدم التمييز، وحث على عتق العبيد، وقال إن الناس سواسية.. لم يستجب المجتمع لهذا النداء السماوي، فمثلا بلال بن رباح ووحشي رغم إسلامهما إلا أن العائلات العربية لم تقبل مصاهرة أي منهما.. وفي عهد الأمويين ظهر الموالي، وفي العهد العباسي زاد عدد العبيد على المليون، حتى أن ظروفهم القاسية والمزرية دعتهم للقيام بأسوأ وأعنف ثورة في التاريخ.

وفي الثقافة العربية يحمل اللون الأسود مدلولات سالبة وشريرة وقبيحة ومتشائمة، مقابل اللون الأبيض الذي ارتبط بالنقاء والجمال والتفاؤل، وقد انعكست هذه الثقافة على الأمثال الشعبية، وبعض المقولات السلبية، مثل "سوّد الله وجهك" التي تستخدم للشتم، و"القرش الأبيض لليوم الأسود"، فالمال عنوان الرفاه والسعادة وجهه أبيض، أما يوم الفقر والعازة فلونه أسود، ويقول المثل العربي إن "الأسود إذا جاع سرق وإذا شبع زنا".وفي بعض المجتمعات يطلقون على الفول السوداني "فستق العبيد". وأحيانا يطلقون على الشعوب الزنجية اسم "الغربان" تشبيها لهم بطائر الغراب الذي يعتبر سواده نذيراً للشؤم.

وجملة "سمرة بس حلوة"، تحمل مضمونا عنصريا، وكأنَّ الجمال يلطف "جريمة" السمار، فصارت البنت البيضاء مرغوبة ومطلوبة منذ ولادتها وتتزوج في سن مبكرة، أما داكنة البشرة ففرصتها أقل، وقد تتعرض للتنمر في المدرسة، وحتى في الإعلام.وبالإضافة للعنصرية ضد السود، لدينا مئات الأمثلة عن حالات عنصرية ضد الخدم والعمال الآسيويين والأفارقة، خاصة في لبنان ودول الخليج، وبقية الدول العربية، تصل حد الضرب، والحبس، والحرمان من النوم، والمعاملة المهينة، وسلبهم رواتبهم.. معاملة تفتقر لأدنى معايير الإنسانية..

وقبل ذلك، التمييز العنصري ضد المرأة، ففي دراسة أجرتها "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)" (2014) عن حجم التمييز ضد المرأة بشكل عام على مستوى العالم، حازت اليمن المركز الأوّل تلتها السودان ثم الصومال، وحاز كل من السعودية ولبنان على أعلى مرتبة في قائمة التمييز ضد المرأة فيما يخص قوانين الأسرة.وما زالت المرأة العربية تتعرض للضرب والإهانة من قبل زوجها وذكور عائلتها، وتُحرم من الميراث، أو تُحرم من رؤية أطفالها إذا كانت مطلقة.. وصحيح أن مثل تلك الممارسات شائعة في أغلب دول العالم، إلا أن المجتمعات العربية تذهب بها بعيداً..

وكذلك، التمييز ضد ذوي الإعاقات، وهذه تظهر على المستوى الرسمي والشعبي، مثل خلو القوانين من نصوص تحمي هذه الفئات، وإن وجدت فهي غير مطبقة، أو على مستوى الممارسة اليومية من قبل الناس، على شكل ازدراء ونظرة فوقية تتسم بالشفقة، أو من خلال حالات التنمر، وعدم الاحترام.. وحتى في الأمثال الشعبية..أما التمييز ضد كل من يختلف عنا في الدين أو في الطائفة، فهي الظاهرة الأخطر، خاصة في العقود الأخيرة، حيث أدت إلى اشتعال حروب أهلية وفتن طائفية، وعمليات إرهابية طالت المدنيين الأبرياء، إضافة إلى ثقافة التكفير والتخوين والنظرة الدونية والإقصائية تجاه الأقليات الإثنية والطوائف الصغيرة.ومن البديهي أن هذه الثقافة العنصرية ستؤدي لوقوع ما لا حصر له من الحوادث والمواقف على خلفيات عنصرية، بعضها تناقلته منصات التواصل الاجتماعي، فأثارت حفيظة الناس وغضبهم، وأكثرها تم طيه في ملفات النسيان.العنصرية ظاهرة اجتماعية قبيحة، ومرض نفسي مقيت، نحتاج أن نطهر قلوبنا منها قبل انتقاد عنصرية الآخرين.. وكما قال رسولنا الكريم: دعوها فإنها منتنة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن أي عنصرية تتحدثون عن أي عنصرية تتحدثون



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:05 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 00:08 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

وزارة الصحة التونسية توقف نشاط الرابطة الأولى

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 23:44 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

مارادونا وكوبي براينت أبرز نجوم الرياضة المفارقين في 2020

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 11:03 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

إتيكيت طلب يد العروس

GMT 10:04 2021 الإثنين ,10 أيار / مايو

الهلال السعودي يحتفل بمئوية جوميز

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك

GMT 17:41 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها

GMT 22:26 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

مصارع يضرم النار بمنافسه على الحلبة

GMT 12:31 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

أفضل أنواع الماسكارا المقاومة للماء
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon