صفقة عابرة في مرحلة عابرة

صفقة عابرة في مرحلة عابرة

صفقة عابرة في مرحلة عابرة

 لبنان اليوم -

صفقة عابرة في مرحلة عابرة

بقلم : عبد المجيد سويلم

انتهت الاحتفالية التي أرادوها مُبهرة وصاخبة وجاء دور الحسابات والموازنات والمفاضلات والمقارنات.
حسابات الفرص والتحديات والعقبات، وموازنات القوى والدول المؤيدة والمعارضة والمتحفظة والحذرة، الساكتة عن الحق، والصامتة بالانتظار والخائفة والمتخوفة.
وصلنا ووصلت ساعة قياس وقع الصدمة ومرور الأفعال الأولية، وشرعت عجلة القرارات الدولية بالدوران الفعلي.
بسرعة قياسية تم استبدال التاريخ بالخرافة، وامتزجت الأسطورة بأطماع التوسع والسطو والنهب، في نسخة عشوائية من التزوير الساذج.
صورة سوريالية لذوبان التفوق العسكري والاقتصادي والعلمي في طيّات غيبيات ثيوقراطية مُبهمة ومضحكة.
إنها صورة استحضار الماضي اللامعقول من أجل مستقبل مستحيل وحاضر مؤقت.
انتهت هذه المسرحية التي بدا فيها الرئيس الأميركي كقاضي قضاة الأرض، وبدا فيها نتنياهو كمدير الكرنفال، في حين ان الثلاثي كوشنير وفريدمان وغرينبلات مثلوا دور الصدّاحين الظرفاء.
راحت السكرة وجاء دور الفكرة!
دعونا نبدأ بالنتائج الأولية فقط.
على المستوى الوطني الفلسطيني توحدت القيادة الشرعية مع جموع الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والقدس في مشهد لم نره منذ سنوات وسنوات، وهبّت كل الفصائل من كل لون وطيف تطالب بالوحدة الميدانية لمجابهة الخطر القادم، وارتفعت أصوات المطالبة بإنهاء الانقسام فوراً.
بسرعة قياسية يتم الإعداد لزيارة القطاع، ويتم التحضير لذهاب الرئيس إلى هناك، ويعلن إسماعيل هنية أنه سيعود على الفور إذا تأكدت زيارة الرئيس، ويبدأ الجرح الفلسطيني بالالتئام السريع.
أما في الشتات، فيهب ملايين الفلسطينيين لتبية نداء الوحدة مع الأرض المحتلة، وينهض الأهل في الداخل ويرفعون شعار إسقاط صفقة القرن كشعار أساس للانتخابات الاسرائيلية في الشهر القادم.
لم نعثر حتى تاريخه على صوت نشاز واحد من بين اكثر من ثلاثة عشر مليون فلسطيني من هو مستعد للتعاطي مع هذه الصفقة «العبقرية» ناهيكم عن الاستعداد لقبولها.
وكان هذا العنوان هو الاختراق الأول للصفقة.
أما عربياً، فقد جاء بيان وزراء الخارجية العرب ليسدد لهذه الصفقة الصفعة التي لم تخطر ببال ترامب ولا نتنياهو، وحمل البيان في تبنيه الكامل للموقف الفلسطيني كل معاني الشعور بالخذلان وخيبة الأمل والمهانة السياسية بكل ما في الكلمة من معنى لأهل الصفقة وأصحابها.
والحقيقة أن الجامعة العربية منذ عقود لم تجمع كما أجمعت أول من أمس، على رفض الصفقة، ولم تتخذ من المواقف القوية كما اتخذت من عدم الاستعداد للتعامل معها.
وبذلك حققت القيادة الشرعية لنفسها وشعبها وقضيتها انتصاراً كانت تحتاجه اكثر من أي وقت مضى لأنه (هذا الانتصار) سيكون مفتاحاً سندخل من خلاله الى مؤتمر التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي ودول عدم الانحياز والأمم المتحدة وللدخول لاحقاً الى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي والصين الشعبية، ومع الكثير الكثير من الدول الإقليمية والمحورية والصاعدة، ومع العشرات من دول العالم.
وكان هذا العنوان هو الاختراق الثاني الكبير للصفقة.
وأما الاختراق الثالث فهو خروج عشرات الألوف في عواصم العالم العربي للتنديد بالصفقة وامتداد تظاهرات التنديد بها الى الكثير من دول العالم على الرغم من أننا على بعد أسبوع واحد من إعلان الصفقة ومفاعيلها على مستوى المجتمع المدني العالمي الذي ما زال في بدايته الأولية المبكرة.
أميركياً، لم يجد الرئيس ترامب من يُعتد به من المهللين والمطبلين والمتحمسين لصفقته الفريدة، بل على العكس فإن الأصوات العالية في الولايات المتحدة هي الأصوات المنددة والمستنكرة والتي تحذر من كارثية ما أقدم عليه، وبدأنا نسمع عن خطورة هذه الصفقة على مصالح الولايات المتحدة ودورها ومكانتها بل وخطورة هذا الانحياز الأعمى لإسرائيل اليمينية على أمن إسرائيل الحقيقي والذي تحتاجه فعلا للتعايش والسلم وليس للحرب والعدوان.
وأما في إسرائيل نفسها فقد بدأت أصوات العقلانية السياسية بالتعبير عن مخاوفها من ان يتم جرّ المجتمع الإسرائيلي الى صراع مفتوح لعشرات السنين القادمة دون طائل ولا جدوى، بل وبدأت بعض الأصوات تطالب وتؤكد استحالة نجاح هذه الصفقة، واستحالة أن تشكل حلا ناجعا للأمن الإسرائيلي.
وواضح منذ الآن ان هذه الأصوات ستنتهي الى المطالبة المباشرة بمواجهة حقيقة هذا الصراع واستحالة إنهائه دون الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
فإذا كانت هذه هي النتائج السريعة الأولى للصفقة بعد أسبوع واحد من احتفاليتها الصاخبة في البيت الأبيض، وإذا كانت مفاعيل هذه الصفقة ما زالت برسم قيام حلف وطني إقليمي ودولي شامل يطالب بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني فهل من أمل حقيقي للرئيس ترامب وجوقته وصديقه الحميم نتنياهو في إيجاد دولة واحدة او منظمة واحدة او قوة إقليمية واحدة او حتى مؤسسة دولية واحدة مستعدة للذهاب معهما الى أبعد من مجاملات فارغة نعرف حقيقتها وأسبابها؟
صحيح أننا نعاني من أزمات كبيرة على مستوى وحدة الموقف والمؤسسة الوطنية، وصحيح أن الأداء الفلسطيني يعاني من ثغرات كبيرة، وصحيح أن الفكر السياسي الفلسطيني ما زال يراوح في محيط مرحلة انتهت ولم يتقدم للدخول الآمن إلى المرحلة الجديدة، وصحيح أن نظامنا السياسي متعثر وعلاقاتنا الوطنية ما زالت دون الأسس الديمقراطية المطلوبة، لكن فلسطين تبدو، اليوم، كحقيقة سياسية في هذا العالم ساطعة وقوية وشجاعة وقادرة وهو ما يعني ان الصفقة عابرة في مرحلة عابرة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صفقة عابرة في مرحلة عابرة صفقة عابرة في مرحلة عابرة



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:00 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

نصائح "فونغ شوي" لسكينة غرفة النوم

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 06:54 2023 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

قواعد وإتيكيت الحديث واتباع الطرق الأكثر أناقاً

GMT 19:56 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

الأحزمة الرفيعة إكسسوار بسيط بمفعول كبير لأطلالة مميزة

GMT 19:13 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الممثل البريطاني جوس آكلاند عن عمر يناهز 95 عامًا

GMT 12:47 2020 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

موديلات بروشات للعروس مرصعة بالألماس

GMT 15:13 2022 السبت ,07 أيار / مايو

اتيكيت تقديم الطعام في المطاعم

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 11:52 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

لعنة الأبطال تطارد ريال مدريد وبرشلونة في كأس السوبر

GMT 09:36 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الصحافيون السودانيون يدفعون ثمناً باهظاً لكشف الحقيقة

GMT 07:15 2023 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

تخفيف الإجراءات الامنية في وسط بيروت

GMT 07:38 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل 10 عطور رقيقة للعروس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon