«أُحجية الضمّ»

«أُحجية الضمّ»!

«أُحجية الضمّ»!

 لبنان اليوم -

«أُحجية الضمّ»

عبد المجيد سويلم
بقلم : عبد المجيد سويلم

الأمر فعلاً يتعلق بأُحجية.من دون «طول سيرة» بات مُربِكاً ومُحيّراً وعلى أعلى درجات الحساسية والمغامرة.وبالنسبة لنتنياهو، وبعد أن حرق سفناً ومراكب كثيرة وكبيرة، لم يعد لديه الكثير من قوارب النجاة.فإما أنه سيُقدِم على الضم «الكلي» منفرداً ومن جانب واحد، وهو سيواجه حتماً في هذه الحالة موجة قد لا يقوى أبداً على الخروج منها سالماً معافى، أو أنه سيواجه عاصفة من الاحتجاج والتمرد من قبل معاونيه ومساعديه وأحبابه وأقربائه من المستوطنين إن هو «تجرّأ» على التراجع الجزئي أو الكلّي عن الضم.

في الحالة الأولى المعارضة شديدة وحادة من غانتس ومجموعته، ومن الأوساط الأمنية والعسكرية، ومن بعض الأوساط اليسارية، وبعض قوى الوسط، ومن الجماهير العربية في الداخل قاطبة بقيادة القائمة المشتركة ولجنة المتابعة.والمعارضة الأوروبية شاملة وبالإجماع، أما اللاإجماع أوروبياً فهو على حدود ردة الفعل والإجراءات الرادعة. وعربياً يواجه نتنياهو رفضاً للضم قوياً من البعض، وما زال هشاً وضعيفاً من البعض الآخر.وفي مطلق الأحوال لن يجد نتنياهو من يؤيده حتى لو أنه يراهن على أن تظل معارضته في حدود الخطاب السياسي. وأميركياً يبدو أن الإدارة الأميركية أقرب إلى مفهوم صفقتها منها إلى مفهوم نتنياهو ومستوطنيه، وهي حذرة من الإقدام على كامل الخطوة قبل «التمهيد» المطلوب، بما في ذلك «استرضاء» بعض دول الإقليم عن طريق «رشوتها» بمقولة الدولة الفلسطينية. وهكذا الأمر صعب ومعقّد وحسّاس، ولن يقوى نتنياهو على الإقدام عليه بسهولة ويسر وبساطة.

أما في الحالة الثانية، أي في حالة تراجعه عن الضم الكلّي، والذهاب باتجاه ضم استعراضي، أو جزئي مبتور، فإن قسماً من أعوانه في دائرة المستوطنين سيعلنون حرباً مفتوحة على هذه الحكومة، وقسماً آخر منها سيطلب «التزاماً» جديداً باستكمال الضم، ويمكن أن يطلب المواعيد الدقيقة لبرنامج استكمال الضم، وهو الأمر الذي يهدد بقاء الحكومة إذا ما كانت عملية الضم الجزئية خارج نطاق التوافق العام مع مجموعة غانتس.إضافة إلى مأزق الحالتين الأولى والثانية هناك مأزق كامن ويتمثل بموقف محكمة «العدل» العليا من شرعية إقدام هذه الحكومة على أي شكل أو مستوى من مستويات الضم؛ وذلك لأن الضم هو من خارج صلاحياتها التي حددتها الحكومة لنفسها كحكومة طوارئ في مواجهة الجائحة، إضافة إلى أن المحكمة ربما تجرد هذه الحكومة من سلسلة أخرى من الإجراءات التي تمثل جوهر الاتفاقيات التي عقدها الليكود مع مجموعة غانتس، بما في ذلك رئاسة الوزراء للمرحلة «الانتقالية».
أما الرئيس ترامب فلديه مأزقه هو الآخر.

فإن هو «أصرّ» على مفهوم الصفقة الكاملة المتكاملة والتوافق الإسرائيلي الواسع، فإنه يهدد بقاء نتنياهو وحكومته، وإن هو قبل أو أوعز إلى نتنياهو بالقضم المتدرّج، والاكتفاء بـ»قطعة» صغيرة حالياً، وتأجيل القطعة «الدسمة» إلى ظروف لاحقة، فإنه (أي الرئيس ترامب) سيجد نفسه أمام ثلاث مشكلات كبيرة.الأولى، أن الموقف في هذه الحالة لا ينقذ نتنياهو بالكامل، واحتمال تداعي حكومة الرأس والنصف يظلّ قائماً.والثانية، أن هذا الموقف لا يجلب له (أي للرئيس ترامب) الأصوات التي بات يحتاجها من أوساط المسيحية الصهيونية واليمين الأميركي المتصلب والمتوحّش، خصوصاً أن وضعه الانتخابي بات حرجاً ويزداد اهتزازاً مع استمرار التردي الاقتصادي، والتداعيات الصحية للجائحة، ومع استمرار وتعمّق الاحتجاجات الاجتماعية وتحول معركة مناهضة العنصرية إلى شأن وطني أميركي شامل.

أما الثالثة، فإن الموقف لا يحل مسألة المعارضة الدولية الشاملة لمبدأ الضم، كما أنه لا يحل العقدة «الإقليمية»، ولا يفتح ثغرة في جدار الرفض، ليس فقط للضم وإنما لكامل الخطة الأميركية للحل، والتي ستفقد كل أهميتها من دون الضم، وستنتهي إلى احتفالية استعراضية كتلك التي جرت عند توقيع الرئيس الأميركي على قرار نقل السفارة للقدس، وافتتاحها الرمزي والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وهذا الوجه بالذات هو عنوان فشل كبير.
والآن كيف لنتنياهو أن يجد حلاً لهذه الأُحجية؟!

وكيف له أن يوفّق بين كل هذه المتناقضات والتعارضات ويجد الحل الذي يرضي ترامب ويرضي المستوطنين، ويرضي غانتس ومجموعته، ويحيّد العرب الرافضين والمتمنّعين، ويواجه الأوروبيين. وكيف له أن يتصرف إزاء ردة فعل الفلسطينيين التي يؤكد عليها المستوى الأمني والعسكري، ويحذر من أن الاستهانة بها ستكون وخيمة العواقب؟
بل وكيف لترامب نفسه أن يجد حلاً يضبط إيقاع إسرائيل والفلسطينيين والعرب وأوروبا، بل والداخل الأميركي نفسه؟
أليست هذه أُحجية من أُحجيات القرن؟ ثم أليست «صفقة القرن» بموجب هذا كله هي الأُحجية الأكبر؟
بقي أن نؤكد على أن نتنياهو لم يخترع خطة الضم، وأن هذه الخطة لا تختلف جوهرياً عن «خطة ألون» الشهيرة، وأن حزب العمل الإسرائيلي «حافظ» على جوهر هذه الخطة، وكل مفاوضات كامب ديفيد الثانية لم تكن بعيدة عن جوهر هذه الخطة ويمكن إيجاز الفرق بالآتي:
السيادة على الأغوار كانت أمنية في عُرف حزب العمل، أما السيادة عليها في عرف نتنياهو فقانونية استيلائية.
كان لدى حزب العمل استعداد «ما» للإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبيرة فقط والتخلي عن بعضها بشروط تفاوضية.
كانت الأطماع في بعض المناطق الحدودية من المناطق «ج» أقرب إلى الاحتياجات الأمنية بالنسبة لحزب العمل، والآن دمج نتنياهو الأمن بالأيديولوجيا وبالاعتبارات الاقتصادية.
كل «التنازلات» التي قدمها حزب العمل في القدس لم تخرج عن إطار «العاصمة الموحَّدة»، ولم تصل إلى ما هو أبعد من السيطرة البلدياتية الفلسطينية على الأحياء العربية من المدينة، ولم يقبل حزب العمل بما هو أبعد من حرية الوصول إلى البلدة القديمة، وليس السيادة عليها مطلقاً.
لقد احتاج الأمر من اليمين الإسرائيلي إلى أكثر من عشرين سنة حتى يبدأ بالمباشرة في خطة الضم، واحتاج إلى أن يكون هناك رئيس كترامب في البيت الأبيض، واحتاج إلى انهيار عربي شبه كامل، واحتاج إلى انقسام فلسطيني مدمر، ومع كل ذلك وعلى الرغم من كل ذلك فإن اليمين يبدو محتاراً ومربكاً ومتردداً. أفليس هذا دليل على الأُحجية؟!
ليس أمام نتنياهو سوى التراجع عن كل ما أعلن عنه، ولم يعد أمامه سوى خطوة جزئية مصغّرة قد لا تتعدى فرض السيادة على بعض مستوطنات قريبة جداً من «الخط الأخضر»، على أن يؤجل الأغوار والكتل إلى تطورات لاحقة.
هناك إشارة في بعض وسائل الإعلام المقربة من نتنياهو إلى أن هذه «الخلطة السحرية الجديدة» هي الحل الوحيد أمامه.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أُحجية الضمّ» «أُحجية الضمّ»



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:05 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 00:08 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

وزارة الصحة التونسية توقف نشاط الرابطة الأولى

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 23:44 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

مارادونا وكوبي براينت أبرز نجوم الرياضة المفارقين في 2020

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 11:03 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

إتيكيت طلب يد العروس

GMT 10:04 2021 الإثنين ,10 أيار / مايو

الهلال السعودي يحتفل بمئوية جوميز

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك

GMT 17:41 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها

GMT 22:26 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

مصارع يضرم النار بمنافسه على الحلبة

GMT 12:31 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

أفضل أنواع الماسكارا المقاومة للماء
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon