ضاعت الفرصة  والعاصفة آتية

ضاعت الفرصة .. والعاصفة آتية!

ضاعت الفرصة .. والعاصفة آتية!

 لبنان اليوم -

ضاعت الفرصة  والعاصفة آتية

نبيل هيثم
بقلم : نبيل هيثم

يقترب تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، من إنهاء شهره الأول، من دون أن تظهر في الأفق اللبناني أي بوادر للحل. الزيارات المتكرّرة للرئيس المكلّف إلى القصر الجمهوري تراجعت أخبارها إلى خلفية المشهد العام، بعدما باتت روتيناً مملاً، قياساً إلى سيل التحدّيات التي تواجه لبنان، ابتداءً من تفشي وباء «كورونا» وليس انتهاءً بالتسريبات الواردة من الولايات المتحدة بشأن الخطوات التي يمكن أن تقوم بها ادارة دونالد ترامب في ما تبقّى لرئيسها من أسابيع في البيت الأبيض.

يواجه لبنان اليوم الرياح السياسية المعاكسة نفسها، التي جعلت عملية التشكيل الحكومي منذ تشرين الأول العام 2009، أقرب إلى مهمّة مستحيلة لا يمكن اكمالها إلّا بـ»معجزة» خارجية.

لكنّ الحكومة الحريرية المنتظرة تبدو في مهبّ رياح غير مسبوقة، إن داخلياً أو خارجياً، ما يجعل منسوب التفاؤل الذي تبدّى خلال الأيام الأولى التي تلت تكليف سعد الحريري يتراجع بشكل حاد، ولا سيما بعد الانتخابات الأميركية، التي كان من المأمول أن تستغل القوى السياسية في البلاد معركتها، لتخرج بتشكيلة حكومية في وقت اميركي مستقطع، لا سيما أنّ عملية التشكيل نفسها كانت تحظى بقدر كبير من قوة الدفع الفرنسية.

هكذا يمكن اعتبار أنّ الفشل في تشكيل الحكومة قبيل الانتخابات الأميركية، كما كان مأمولاً، قد شكّل فرصة ضائعة جديدة كان من الممكن أن تشكّل مخرجاً لأزمة باتت عبئاً على اللبنانيين، في ما عدا هواة اللعب على حافة الهاوية، التي لم تعد البلاد بعيدة منها.

ثمة حقيقة تبدو حاضرة اليوم في ذهن كل اللبنانيين، ولكنها تُواجه بحالة انكار من قبل القوى السياسية المتناحرة في دائرة الاستقطابات الداخلية. تلك الحقيقة يمكن لأي خبير اقتصادي أن يقدّم احصاءاته بشأنها، وهي أنّ كل يوم يمرّ من دون حكومة ذات برنامج اصلاحي، تزيد من النزف المالي الخطير الذي من شأنه أن يجعل الانهيار الاقتصادي - والذي يستتبع انفجاراً اجتماعياً، لا يزال اللبنانيون صابرين عليه - يُقاس بالأيام، إن لم نقل بالساعات.

هذا ما يمكن تلمسه عند بزوغ شمس كل صباح، إن في سوق الصرف السوداء، التي استعاد فيها سعر الدولار مستوى ما قبل التكليف، أو في أسعار السلع الرئيسية التي تبدّدت فيها الآمال بمجرّد انخفاض بسيط يخفف عن كاهل المواطن العادي أهوال لقمة عيشه المرّة.

اذا كان من سؤال يجب ان يُطرح اليوم، فهو يتمثل في قياس دقيق للفترة التي يمكن للبنان أن يصل فيها إلى نقطة اللاعودة في الانهيار المرتقب، لعلها تشكّل جرس انذار للقوى السياسية المتناحرة على محاصصات، في بلد لم يعد فيه من موارد تستحق المخاطرة بصراعات سياسية بقواعد اللعبة ذاتها التي كانت سائدة قبل 17 تشرين الأول عام 2019، والتي يبدو أنّ الكل ما زال متمسكاً بها، برغم اللغة الخطابية المعدّلة، وسرديات الإصلاح والإنقاذ ومكافحة الفساد... إلى آخر تلك الكليشيهات التي لم تعد تطعم جائعاً ولا توفر دواءً لمريض.

ما يثير العجب، هو أنّ أحداً لا يستطيع تحديد على ماذا يراهن المعطّلون، طالما أنّ التحذيرات بشأن الكارثة الوطنية قد باتت من البديهيات الأساسية في السياسة الداخلية. هذا ما يدفع إلى استنتاج مشؤوم وهو أنّ ثمة رغبة في تدمير البلاد، عن سابق تصوّر وتصميم، لتصفية حسابات عبثية، وربما لتنفيذ أجندات خارجية لا يمكن تحقيقها إلّا من خلال سيناريو الانهيار.

هذا ما يجعل التصلّب في المطالبات الحكومية داخلياً هو مجرّد غطاء لصراع مصالح خارجي، لم يعد خفياً على أحد، منذ أن بات التناقض الأميركي - الفرنسي واضحاً في ما يخص الشأن اللبناني.

هذا ما تبدّى جلياً يوم أتت العقوبات على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس لتشكّل بداية انعطافة في مسيرة التشكيل الحكومي، التي بدت وكأنّها ميسّرة، بعد تكليف مصطفى أديب. واليوم، تأتي العقوبات على جبران باسيل - وربما آخرين في اللائحة الأميركية - لتجعل التكليف الحريري مشابهاً لسيناريو التكليف الأديبي، مع فارق جوهري، وهو أنّ الحريري أبعد ما يكون عن خيار سلفه المكلّف في الاعتذار، ما يجعل الدائرة المغلقة التي تحوم فيها عملية تشكيل الحكومة أكثر صعوبة على الكسر.

واذا كان التناقض الأميركي - الفرنسي هو ما بات العنصر الأساس في تحديد مستقبل الحكومة الحريرية، وامتداداً لذلك في تحديد مستقبل لبنان، يمكن افتراض أنّ الحل ممكن في ما تبقّى من عهد دونالد ترامب، خصوصاً أنّ الأطراف السياسية في لبنان تصرّ على إهدار الفرص المتبقية، وهو ما يتبدّى في اليأس الذي بدأ يظهر في باريس تجاه استعداد القوى السياسية اللبنانية للتعامل بجدّية وايجابية مع المبادرة الفرنسية، التي كان من المفترض أن يشكّل الرهان عليها قوة دافعة في الاتجاه المعاكس للضغوط الأميركية، او على الأقل قوة كبح لتلك الضغوط المكثفة.

اليوم، وبالرغم من أنّ صناديق التصويت في الولايات المتحدة قد حسمت - ولو مبدئياً، في ظلّ استمرار الصراع على السلطة بين دونالد ترامب وجو بايدن- وجهة السياسة الأميركية المقبلة للسنوات الأربع المقبلة، فإنّ الرهان على الرئيس الجمهوري يبقى مجرّد سمك في بحر مضطرب بالعواصف الإقليمية والدولية.

ثمة ما يدفع إلى الاعتقاد أنّ السياسات الأميركية، حتى في ظلّ رئيس ديموقراطي، لن تتغيّر بالقدر الذي يسمح به الوضع اللبناني، الواقف عند تخوم جحيم الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، وربما الأمني.

يُضاف إلى ما سبق، أنّ الفترة الفاصلة عن موعد التسليم والتسلّم المفترض في البيت الأبيض، ستمثل واحدة من أخطر الأوقات على لبنان، خصوصاً أنّ الإدارة الحالية ستكثف جهودها لترتيب ملفاتها قبل أن تسلّمها للإدارة الجديدة، وحقيقة أنّ دونالد ترامب لم يفز بولاية جديدة، تجعل سياساته، في ما تبقّى من ولايته الرئاسية، أكثر «عدوانية» قياساً إلى كل ما سبق، أو كل ما كان يمكن أن يلي، لو أنّ نتائج التصويت أمّنت له ولاية رئاسية ثانية.

على هذا الأساس، ليس من قبيل التهويل الإعلامي ما يتمّ تسريبه في الصحافة الأميركية بشكل يومي، عن مخطّطات وتحركات تنتظر العالم، وفي القلب منه الشرق الأوسط، خلال الأسابيع المقبلة، لن يكون لبنان بمنأى عنها، سواء تعلّق الأمر بتكثيف الضغوط السياسية والاقتصادية على الداخل اللبناني - وربما تكون العقوبات هنا مجرّد رأس جبل جليدها - أو بالتداعيات المحتملة لبنانياً على مغامرة عسكرية أميركية محتملة ضد إيران، والتي بات الحديث عنها أكثر جدّية قياساً لأي وقت مضى.

السؤال المحوري هنا: هل أنّ القوى السياسية في لبنان راغبة في اعتماد «سلوك النعامة» عبر دفن رأس البلاد في الرمال بانتظار انتهاء العاصفة؟ أم أنّ القوى السياسية نفسها، ولا سيما خصوم «حزب الله»، تريد المقامرة بالبلاد من بوابة الرهان على التحرّكات المقبلة، أياً كانت التداعيات، وانتهاج «خيار شمشوم»؟!

في خلاصة الصورة اللبنانية، إنّ فرصة تأليف الحكومة تبدو وكأنّها قد ضاعت حتى يثبت العكس. وفي المقابل تتكوّن غيوم عاصفة هوجاء في الاجواء الدولية، ورياحها آتية حتماً الى المنطقة المأزومة، ومن ضمنها بالتأكيد هذا البلد المُدَمّر الذي اسمه لبنان.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضاعت الفرصة  والعاصفة آتية ضاعت الفرصة  والعاصفة آتية



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:09 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 10:12 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 13:32 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 17:30 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن

GMT 19:00 2022 السبت ,14 أيار / مايو

موضة خواتم الخطوبة لهذا الموسم

GMT 04:58 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 12:27 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 15:46 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

مكياج ربيعي لعيد الفطر 2022

GMT 09:02 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

لمسات ديكورية مميزة للحمام الصغير

GMT 05:47 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 22 أبريل / نيسان 2024
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon