رسائل «التعايش» الصاروخية بين إيران وإسرائيل

رسائل «التعايش» الصاروخية بين إيران وإسرائيل

رسائل «التعايش» الصاروخية بين إيران وإسرائيل

 لبنان اليوم -

رسائل «التعايش» الصاروخية بين إيران وإسرائيل

إياد أبو شقرا
بقلم - إياد أبو شقرا

حتى اللحظة، يبقى الانفجار الأمني الأخير عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية محكوماً بسقف إعلان كل من حزب الله وإسرائيل رغبة كل منهما في تجنب التصعيد.


مثل هذا الموقف ليس مفاجئاً لكثيرين ممن اعتادوا على سماع تصريحات من نوع «الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين» من جانب، و«إننا نحمّل الدولة اللبنانية مسؤولية أي قصف أو عمليات عبر الحدود» من الجانب المقابل.

وفي النتيجة، رغم زيارة إسماعيل قاآني، قائد «فيلق القدس» في حرس إيران الثوري إلى المنطقة، قد يطول انتظار الزمان المناسب لتنفيذ «حق الرد». وأيضاً قد يطول انتظارنا إقرار السلطات الإسرائيلية بأنه لا توجد دولة لبنانية يجوز تحميلها مسؤولية أي شيء، وبالأخص، في المجال العسكري حيث تحكم «دويلة» الحزب، أشلاء «دولة» ما عاد يصحّ اعتبارها قائمة... إلا في مناشدات الإغاثة الدولية وعظات الكنائس في أيام الأحد!

لقد عاش اللبنانيون والفلسطينيون طوال السنوات الأخيرة، كما عاشت المنطقة ككل من قبل «حروب تحريك» عبثية ظاهرياً، إلا أنها تشكل خطوات تغطي تغيراً جيو سياسياً جوهرياً في تعريف العدو والحليف، ورسم أولويات التحالفات والصفقات. ولقد كانت هناك دائماً حاجة إلى «ادعاء» انتصارات وهمية، و«اختراع» أبطال أسطوريين و«فبركة» شعارات سياسية كذابة تخدم التغييرات الجيو - سياسية المتفق عليها. وفي هذا السياق، أجدنا إطلاق «بالونات» الاختبار والقنابل الدخانية التي يستر دخانها الحقيقة غير المرغوب في كشفها قبل أوانها.

جولات القصف المسرحي من غزة وجنوب لبنان، لا تختلف كثيراً من حيث الغاية منها عن القصف «الرسائلي» الإسرائيلي الذي يستهدف - حين وحيث تدعو الحاجة - شحنات الأسلحة الإيرانية الآتية داخل سوريا. فرشقات صواريخ الكاتيوشا (وأحياناً الغراد) التي تُطلق مستهدفة مستوطنات إسرائيلية وتنتهي بلا نتائج، تؤدي الغرض السياسي نفسه من الغارات الإسرائيلية على مستودعات وشحنات إيرانية تعرف تل أبيب جيداً مصدرها وناقلها ومسهل إدخالها والجهة المنتفعة بها. ذلك أنها لا هي أوقفت «جسر الإمداد» الإيراني إلى ميليشيات طهران وعملائها الإقليميين، ولا ردعت زاعمي «الصمود» و«التصدي» و«الممانعة» و«المقاومة» عن مواصلة سياسات تخوين الآخرين وهدر دمائهم وتدمير المؤسسات والأوطان و«مَذهبة» السياسة... والارتماء في أحضان طهران.

واقع الأمر، كما أثبتت التجارب المتكرّرة عبر السنين و«الانتصارات»، أن الجانب الإيراني (بكل مكوّناته العجمية والعربية) مستفيد جداً من جنوح إسرائيل أكثر فأكثر نحو التطرّف وسعي «ليكودييها» وعتاة جماعاتها الاستيطانية إلى القضاء على أي فرصة لقيام كيان فلسطيني قابل للحياة. وفي المقابل، أثبتت التجارب نفسها أن متطرفي إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو وشركائه مرتاحون جداً لإمساك «الممانعة» غير الممانعة و«المقاومة» غير المقاومة بزمام الأمور في مستعمرات طهران العربية.

لقد آن الأوان لكي ننضُج فننظر إلى الأمور كما هي لا كما نود أن تكون.

إذ ما كان سراً «التعايش» الإسرائيلي مع نظام سوري «ممانع» يفصله عن أراضيه خط هدنة دولي منذ خريف 1973. وأيضاً، لم يستغرب كثيرون من الراصدين العقلاء قِلة تحمّس القادة الإسرائيليين والأميركيين للتخلص من النظام عينه حتى بعد الانتفاضة السورية عام 2011. بل كان مثيراً تحويل واشنطن بسرعة «أولوياتها» في سوريا بالكامل إلى «ضرب داعش» و«مغازلة» المشروع الكردي في شرق الفرات.

عملية اختراع أو بناء «داعش»، التي أسهمت فيها عدة جهات دولية وإقليمية، كانت جزءاً أساسياً من مهمة إنقاذ النظام وضرب الانتفاضة عليه... بعد شيطنتها. وفي الحصيلة حقّق الاستثمار في «داعش» النتيجة المرجوة. ومثلما حصل في العراق منذ 2003 وما يجري في لبنان منذ 2006، قُضي على ما كان متبقّياً من سوريا «الدولة»، وفُرض التغيير الديموغرافي المطلوب إقليمياً. ومن جهة ثانية، توسع نفوذ طهران من جبال زاغروس إلى البحر المتوسط، وجرى فعلياً تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان عبر مناطق حدودية عازلة (جنوبي الليطاني) مُتفّق عليها على غرار «المنطقة العازلة» في الجولان... قد تشمل قريباً محافظة درعا.

أما أولئك الذين تستهويهم «نظرية المؤامرة»، فإنهم يذهبون مع هذا التحليل أبعد.

كثيرون من هؤلاء يربطون تفجيرَي مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس (آب) عام 2020 بصفقات خلف الكواليس تُعيد تعريف الدورين الإقليميين لكل من بيروت وحيفا، في ظل غضّ النظر الإسرائيلي الأميركي عن تمدّد «طريق إيران السريع» من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق من جهة، ومن الجهة الثانية تسارع إيقاع التطبيع العربي مع إسرائيل.

«السيناريوهات»، الصحيح منها و«التآمري»، تكتسب صدقية أكبر في الظروف الراهنة بعد الانهيار السوري، واعتماد نتنياهو على شراذم غُلاة المستوطنين (بالذات، إيتامار بن غفير وبتزاليل سموتريش)، واستحواذ حزب الله على مقدّرات لبنان عاجز عن انتخاب رئيس، وربطه إياه كلياً بالقرار الإيراني الإقليمي.

وبالتالي، كان لافتاً ما حصل خلال الشهرين الأخيرين في ساحات مدن إسرائيل اعتراضاً على محاولة نتنياهو تدجين القضاء، والتسخين الاستفزازي في المسجد الأقصى، وأخيراً التراشق الصاروخي على خطوط الحدود والهدنة، بالتزامن تقريباً، مع زيارتي إسماعيل هنية للبنان وإسماعيل قاآني لسوريا.

لقد كانت رشقات الصواريخ من جنوب لبنان «يتيمة» رسمياً، بعدما سارع حزب الله إلى إنكار أي مسؤولية له عنها، وهو الذي يعرف بكل شاردة وواردة في المنطقة. لكن الأهم من ذلك أن إسرائيل، أيضاً، بادرت بسرعة فائقة إلى نفي أي مسؤولية للحزب، وأيّدت مضمون بيانه الذي اتهم فيه فصيلاً فلسطينياً. غير أن الإثارة لم تنته هنا، إذ سارعت حركة حماس - حليفة حزب الله فلسطينياً - إلى نفي تبنّيها للعمليّة في مشهد سوريالي حقيقي... يودُّ فيه «العدو» تصديق «عدوه» ويهرع إلى تبرئته... وهو ممتن ضمنياً للعملية. والسبب أنه، داخل إسرائيل، أفلحت «المسرحية» الصاروخية في تخفيف الحصار السياسي الشعبي على حكومة نتنياهو المتطرفة، بعدما ارتأت القوى المناهضة تأجيل تصعيدها كي لا تتحمل أمام الشارع مسؤولية إضعاف تماسك الدولة وأمنها أمام «العدو الخارجي».

وهكذا، كخلاصة، نحن إزاء حُكمين في طهران وتل أبيب، يستقويان بسلاحَي المزايدة الدينية والعنف التوسعي. وهما عملياً يخوضان حربيهما الأساسيتين داخل مجتمعيهما ضد خصومهما المحليين. ومن ثم، تتقاطع المصالح ويستفيد المتطرف من المتطرف الآخر عبر خنادق ما عادت موجودة إلا في ذاكراتنا!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسائل «التعايش» الصاروخية بين إيران وإسرائيل رسائل «التعايش» الصاروخية بين إيران وإسرائيل



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:56 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم
 لبنان اليوم - جراحون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 05:12 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 تصرفات يقوم بها الأزواج تسبب الطلاق النفسي

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 17:12 2020 السبت ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الهلال السعودي يربط رازفان لوشيسكو بلاعبيه في الديربي

GMT 12:50 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

ببغاء يُفاجئ باحثي بممارس لعبة تُشبه الغولف

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 10:04 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

النظارات الشمسية الملونة موضة هذا الموسم

GMT 18:33 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

ألوان الأحذية التي تناسب الفستان الأسود
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon