لبنان والمنطقة ضحيتا الاسترضاء الكبير

لبنان والمنطقة ضحيتا الاسترضاء الكبير

لبنان والمنطقة ضحيتا الاسترضاء الكبير

 لبنان اليوم -

لبنان والمنطقة ضحيتا الاسترضاء الكبير

بقلم: إياد أبو شقرا

قد لا يكون غريباً أن يقامر «الكبار» بمصائر «الصغار»، ولا سيما إذا كان هؤلاء من السذاجة إلى حد تنطلي عليهم الأكاذيب الواحدة تلو الأخرى.
مثل هذه الأمور حدثت تكراراً على مرّ التاريخ، وكانت الصفقات تُعقد كل مرة على حساب قليلي الحيلة، عندما يكتشف الأقوياء أن المصلحة تقضي برسم حدود وتحديد سقوف للمواجهة. وما يحدث في لبنان راهناً نموذج ناطق لتعاطي القوى الكبرى مع أزمة تصرّ على اعتبارها «مسألة محلية» يُمكن معالجتها بالمسكّنات والمناشدات والاسترضاء والوساطات.
صحيح أن الأزمة الأخيرة بين لبنان والدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تفجّرت بعد تصريح لوزير في حكومة صُوّرت على أنها «حكومة إنقاذ» لبلد يرزح تحت مصاعب معيشية وصحية وأمنية وسياسية.
بل، وصحيح أيضاً أن الوزير المذكور «أتحف» اللبنانيين والعرب بتصريحه الكارثي قبل بضعة أسابيع من تكريمه بالتعيين. لكن الحقيقة أن المأساة أكبر بكثير، وأعمق بكثير، من موقف شخصي لـ«وزير مصادفة ومحاصصة» في نظام سياسي هشّ... بالكاد يستحق اليوم مسمّى «نظام».
من الأوجه المأساوية لهذه الحقيقة ما يلي:
- إن جورج قرداحي، الوزير المُتسبب في الأزمة الأخيرة، لو كان في أي بلد طبيعي لكان سيستقيل فوراً ومن تلقاء نفسه بعد كلامه المسيء بحق دول صديقة؛ فكيف إذا كانت الدول شقيقة؟
- إن الحكومة نفسها، وعلى رأسها رئيسها نجيب ميقاتي، كانت ستطالبه بالاستقالة، لا سيما أن كلامه لا يُعبِّر عن مواقف عدد لا بأس به من الوزراء، وبالتالي فهو ينتهك مبدأ التضامن الحكومي.
- إن الرئيس ميقاتي كان يعرف سلفاً مواقف قرداحي والقوى الداعمة له، ومع ذلك وافق على ضمه إلى فريقه الوزاري. بل، وجعله عملياً الناطق الرسمي باسم الحكومة، بحكم منصبه وزيراً للإعلام.
- إن تصعيد الوزير ورفضه الاستقالة، «مُشترطاً» حتى على البطريرك الماروني بشارة الراعي ضمانات بأن تلغي الدول الخليجية تدابيرها قبل استقالته... ظاهرة غير مسبوقة في الحياة السياسية اللبنانية.
- في الساحة المسيحية المارونية، التي ينتمي إليها الوزير قرداحي، تفاوتت المواقف بين الدفاع الصريح من الوزير السابق سليمان فرنجية الذي اعتبر الوزير من حصته في الحكومة الحالية، والدفاع الخجول من التيار العوني - التابع لرئيس الجمهورية... الذي يُعد الوزير قريباً منه أيضاً. وفي المقابل، الانتقاد القوي من القوى المسيحية المناوئة لعون وداعميه الكبيرين داخل لبنان وخارجه، أي «حزب الله» ورئيس النظام السوري بشار الأسد.
- موقف «حزب الله» من الوزير قرداحي جاء لافتاً جداً ومباشراً؛ فهذا الحزب الذي تحوّل خلال السنوات الأخيرة من «حالة هيمنة» إلى «سلطة احتلال»، رفض صراحة أي بحث في الاستقالة، وأوكل لإعلامه الرسمي - وغير الرسمي - مهمة الدفاع عنه وتحصين عناده... كيف لا، و«حزب الله» - ميليشيا إيران الأولى في المنطقة العربية - هو المنافح الشرس عن الحوثيين ومنصتهم الدعائية وترسانتهم التسليحية ومؤسستهم التدريبية.
- تبني «حزب الله» الكامل لمواقف الوزير، المقرّب أيضاً من رئيس النظام السوري، عطفاً على البُعد اليمني الحوثي للقضية برمّتها، يعنيان أننا بصدد التعامل مع المربّع الأول للمخطّط الإيراني المتوسّع في المنطقة. غير أن المستغرب هو أنه في حين أن إيران تتباهى بهذا المخطّط وتفاصيله، تواصل العواصم الغربية إقناع نفسها بفضائل تجاهله وتجاهل تداعياته، مهما كان الثمن الذي تدفعه المنطقة من خسائر بشرية واقتصادية وتنموية.
الحقيقة أنه عندما تواصل إحدى العواصم الأوروبية الكبرى رفضها استقالة الحكومة اللبنانية، بحجّة الحرص على الاستقرار، فإنها لا تتجاهل فقط أزمة الاحتقان الطائفي المتصاعد الذي يتسبب فيه فائض القوة الناجم عن احتكار السلاح... بل تتجاهل أيضاً هيبة القضاء واستقلاليته، ومستقبل التعليم، ومصير الشباب اليائس من البقاء في بلد سُدّت فيه كل سبل العيش الكريم.
وماذا عن واشنطن؟ ألم يكن - علناً على الأقل - من بنات أفكار السفيرة دوروثي شاي (سفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان) إمداد لبنان بالغاز عبر أراضي سوريا؟ أوليس هذا ترخيصاً غير رسمي لبدء «تطبيع» متدرّج مع نظام الأسد؟ بل ألم تأتِ هذه الفكرة بينما يشدّد «حزب الله» قبضته الاحتلالية أكثر فأكثر، وتعود أصابع أجهزة أمن الأسد إلى مناطق عدة من الأراضي اللبنانية؟
إن أحداً في لبنان أو المنطقة العربية لا يطالب الدول الغربية بشن حرب لا تبقي ولا تذر على إيران. فأهل المنطقة خبِروا جيداً مخاطر الأحقاد التاريخية والثارات الكامنة ولا يطلبون المزيد منها. إلا أنهم، في المقابل، يريدون إشارات جدية ومواقف مسؤولة تنهي حالة الاسترضاء التي أفضت إلى عنجهية عدوانية خطرة، زرعت التطرف والتطرف المُضاد على كل خطوط المواجهة التي رسمتها القيادة الإيرانية مع عالمنا العربي.
خلاصة القول إنه لا يمكن قيام تعايش شامل ودائم مع التوسع والعدوان والإذلال. وهذه حقيقة أخذت تعيها حتى إسرائيل بعد أكثر من 70 سنة من الهروب المستمر إلى الأمام.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والمنطقة ضحيتا الاسترضاء الكبير لبنان والمنطقة ضحيتا الاسترضاء الكبير



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:09 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 10:12 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 13:32 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 17:30 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن

GMT 19:00 2022 السبت ,14 أيار / مايو

موضة خواتم الخطوبة لهذا الموسم

GMT 04:58 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 12:27 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 15:46 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

مكياج ربيعي لعيد الفطر 2022

GMT 09:02 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

لمسات ديكورية مميزة للحمام الصغير

GMT 05:47 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 22 أبريل / نيسان 2024
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon