حول زمن الشيعية السياسية في لبنان

حول زمن الشيعية السياسية في لبنان

حول زمن الشيعية السياسية في لبنان

 لبنان اليوم -

حول زمن الشيعية السياسية في لبنان

د.مصطفى علوش
بقلم : د.مصطفى علوش

«ولا ينبيك عن خلق الليالي كمن فقد الأحبّة والصحابا ومن يغتر بالدنيا فإنّي لبست بها فأبليت الثيابا ولي بين الضلوع دم ولحم هما الواهي الذي ثكل الشبابا» (أحمد شوقي)

قرأت بتمعن مقالة للأستاذ سامي كليب حول أوان الشيعية السياسية في لبنان، وهو الصحافي والمحلل السياسي المخضرم. وبعد أن أعدت قراءتها، لم يكن واضحاً عندي إن كان الأمر نوعاً من التنبؤ المتفائل، أم إعلان نيات كإنذار للمكونات اللبنانية الأخرى، أم أنّه تمنيات خاصة بالكاتب، أم هو دعوة مفتوحة للغرب الى التفاوض على تولية الشيعية السياسية في لبنان زمام الأمر، بعد تجربتين فاشلتين في المحصلة النهائية للمارونية السياسية، ومن ثم ما سُمّي ظلماً السنّية السياسية. لكن ما ركّز عليه الكاتب، هو الدور الحالي الذي يأخذه ثنائي السلطة الشيعية، أي حسن نصرالله ونبيه بري، لكونهما المرجعيتان الأساسيتان الحاليتان في لبنان. الملفت هو أنّ الكلام المفترض عن سيطرة الشيعة، في أنّه مرتبط بكون أميركا ستعود للاعتماد على إيران كما كانت في عهد الشاه. والواقع، هو أنّ الرهان هنا منطقي وواقعي، وهو ما زال قائماً منذ قيام السلطة الخمينية، عندما تمّ استبدال شرطي الخليج المكلّف سياسياً على عهد الشاه، ببعبع الخليج المربح في عهد ولاية الفقيه. وهذا ما رمى الخليج في شكل مستدام في الحضن الأميركي، الذي يقوم بهندسة الأمور وتولّي ضبطها بين الأعداء المحليين. كما أنّ الخدمات التي قدّمتها أميركا، عن قصد أم عن سوء تقدير، لولاية الفقيه بغزو العراق سنة 2003، ساهمت في شكل واسع في توسيع سلطة ولاية الفقيه، وإحياء فكرة الامبراطورية الفارسية العتيقة، مستعينة بالاثني عشرية كبديل عن الزردشتية، لاستعمالها أداة سياسية تتخطّى بها الموانع الوطنية من خلال الانتماء المذهبي.

لا شك في أنّ عهد الطائفة المحرومة في لبنان كان يجب أن ينتهي منذ عقود. وقد يكون إهمال الطائفة الشيعية في ما سُمّي العقد الوطني اللبناني عام 1943، أحد أسباب الاستكبار القائم الآن والتمادي في الاستقواء على المكونات الأخرى. لكن الإشكال هو ذاته ما أتى بالسلطة العلوية إلى سوريا محمّلة بأحقاد الماضي، وفي النهاية فقد دمّر هذا الشعور سوريا، كما دمّر لبنان في الحرب الأهلية من 1975 حتى 1990، وما يحصل اليوم ما هو إلّا مشروع دمار آتٍ عاجلاً أم آجلاً، إن وقعت بالفعل الهيمنة الشيعية على لبنان.

أما من ناحية تفشي الإرهاب السنّي الطابع، فكل المعطيات تؤكّد أنّ هذا التوجّه استقى من منبع نجاح المشروع الإسلامي في إيران، ليبني مشروعه الفاشل، والذي حمل في طياته منطق التدمير الذاتي، ويعطي لإيران ولاية الفقيه سبباً آخر للانتعاش في منظور العالم. هنا، لا شك في أنّ البراغماتية السياسية والعسكرية هي شعار واضح لسياسة ولاية الفقيه، ومن ضمنها في السياسة، ذاك النوع من الثنائية بين حكم ثيوقراطي يستند إلى أسطورة واجتهاد فقهي، وحكومات منتخبة في شكل ديموقرطي مضبوط بفتاوى مجلس تشخيص مصلحة النظام. وفي العسكر، فقد كان الخطاب العنتري العالي اللهجة بالتهديد بتدمير إسرائيل، يقابله سكوت مريب عن الصفعات المتكرّرة التي وجّهتها الأخيرة مع أميركا في السنتين الماضيتين، كما هو السكوت على التواطؤ الواضح لروسيا مع الضربات الإسرائيلية في سوريا. ولكن كل هذا لن يثير تساؤلاً أو مساءلة المنتمين الى هذا المشروع حول حقيقته وصحة وعوده لأتباعه. المؤكّد قد يكون هو أنّ لا أميركا ولا إسرائيل ترغبان في توجيه ضربة قاصمة لإيران ولاية الفقيه، فأميركا تحتاج الى البعبع الذي دفع دول الخليج اليوم للجوء إليها للحماية، وإسرائيل تستفيد من استمرار وجود عدو يهدّد بالقول ولا يفعل، لأنّ هذا ما يؤمّن تماسك المجتمع اليهودي حولها في الداخل والخارج، بعد تأكيد زوال التهديد النظري من الدول العربية مجتمعة. وقد تمكنت إيران ولاية الفقيه من تدمير المجتمعات في كل ما يحوط بالدولة العبرية، وأنهت حتى ما كان أشباه دول حولها. والواقع هنا، هو أنّ فكر «حزب الله» البراغماتي لا يتطابق مع إيران، بل هو، حسب عقيدة الحزب، يرسم سياسة الحزب في لبنان وفي الإقليم وفي العالم الولي الفقيه البراغماتي، وقد يجنح الحزب إلى بعض الجنون في حال قرّرت ولاية الفقيه الحاجة إلى بعضه.

أما على المستوى اللبناني، فلا شك في أنّ «حزب الله» نجح في بناء دولة بديلة في مجتمعه، وهذا ما قد يؤمّن بعض الطمأنينة للبيئة الحاضنة، لكن هذا الموضوع، كما أكّده نصرالله مراراً، مرتبط بدعم إيراني واسع بالمال والعدة، وهذا الموضوع لا يؤمّن الاستقرار لدولة مستقبلية إلّا ضمن تفاهمات دولية تعترف بأمر واقع جديد. وأي تسويات لا تبدو جاهزة في الوقت الحالي، وإن حصلت فستشمل سوريا ولبنان معاً، وإن فرضنا أنّ سلطة شيعية ستظهر، فعلى الأرجح أنّها ستكون في حدود جغرافية جديدة.

الواقع اليوم، هو أنّ مرجعية نصرالله الآمرة الناهية في البلاد والحكم والعباد لا تنبع من كاريزما السيد، بل هي من واقع قدرته على الأذية لمن يعارضه، في ظلّ عجز الآخرين عن الردّ، خصوصاً بعد انكفاء الدعم والداعمين للأطراف الأخرى. وهذا يعني أنّ الأمر قد ينقلب رأساً على عقب عند تغيير الظروف. عندها سيتحول المرجع مجرد عدو، ويعود التنافس العنيف بين من هم قادرون على الأذية بدل البناء والاستقرار.

ما هو أساسي، في ظلّ توقعات أو تمنيات الكاتب، أن نقول «من جرّب المجرّب يكون عقله مخرّب»، وتجربة حكم الطوائف بالتعاقب بينها لم تأتِ إلّا بالوعد بحروب أهلية كامنة وجاهزة دائماً للانفجار. والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه، هو إن كان «حزب الله» يستقي مشروعيته من فكرة ولاية الفقيه، فهل ستكون سلطة الشيعة في بلد تعدّدي على أساس المثل الإيراني، في بلد تخضع مكوناته لهذه السلطة، أم برسم خرائط جديدة لكيانات صافية مذهبياً؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حول زمن الشيعية السياسية في لبنان حول زمن الشيعية السياسية في لبنان



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 21:00 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 13:47 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 22:16 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 13:05 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 23:27 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 12:50 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

ببغاء يُفاجئ باحثي بممارس لعبة تُشبه الغولف

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك

GMT 08:55 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon