بقلم : د.مصطفى علوش
«نازلاً من نحلة الجرح القديم إلى تفاصيل البلاد وكانت السنة انفصال البحر عن مدن الرماد وكنت وحدي.. ثم وحدي.. آه يا وحدي» (من أحمد العربي لمحمود درويش)
بعد إسدال الستار على المحكمة الخاصة بلبنان، وبالرغم من اللغط القائم على معنى الحكم، إن كان قد طال عنصراً قيادياً في «حزب الله»، ولم تتمكن المحكمة من إدانة أو تجريم أي من المشاركين المذكورين في لائحة الاتهام، ولا بإخراج دائرة التهم والتجريم إلى من خطط وأمر وموّل هذه الجريمة. ولكن ما فات الناس بشكل عام، هو معنى أن يكون عنصر من الحزب مداناً بالجريمة، ولم يتبرأ منه حزبه، ولا سلّمه للسلطات. لكن بالنسبة لي، ومنذ بدايات البحث عن الحقيقة، أي أيام كان الاتهام موجّهاً للنظام السوري دون غيره، كنت أعتبر أنّ جريمة بهذا الحجم لا يمكن أن تحصل من دون معرفة مخابرات «حزب الله». لكن بعد حرب 2006، أصبحت موقناً أنّ «حزب الله» لا بدّ متورط بهذه الجريمة، لأسباب رأيتها أنا واضحة في السياسة وفي دراستي لعقلية الحركات ذات الطابع العقائدي الثوري، وكيفية استهوانها الحلول العنيفة للقضايا الشائكة.
منذ بضع سنوات، التقيت شاباً كان عمره ستة عشر عاماً، يشبه كل اليافعين في عمره، على الرغم من هدوئه ووجود ابتسامة يشوبها الحزن على وجهه. كان على والده أن يعرّفني به. إنّه حسام، فتذكّرت ذاك الطفل الذي حمله جدّه وسار به فخوراً فرحاً في وسط بيروت، شارحاً له ما تحقق من بناء وإنماء، بعد أن رفع عنها كاهل حرب مجنونة استمرت لعقد ونصف، مردّداً في صوت كالصدى «تذكر يا حسام أنّ الحرب شرّ مطلق، أنا أكره الحرب».