عن سؤال “وماذا أفادنا السلام”

عن سؤال “وماذا أفادنا السلام”؟

عن سؤال “وماذا أفادنا السلام”؟

 لبنان اليوم -

عن سؤال “وماذا أفادنا السلام”

بقلم : نديم قطيش

ما عاد جائزاً، بعد حقبة 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، أن يستمرّ السؤال عمّا حقّقه السلام “لنا” لمنع السؤال الأهمّ عمّا حقّقته المقاومة.

ليس في هذا الطرح دعوة إلى المقارنة المجرّدة، بل ضرورة ملحّة لإعادة تقييم المسارات المختلفة التي سلكتها المنطقة خلال العقود الماضية، ونتائجها، ولتوزيعٍ واقعيّ للمسؤوليّات عمّا وصلنا إليه.

قد تبدو فكرة السلام، في خضمّ الدمار الذي خلّفته الحروب في غزّة ولبنان، وفي ظلّ التصعيد المتجدّد في سوريا، وهماً بعيداً أو مرادفاً للاستسلام والتنازل المفرط، مقابل الترويج السهل للمقاومة المسلّحة بوصفها السبيل الوحيد لتحقيق العدالة. يزيد من “بداهة” هذه القسمة، غياب شريك إسرائيليّ في ظلّ هيمنة اليمين الديني التلموديّ على السياسة الإسرائيلية.

بيد أنّ هذا الحال الراهن، بُني على مسار طويل من التشكُّك في السلام، والعمل الممنهج، بالعسكر والتعبئة، على تقويض فرصه التاريخية التي كان يمكن لها أن تغيّر مسار المنطقة نحو الاستقرار والازدهار.

تلوح، بهذا المعنى، لحظة أوسلو عام 1993، بوصفها بارقة الأمل الأبرز لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من خلال حلّ الدولتين. فقد أتاح الاتّفاق للفلسطينيّين فرصة بناء نواة دولة، للمرّة الأولى منذ نكبة 1948، بالتوازي مع اعتراف العالم، وعلى رأسه الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي، بمنظّمة التحرير ممثّلاً شرعيّاً ووحيداً للشعب الفلسطيني. وفتح الاتّفاق الباب أمام قيام سلطة وطنية فلسطينية تمارس شكلاً من أشكال السيادة والإدارة الذاتية على أجزاء من الضفّة الغربية وقطاع غزّة.

تضاعف أيضاً الدعم الدولي للفلسطينيين اقتصادياً وسياسياً، وفُتحت قنوات تفاوض رسمية في قضايا الحلّ النهائي مثل القدس واللاجئين.
ما عاد جائزاً، بعد حقبة 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، أن يستمرّ السؤال عمّا حقّقه السلام “لنا” لمنع السؤال الأهمّ عمّا حقّقته المقاومة

تحدّيات مسار أوسلو

لم يخلُ، مسار أوسلو من تحدّيات إسرائيلية وفلسطينية، هي الابنة الشرعية لآليّات التصالح الصعب بين شعبين وكيانين يخوضان واحداً من أصعب الاشتباكات القومية والوطنية في الشرق الأوسط. لكنّ ما أقفل نافذة بناء مشروع وطني فلسطيني بالوسائل السياسية والدبلوماسية، هو التحالف الضمنيّ بين اليمين الإسرائيلي واليمين الممانع، بقيادة إيران، الذي استثمر في هجمات “حماس” و”الجهاد” الانتحارية، لإضعاف الثقة الإسرائيلية بالعمليّة السلمية، وتدمير سمعة السلطة الوطنية الفلسطينية، والدفع نحو تصعيد خيارات الرفض والتطرّف في المجتمعَين الفلسطيني والإسرائيلي. وقد جاء اغتيال الزعيم التاريخي لمعسكر السلام إسحاق رابين ليتوّج الانقلاب اليميني اليهودي والإسلامي على هذا المشروع.

لحظة الانسحاب الإسرائيليّ في عام 2000

لحظة ثانية، حمَّالة أمل، مثّلها انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000، بعد عقود من الاحتلال. بدلاً من استغلال هذا الانسحاب ليكون نقطة انطلاق لتعزيز السيادة اللبنانية وبناء دولة قويّة يتاح فيها لمشروع الحريريّة الوطنية تفعيل الإمكانات الاقتصادية الكامنة للبلد، اختار “الحزب” برعاية مباشرة من إيران وسوريا الأسدين تعزيز الترسانة العسكرية لـ”الحزب”، وصولاً إلى حربَي 2006 و2024، اللتين توسّطتهما فصول مدمّرة من انخراط “الحزب” في حروب المنطقة كسوريا واليمن، بكامل انعكاساتها الخطيرة على لبنان.

السلام

لاحت أيضاً لغزّة، في عام 2005، فرصة ثمينة لأن يختار المسؤولون عن شعبها مساراً جديداً قوامه الاقتصاد والتنمية والاستثمار وتطوير البنى التحتية. انسحبت إسرائيل من القطاع تماماً، وأُزيلت المستوطنات بالكامل، وتدفّقت مليارات الدولارات من المساعدات. لكنّ “حماس” اختارت تحويل غزّة إلى منصّة لإطلاق صواريخ والاستئثار بالحكم، والحرب الأهليّة مع “فتح”.

لنتذكّر أنّ الحصار الإسرائيلي والإجراءات المصرية المشدّدة حيال القطاع بدأت جزئيّاً بعد فوز “حماس” بأغلبيّة المجلس التشريعي الفلسطيني في كانون الثاني 2006. ثمّ جاءت عمليّة أسر المجنّد الإسرائيلي جلعاد شاليط في حزيران 2006 لتصادر فرص المستقبل المختلف لغزّة، من خلال استئناف التصعيد العسكري المباشر مع إسرائيل، واستدراج الحصار الشامل، وتعميق الانقسام الفلسطيني، وصولاً إلى الحرب الأهليّة المصغّرة عام 2007.
القوى الممانعة، أطالت أمد الصراع وكبّرت حجم الخسائر المترتّبة على الشعوب التي ادّعت الدفاع عن قضاياها وكرامتها ومستقبلها

إطالة أمد الصّراع

تثبت هذه الأمثلة أنّ القوى الممانعة، أطالت أمد الصراع وكبّرت حجم الخسائر المترتّبة على الشعوب التي ادّعت الدفاع عن قضاياها وكرامتها ومستقبلها.

في المقابل أثبتت مشاريع السلام الناجحة، ولو نسبيّاً، في المنطقة أنّ المكاسب الملموسة تتحقّق حين تتوافر الإرادة السياسية. فقد أنهى اتّفاق السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، حالة الحرب بين البلدين، وأعاد سيناء إلى السيادة المصرية، وحقّق استقراراً مستمرّاً منذ عقود منع انهيار الدولة المصرية أو تبديد مقدّراتها.

لم يكن السلام انحناءً، بل خروج محسوب من دائرة الاستنزاف العبثيّ، بعد إدراك مصر أنّ الإنجاز الجزئيّ الذي تحقّق في حرب أكتوبر لا يكتمل دون مكسب سياسي، يعيد تموضعها كدولة صاحبة قرار سياديّ مستقلّة في تحالفاتها.

في مثال أحدث، يقدّم لبنان دليلاً حيّاً على ضعف الادّعاء الأيديولوجي أنّ لإسرائيل أطماعاً لا نقاش فيها بشأن ثروات جيرانها، وأنّ الصراع معها لا يمكن أن يخضع لأيّ تسوية. ففي عام 2022، وعلى الرغم من العداء المعلن، نجح لبنان عبر وساطة أميركية في توقيع اتّفاق لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، مكّنه من تثبيت حقوقه في حقول الغاز في شرق المتوسّط من دون اللجوء إلى حرب أو تصعيد.

مثلما نجح لبنان في حماية حقوقه، فإنّ التعاون القائم اليوم بين إسرائيل وقبرص في استغلال حقول الغاز يؤكّد أنّ الدبلوماسية، لا الجبهات، هي التي تصوغ خرائط المصالح في شرق المتوسّط.
قد تبدو فكرة السلام، في خضمّ الدمار الذي خلّفته الحروب في غزّة ولبنان، وفي ظلّ التصعيد المتجدّد في سوريا، وهماً بعيداً أو مرادفاً للاستسلام والتنازل

مسار مدمّر

إذاً يتبدّى خيار “المقاومة”، بما هو بديل عن خيار السلام، مساراً مدمّراً يدفع المدنيون الثمن الأكبر فيه. فغزّة، اندثرت بعد هجوم 7 أكتوبر وفقد عشرات الآلاف حياتهم أو مأواهم. وفي لبنان، أدّت مغامرات “الحزب” العسكرية، وتحالفاته السياسية الحامية للسلاح، إلى انهيار أكثر تعقيداً لمرتكزات الدولة والاقتصاد والمصارف والبنى التحتية وإلى الهجرة والعزلة الإقليمية، على النحو الذي أعاد لبنان إلى ما هو أسوأ من سنوات الحرب الأهلية.

عليه، لا يُسأل معسكر السلام عمّا حقّق، بل ينبغي مساءلة محور المقاومة عمّا أفضت إليه جبهات الرفض والصمود والتصدّي.

إن كانت للسلام أوجه قصور تعتريه، فإنّ مشروع المقاومة قد استوى جريمة موصوفة، إن كان بالنسبة للمسائل الجوهرية، مثل إنهاء الاحتلال، وضمان حقّ تقرير المصير للفلسطينيين، وإعادة بناء الثقة بين الشعوب، أو إن كان بحقّ أبسط معايير الكرامة الإنسانية للشعوب التي يُقاوَم باسمها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن سؤال “وماذا أفادنا السلام” عن سؤال “وماذا أفادنا السلام”



GMT 21:26 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 21:25 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

معلقات اليمن

GMT 21:24 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

العصا الرقمية... والهشّ على الغنم

GMT 21:23 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في عشق السلاح...

GMT 21:22 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا المتحدة... وليبيا المُنقسِمة

GMT 21:21 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في ذكرى استقلال ليبيا... ماذا أبقيتم للأجيال المقبلة؟

GMT 21:20 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 21:19 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه

GMT 12:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة وواشنطن تدعمان عائلات متضرري انفجار مرفأ بيروت

GMT 15:19 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل فريدة ومميزة في مجموعة «كروز 2021»

GMT 15:37 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج القرد..ذكي واجتماعي ويملك حس النكتة

GMT 00:19 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فوائد حب الرشاد للشعر وطرق تحضير خلطات منه

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 06:49 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

تعرف علي توقعات درجات الحرارة المتوقعة في مصر الخميس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon