يوم هرب جبار روسيا الدخان الأخير

يوم هرب جبار روسيا... الدخان الأخير

يوم هرب جبار روسيا... الدخان الأخير

 لبنان اليوم -

يوم هرب جبار روسيا الدخان الأخير

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

طيلة فترة نزاعه مع زوجته لم يقم بأي محاولة لتشويه سمعتها بالكلمات. لقد خضع قدر طاقته، بل فوق طاقته، لمطالبها، الأكثر سخافة أحياناً، وصبر على جميع أفعالها الغريبة، كالابتزاز والتهديد بالانتحار. لكن في صميم سلوكه هذا الذي كان يدهش، ويغضب أنصاره، طبيعة سيد نبيل عجوز، طبيعة إنسان رائع يعاني الهروب، كان فعل رجل مريض ضعيف، كان يحلم بالهرب منذ 25 سنة، لكنه لم يسمح لنفسه بذلك، عندما كان لديه ما يكفي من قوة.

لقد رحل كي يموت؟ تفسير قدمه البروفسور الشهير ف.ف.سنغيريف، قال في رسالة لزوجة تولستوي إن هروبه شكل معقد من الانتحار. سافر تولستوي في قطار في مقصورة من الدرجة الثانية. يتذكر ماكوفيتسكي القطار المزدحم والمختنق بدخان السجائر؛ كانت عربتنا الأسوأ والأشد ازدحاماً من عربات السكك الحديدية التي ركبتها أثناء سفري في أنحاء روسيا. انتقل تولستوي إلى المنصة الأمامية عندما شعر بالاختناق من انحباس الهواء والدخان. ما أدى إلى إصابته بنزلة صدرية. هذا السفر البطيء على الطرق الحديدة الروسية ساهم في موت «ليف نيقولايفتش».
حاولت صوفيا أندرييفنا الانتحار مرتين.
كان تولستوي ينجذب لحياة الرهبنة لدى زيارته أخته رئيسة الدير أكثر من الحياة المنزلية. وكان العجوز يجد الحياة في كوخ الفلاحين، وفي الدير، أو في فندق متواضع أكثر راحة، من الناحية النفسية، من الرفاهية بين جدران منزله. كان بحاجة للراحة ليس فقط من الأرستقراطية، بل من الديمقراطية المفرطة للحياة في مزرعته ياسنايا بولينا في المرحلة الأخيرة. وكان من زواره وقاصديه؛ مكسيم غوركي، وباحثون روحيون، وطوائف مضطهدة من قبل السلطات، وطلاب وعمال وموظفون، فتولستوي في أواخر حياته توقف عملياً عن الإبداع الأدبي. وكرّس نفسه بالكامل للأفكار. كان يحتاج إلى السكينة والعزلة.
إن ثورة 1905 - 1908 لم تسبب موجة من الانتفاضات المسلحة في العاصمتين (موسكو وبطرسبرغ) فقط، بل أيضاً فوضى فلاحية، وصفها أحدهم «بأعمال السطو». في ياسنايا بولينا. عانت عائلة زوجة تولستوي من الثورة، فقد قتل الثوار الاشتراكيون أخاها الصغير. كانت خائفة على مصير عائلتها، خاصة بعد ورود رسائل بقتل تولستوي.
قصة «الأب سيرغي» واحدة من أعمق مؤلفات تولستوي الشخصية. كتبها بعد فترة انقطاع طويلة (10 سنوات)، ونشرت بعد وفاته، وتعتبر بمنزلة وصيته. وقد تنبأ الأديب الروسي بأن الهروب إلى اللامكان، إلى الغموض، هو الخلاص. فالهرب من الحشد غير ممكن إلا بالانحلال في الحشد. كان لديه عدد من العادات المرتبطة بتطلعه إلى الحرية الشخصية والاستقلال، مثل شغفه بالسير على الأقدام.
محاولة صوفيا أندرييفنا إغراق نفسها مرتين في البحيرة القريبة بعد اكتشافها هروبه أحدث في نفس تولستوي انطباعاً قاسياً. «إذا كان هناك من يغرق فليست هي قط، بل أنا»، يشتكي في رسالته إلى ابنته المفضلة ساشا. فبعد مغادرته، وجدت الزوجة نفسها في عزلة و«الكل من حولها يعتبرها غير محقة». المنزل كله، بمن في ذلك ابنتها، كان إلى جانب الهارب البائس. كامرأة تعرضت للإساءة، وكإنسان تعرضت للإهانة. كان النزاع بينها وزوجها بسبب التركة والميراث. في مذكرات صوفيا الضخمة التي أصدرتها بعنوان «حياتي»، ثمة فصل عنوانه «الشهيد والشهيدة». من كان الضحية؟ هي المرأة العادية التي تم تعيينها لخدمة عبقري، أو هو العبقري المحكوم عليه بالعيش مع امرأة عادية!
إلى اللقاء...

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم هرب جبار روسيا الدخان الأخير يوم هرب جبار روسيا الدخان الأخير



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 18:24 2023 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الممثل التلفزيوني جاك أكسلرود عن عمر ناهز 93 عاماً

GMT 17:28 2023 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

نشرات "لينكد إن" الإخبارية بين الترويج وتخطي الخوارزميات

GMT 10:51 2020 الأحد ,26 إبريل / نيسان

انضمام هند جاد لـ "راديو9090" خلال شهر رمضان

GMT 05:12 2022 الإثنين ,13 حزيران / يونيو

أفضل العطور الجذابة المناسبة للبحر

GMT 18:26 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الحكم بسجن لوكاس هيرنانديز 6 أشهر بسبب "ضرب" زوجته

GMT 10:48 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفضل خمسة مطاعم كيتو دايت في الرياض

GMT 07:24 2021 الإثنين ,01 آذار/ مارس

غفران تعلن مشاركتها في "الاختيار 2" رمضان 2021
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon