بقي لها جثمان ابنها تغمره

بقي لها جثمان ابنها تغمره

بقي لها جثمان ابنها تغمره

 لبنان اليوم -

بقي لها جثمان ابنها تغمره

بقلم :سمير عطا الله

قالت الأم على التلفزيون: «اتصل بي صديق وقال في صعوبة. لدي نبأ سيئ». قلت له: «هل قُتل بيار». قال: «أجل». قلت: «في انفجار أم بالرصاص؟»، قال: «بالرصاص. جاءته إحداها في القلب».
أكملت الأم حديثها للمذيعة: «قبل الحزن، الشعور الفوري كان الارتياح، لأن بيار كان يقول لي دائماً، أتمنى ألا يقتلوني في تفجير من أجل أن تتمكني من أن تغمري جثتي».
كانت هذه الأم، السيدة جويس الجميل، زوجة الرئيس أمين الجميل، والدة بيار، تروي، وإلى جانبها زوجها، كيف اغتيل ابنهما البكر. لا يستطيع أعظم كاتب سيناريو في العالم أن يكتب مثل هذا المشهد. وما أحزنني أكثر أنني تذكرت الشق الآخر من المشهد. ذات مرة كنت أتناول الغداء عند غسان تويني على الشرفة. فجأة توقف عن الأكل وقال: «أنا عاتب عليهم، قتلة جبران. ألم يكن في إمكانهم أن يتركوا لنا من جسده قطعة نقبلها؟».
كم يشتد بك الحريق، وأنت تشهد كيف يتظاهر الأب والأم بالشجاعة. ما قيمة الشجاعة هنا؟ ما قيمة أي شيء؟ لا أتحمل واجب التعزية حتى في كبار السن. وعندما أصغيت إلى جويس وأمين الجميل يتحدثان عن الفاجعة في العائلة، تذكرت كم كان قاسياً علي وقوفي في صف المعزين أمامهما وأمام غسان تويني. كم هي وحش، السياسة في لبنان، هذه الجنازة الإجرامية المستمرة كأنها جزء طبيعي من الحياة نفسها.
لا بيار الجميل حمل مسدساً في حياته، ولا جبران تويني. لكنْ كلاهما كان خائفاً «من موت معلن سلفاً» كما في رواية غارسيا ماركيز. فالهدف في الموت السياسي هو القتل الجماعي، لا الفردي.
أسأل نفسي دائماً هل علي أن أعيد النظر في علاقتي بلبنان؟ هل هذا هو، في نهاية المطاف، ذلك البلد الحضاري الذي تغنت به الأمم وحسدته الشعوب؟ عشت هذا العمر حائراً في رؤيتي لوطني، حتى تمنيت ألا يتعلق ابني وابنتي بأي جذور. المرة الوحيدة إطلاقاً التي تدخلت في قرار ابني، عندما أراد وهو طالب في الجامعة الأميركية، الانتماء إلى أحد الأحزاب الحماسية. قلت له يومها، انضمامك يعني أننا متعاديان في عائلة واحدة. الانتماء السياسي في لبنان حماس مبكر وندم متأخر. وقد شكرته يومها لاقتناعه بوجهة نظري، ويشكرني اليوم على نصيحتي.
لم أرَ صورة دراماتيكية مشابهة للحالة اللبنانية، كما رأيتها وأنا أسمع حكاية جويس الجميل وغسان تويني. الأم والأب كانا يبتسمان وهما يرويان المأساة الكبرى والجرح الدائم. كل ما فعلته جويس الجميل يوم جنازة ابنها البكر أنها اتصلت بعائلات بعض زعماء القتل، تطلب منهم عدم الحضور إلى التعزية: مجيئكم سوف يكون إهانة لروح بيار.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بقي لها جثمان ابنها تغمره بقي لها جثمان ابنها تغمره



GMT 18:19 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

كرة ثلج شيعية ضد ثنائية الحزب والحركة!

GMT 17:28 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

مقتطفات السبت

GMT 17:26 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

سؤالان حول مسرحية فيينا

GMT 08:29 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس التعاون حقاً

GMT 08:28 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم هي «الحفرة اللبنانية»

هيفاء وهبي بإطلالات باريسية جذّابة خلال رحلتها لفرنسا

القاهرة - لبنان اليوم
 لبنان اليوم - موناكو وجهة سياحية مُميّزة لعشاق الطبيعة والتاريخ

GMT 12:49 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

أنواع من الفواكه تحتوي على نسبة عالية من البروتين
 لبنان اليوم - أنواع من الفواكه تحتوي على نسبة عالية من البروتين

GMT 12:27 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية
 لبنان اليوم - "فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 17:03 2023 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

المدارس الألمانية تواجه معضلة في التعامل مع حرب غزة

GMT 15:02 2023 السبت ,15 إبريل / نيسان

موضة المجوهرات لموسم 2023-2024

GMT 12:53 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

برفوم دو مارلي تقدم نصائح قيمة لاختيار العطر المناسب

GMT 18:31 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مجموعة من أفضل عطر نسائي يجعلك تحصدين الثناء دوماً

GMT 02:42 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طريقة تحضير حلى "الشوكولاتة الداكنة" بالقهوة

GMT 21:41 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

تسريحات شعر قصير للعروس في 2022

GMT 08:14 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

ساعة أكسكاليبور بلاكلايت ساعة روجيه دوبوي الجديدة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon