فينا نصير أغنى مما كنا

"فينا نصير أغنى مما كنا"

"فينا نصير أغنى مما كنا"

 لبنان اليوم -

فينا نصير أغنى مما كنا

فادي عبود
بقلم : فادي عبود

نعم نستطيع ان نعود أغنى مما كنا، فلبنان لا تنقصه الخبرات والقدرات والمقوّمات، شعبنا يملك مهارات كثيرة، كما نتمتع ببلد نُحسد عليه من حيث الطبيعة والمناخ والتنوّع، نملك كل ذلك ولكننا فشلنا في استغلال هذه المقومات لبناء الاقتصاد، في حين مثلاً سنغافورة، والتي تشكّل مساحتها 1 على 15 من مساحة لبنان، وشعبها (6 ملايين نسمة) كان لا يملك مهارات، استطاعت ان تتحول الى احدى اقوى الاقتصادات في العالم، وقامت بتطوير مهارات شعبها. كان من المفروض ان نكون أغنى منهم، ولكننا نعيش تحت لعنة الفساد والطائفية، وهما آفتان نجحتا بقتل اية محاولة انماء عبر السنين.

اما كيف سنتمكن من النهوض مجدداً، فهذه بعض الافكار الاساسية:

- اولاً، ايقاف الهدر والفساد جذرياً، وهو المسؤول عن افلاسنا في الدرجة الاولى. فأشدّد على انّ لبنان ليس مفلساً بل تمّت سرقته ونهبه، ولن نتمكن من السيطرة على ذلك من دون قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة. انّ اعتماد الشفافية المطلقة سيعزز الثقة الخارجية والداخلية بأية سلطة سياسية ستمارس الحكم في المستقبل، وسيُصبح من الصعب جداً تكرار جرائم الفساد ونهب الدولة. وتصبح الضرائب المدفوعة وعائدات الدولة تخضع للمراقبة المباشرة من اي مواطن دون الحاجة الى وسيط.

- ثانياً، إعادة ربط المغترب ببلده عبر إعادة كسب ثقته بأنّه لن يتمّ نهبه كلما جاء الى لبنان، فنعتمد اسساً اخلاقية وشفافة في التعامل معه، وايقاف محاولة استغلاله وغشه، بدءاً من التاكسي الى الفندق، الدكان وصولاً الى المصارف. اعادة الثقة سيُعيد ربطنا بجالية عريضة تحب لبنان وتريد مدّ جسور التواصل والاستثمار، الّا انّ ما يمنعها هو فسادنا وانعدام شفافيتنا، جالية منها من لم يزر لبنان مطلقاً ومنهم من زار لبنان واصطدم بالفساد والاستغلال.

- ثالثاً، بناء عقلية جديدة للانتقال الى الاقتصاد المنتج، فنحن نصنّف الاعمال على أنّها شريفة وغير شريفة، فننظر الى بعض الاعمال، مثل تنظيف الطرق والاعمال اليدوية في الزراعة وفي البناء او في البيوت، على أنّها غير شريفة ونسعى الى اعطائها لوافدين من بلدان أخرى، وهذا خطأ يكلّفنا الكثير.

كل عمل منتج هو عمل شريف. صحيح انّ هناك أعمالاً تحتاج قدرات علمية او قدرات جسدية او دراسات طويلة ليست بمتناول كل شخص، ولكن المطلوب من الجميع ان يستغل القدرات التي يملكها بأحسن طريقة ممكنة ولو كانت محدودة، وهذا ليس له علاقة بالشرف، انّ العمل لا يحدّد شرف الإنسان، فالعامل الشريف هو الذي يعطي عمله الجهد والمثابرة والامانة الكاملة.

وأود هنا التشديد على فكرة بالغة الاهمية، تجمع بين الاغتراب وشرف العمل، انّ معظم الثروات المحلية لم تُصنع في لبنان، هي تعب وشقاء اجيال هاجرت من لبنان وناضلت لمساندة عائلاتها، فعمل اجدادنا في مصانع، لأنّ العمل فيها كان لا يفرض معرفة اللغة او مهارات خاصة، وتركت جداتنا عائلاتهن وهاجرن وحملن «الكشّة» ووقفن وجلِن في الطرقات لبيع أدوات بسيطة وجني القروش لجمع لقمة العيش. لقد ازدهرنا بسبب تعبهم وتضحيتهم وعملهم البسيط، تكونت ثرواتنا لأنّهم لم يخجلوا ان يعملوا في مهن بسيطة كما يحصل اليوم. هم الذين تحمّلوا اصعب الظروف، لن ننسى فضلهم على كل واحد منا، هم فخرنا، وسنشرح لأولادنا وللأجيال القادمة كيف غيّرت تضحياتهم حياة الكثيرين، وكانوا السبب بصنع ثروات وبحبوبة لعائلات كثيرة، وكي لا ننسى انّ اي امتياز وبحبوحة هما نتيجة اشخاص جبابرة، قطعوا البحار، حُرموا من عائلاتهم، وعملوا في الطرقات والمعامل، ذرفوا دموعاً، عرقاً ودماً، ليؤمّنوا حياة كريمة ومستقبلاً زاهراً لأحبابهم. فعلينا ان نحترم هذه الاعمال الصغيرة ولا نتعالى عليها لأنّها أساس نعمتنا.

- رابعاً، مرض الطائفية المقيت الذي لا يزال يفتك بلبنان ويدمّر فرص نموه، نحتاج الى قناعة شاملة بأننا شعب واحد في وطن واحد، وان لم نقم بذلك يجب أقلّه ان نتوقف عن خداع انفسنا ونتوهم بأننا شعب واحد، واذا أقرّينا أنّه من المستحيل العيش سوياً، فربما يجب البحث عن حلول اخرى لوطن تمزقه انتماءاته الطائفية، ويبدو انّ هناك العديد من المستفيدين من الطائفية ويسعون لتأجيجها. واعود الى مثل سنغافورة التي نجحت بالرغم من تنوعها الطائفي وحتى العرقي والإتني، من بناء مجتمع موّحد، استطاع ان ينقل سنغافورة من مستنقع الى بلد متطور وغني. اما نحن، فحوّلنا بلداً غنياً مليئاً بالمقومات والفرص الى مستنقع مفلس.

أقلّه يجب ان تبادر كل الاطراف الى الموافقة على الزواج المدني لنقتنع ولو قليلاً اننا نسعى الى بناء مجتمع موّحد.

واود توجيه ملاحظة بالغة الاهمية لكل الاحزاب والتيارات من دون استثناء، ان تتوقف عن توجيه اية انتقادات او تصريحات عدائية تجاه اي دولة اقليمية من جيراننا او المنطقة او عالمياً في اي مكان، لاننا لا نملك ترف مخاصمة احد. بل نحتاج ان نكون بعلاقة طيبة مع الجميع، ونستقبل الجميع، لأنّ معاداة احد لن تفيدنا بشيء. والاهم، انّ لبنان هو اصغر واضعف من ان يلعب اي دور في اي صراع اقليمي او استراتيجي، وتاريخياً كان انخراطنا في اي صراع اقليمي والوقوف مع اي طرف، ما كان ينتهي بضرر كبير علينا وبخسارتنا الكثير. نحتاج ان نبني اقتصادنا ونؤمّن البحبوحة للجميع، وبالتالي يجب ان نكون على علاقة طيبة مع «الكلّ»، وهذه المرة فقط أقول « كلن يعني كلن».

أخيراً، لن أفقد الامل ببناء لبنان الحديث، لبنان المنتج الذي لا يخجل ابناؤه من العمل والجهد، الى بلد يحتضن قدرات ومهارات شبابه ومغتربيه، الى بلد يطبّق قانوناً متقدّماً للشفافية المطلقة، ويعلّم العالم كيف يكون رائداً بالشفافية مثلما علّمهم الحرف.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فينا نصير أغنى مما كنا فينا نصير أغنى مما كنا



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:09 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 10:12 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 13:32 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 17:30 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن

GMT 19:00 2022 السبت ,14 أيار / مايو

موضة خواتم الخطوبة لهذا الموسم

GMT 04:58 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 12:27 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 15:46 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

مكياج ربيعي لعيد الفطر 2022

GMT 09:02 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

لمسات ديكورية مميزة للحمام الصغير

GMT 05:47 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 22 أبريل / نيسان 2024
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon