مواقع التواصل وتجارة الوهم

مواقع التواصل وتجارة الوهم

مواقع التواصل وتجارة الوهم

 لبنان اليوم -

مواقع التواصل وتجارة الوهم

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

خوف الإنسان من المجهول قديمٌ في تركيبته، عميقٌ في طبيعته، وقد سعى لمواجهته بطرقٍ شتى تحدثت عنها العلوم والفلسفات، وكانت إحدى الطرق المعروفة شرقاً وغرباً تجارة الوهم والخرافة التي تختلف على طول التاريخ وعرض الجغرافيا، وتتنوّع حسب الأمم والشعوب، وهي تجارة وإنْ كان أصلها قديماً إلا أنها متجددة على الدوام، فالإنسان يخلق خرافاته. مواقع التواصل الاجتماعي هي جزء من العالم الافتراضي الذي أصبح شديد المساس بالواقع الفعلي، خاصة مع تفشيها المستمر وانعدام أي معايير علمية أو منهجية لقياس صحة ما يطرح فيها من عدمه في المعلومة الخبرية المحضة فضلاً عن عمليات ذهنية أكثر تعقيداً مثل التحليل والتركيب أو المساءلة والنقد.

هذه المواقع على الرغم من انتشارها الواسع وتفشيها السريع واختراقها للطبقات الاجتماعية المتعددة إلا أنها تمثل شاهداً على ما أسماه كاتب هذه السطور منذ سنواتٍ بـ«التفاهة الممنهجة»، وبما أنها كذلك بحكم بنيتها وتركيبتها، فقد أصبحت مرتعاً من مراتع تجارة الوهم والخرافات بأنواعها التي لا تحصى. في «السوشل ميديا» فإن في اختلاف تطبيقاتها وتعدد منابرها وتباين الطبقات الاجتماعية التي تستهدفها في كل دول العالم وحضاراته وثقافاته، تجد أشكالاً متباينة من تجارة الوهم، فبعضهم يهيم بالتفكير التآمري و«نظرية المؤامرة» من كل شكلٍ ولونٍ، وبعضهم لا يكل ولا يملّ من ترديد أن «الأرض مسطحة» وليست كرويةً وآخرون يهيمون بالكائنات الفضائية وأمثال هذه الأفكار التي تروّج الوهم سلعةً ولا تقيم وزناً لشروط العلم ومعايير المعرفة بأي حالٍ من الأحوال. مع ضعف «الفلسفة» وتحوير معنى «الثقافة» لتصبح الفلسفة مهمشةً والثقافة أشكالاً وفنوناً فحسب لا علماً وفكراً وتحليلاً ونقداً فإن تجارة الوهم تصبح أكثر رواجاً وأوسع انتشاراً في المجتمعات الأقل وعياً وتراكماً حضارياً، ولأن لكل ثقافة خرافاتها القديمة والجديدة، فإن المجتمعات المسلمة لها نصيبها من ذلك، ويمكن رصد ذلك في كل مواقع التواصل الاجتماعي بسهولة ويسر.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد أصبح «تفسير الأحلام» تجارة رائجةً وصناعة مرغوبةً وسلعة مطلوبةً من الكثيرين، وصار لها نجومها وجمهورها. وعلى الرغم من وضوح موقف الإسلام من الأحلام وأن الرؤيا بالمعنى الديني لا تمثل إلا ثلثها، بينما الثلثان الآخران منها يمثلان تلاعب الشيطان وحديث النفس إلا أنك لا تجد أحداً من هؤلاء المفسرين الجدد يذكر هذين الثلثين أو يرد كثيراً من طالبي التفسير بأن حلمه ليس رؤيا وهو مجرد تلاعب شيطان أو حديث نفسٍ ويمتنع عن التفسير، بل هم يفسرون كل ما يرد كيفما اتفق. بعيداً عن استخدام تطبيقات «السوشل ميديا» المختلفة في الترويج للإرهاب والتسويق للتطرف كما هو ظاهرٌ ومعروفٌ، فإن بعضهم قد طوّر آليات للرقية الشرعية «أون لاين» عبر الاتصالات الهاتفية أو الأقمار الصناعية أو «البثوث المباشرة» التي يتخاطب الناس فيها كفاحاً ووجهاً لوجه، بكل ما تشمله تلك الرقية من تلاوة أو أدعيةٍ أو نفثٍ عابرٍ للأثير، والمثير للدهشة أن كثيراً ممن يبررون ذلك فقهياً بمخارج عجيبةٍ هم نفسهم من يتشددون فقهياً في مسائل ملحةٍ تمس حاجات المجتمع الحقيقية والضرورات التي تعرض لأفراده والمصالح الراجحة التي لم يعد عنها غنى للمجتمعات الحديثة.

أخيراً، ففي التراث العربي أن سراقة البارقي وقع أسيراً للمختار الثقفي وتخلص من القتل بزعم أن من أسره هم «الملائكة» الذين يقاتلون مع المختار، وكلا الرجلين يعلم كذب هذا الكلام، ولكن كان لكلٍ منهما حاجةٌ من هذه الخرافة، الشاعر لينجو والمختار ليخدع الأتباع، ثم كتب سراقة: ألا أبلغ أبا إسحاق أني/ رأيت البلق دهماً مصمتات أُرِي عينيَ ما لم تبصراه/ كلانا عالمٌ بالترهات

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مواقع التواصل وتجارة الوهم مواقع التواصل وتجارة الوهم



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 18:07 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منافسة قوية بين ريال مدريد وأرسنال على ضم فلاهوفيتش

GMT 14:58 2021 الثلاثاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

هيفاء وهبي تضج أنوثة بملابس كاجوال ناعمة

GMT 07:33 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

ابتكار إطارات ذكية تقرأ مشاكل الطريق وتحذر

GMT 21:43 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

الأهلي المصري يعلن شفاء بانون من كورونا

GMT 15:59 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تأجيل أولمبياد طوكيو يكلف اليابان 2 مليار دولار

GMT 05:55 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

هزة أرضية قوية تضرب وهران الجزائرية

GMT 13:25 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

طرق لإضافة اللون الأزرق لديكور غرفة النوم

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 15:58 2023 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل العطور الرجالية لهذا العام

GMT 15:41 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

أحذية مسطحة عصرية وأنيقة موضة هذا الموسم

GMT 05:28 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

نسرين طافش تَسحر القلوب بإطلالة صيفية

GMT 08:42 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

اتجاهات الموضة في الأحذية لربيع عام 2022

GMT 19:00 2024 الخميس ,04 إبريل / نيسان

سعر الذهب يصل لمستويات غير قياسية جديدة

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,20 تموز / يوليو

زيوت عطرية تساعدكِ في تحسين جودة النوم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon