نصيبنا من السعادة

نصيبنا من السعادة؟!

نصيبنا من السعادة؟!

 لبنان اليوم -

نصيبنا من السعادة

آمال موسى
بقلم:د. آمال موسى

في البداية من المهم الإشارة إلى أنَّ مجرد تخصيص يوم عالمي للسعادة في العشرين من شهر مارس (آذار) سنوياً، هو دليل أن هناك مشكلاً في تجسيد السعادة، الشيء الذي استوجب التفكير في مناسبة دولية تكون فرصة لقياس السعادة وخلق نقاش حولها، وقيام كل واحد منا بوقفة مع نفسه من خلال طرح سؤال بسيط في ظاهره، ولكن من الصعب أن نجيب عنه: هل نحن سعداء؟
أيضاً يعد هذا اليوم من الأيام الدولية الحديثة العهد، إذ يعود إلى عقد من الزمن ليس أكثر. ونعتقد أن فلسفة تخصيص يوم دولي للسعادة هي في تناغم مع التصور الأممي للتقدم والرفاه والتنمية المستدامة وفي ارتباط وثيق به. بمعنى آخر أننا لا نتحدث عن السعادة في المطلق أو كما يراها كل فرد على حدة بقدر ما هي سعادة قابلة للقياس والتقدير الكمي والإحصاء، وفي ضوء هذا التصور الكمي المؤشراتي كان من الممكن التحكم في التدفق الرمزي الهائل لمفهوم السعادة وتحديده وفق مقاييس متفق حولها. وإذ نلح على هذه النقطة فلأن لا حد لمفهوم السعادة ولا يمكن الحديث عن مفهوم واحد وموحد لها. إضافة إلى أن السعادة كشعور وتصور هي بدورها نتاج ثقافة وتمثلات رمزية تختلف من مجتمع إلى آخر ومن فضاء ثقافي إلى آخر، بل وحتى من فرد إلى آخر.
من هذا المنطلق فإن جمعية الأمم المتحدة لم تترك السعادة فريسة الفلسفات المختلفة والمتعددة، وإنما أحكمت المعالجة بوضع معايير مادية من خلاله تقاس السعادة وتوضع على الميزان لتحديد حجمها. لذلك تم ربط الاحتفاء دولياً باليوم العالمي للسعادة بمجموعة من الأهداف تتمثل في إنهاء مشكلة الفقر في العالم، والقضاء على الجوع في العالم، وإنهاء البطالة وضمان حياة صحية وآمنة لجميع الناس، وزيادة مستوى الرفاهية والتعليم، وتأمين مياه صالحة للشرب لجميع الناس، والقضاء على الاحتباس الحراري، والتغيّرات السلبيّة للمناخ، وتحقيق سيادة العدل والسلام في المجتمع، والسعي لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، والحفاظ على الموارد الطبيعة من الضياع، وتحقيق التنمية المستدامة.
أما فيما يخص المقاييس التي من خلالها يتم تصنيف الشعوب في علاقتها بالسعادة أو بأكثر دقة، ما إذا كانت بالفعل سعيدة فإنها مقاييس مادية في غالبيتها وقابلة للقياس والملاحظة، وهي متوسط الحياة الصحية المتوقع، والناتج المحلي الإجمالي للفرد، والدعم الاجتماعي في أوقات الاضطرابات، والفساد المتدني، والثقة الاجتماعية المرتفعة، والكرم في المجتمع حيث يعتني الناس ببعضهم، والحرية في اتخاذ قرارات الحياة الرئيسية.
ويتضح من خلال المعايير المشار إليها مدى الارتباط بشروط تحقيق التنمية المستدامة في أفق 2030. ومن ثم أيضاً يصبح - اعتماداً على قراءة عكسية - من اليسير تحديد الدول الأقل سعادة؛ خصوصاً فيما يتعلق بمقياس الناتج المحلي الإجمالي للفرد والدعم الاجتماعي في أوقات الأزمات.
وفي الحقيقة بالنظر إلى الطابع المادي الصريح لقياس السعادة، فإن ما عرفه العالم في السنوات الأربع الأخيرة يعد تهديداً حقيقياً لها باعتبار أن تداعيات أزمة الكوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية في بعديها المالي والاقتصادي عميقة جداً، حيث إن الفقر تزايد، والبطالة ارتفعت، وتراجعت قدرة الدول في القيام بوظائفها الاجتماعية المجانية. لذلك فإن السعادة المقصودة في اليوم العالمي للسعادة هي السعادة الاقتصادية تحديداً، وهذا المقصود يستبطن أن السعادة الاقتصادية عامل وحافز لبلوغ الأبعاد الأخرى من السعادة. فالشخص الذي يكون دخله جيداً وقادراً على الصمود في أوقات الأزمات هو يحمل أسباب سعادته خلافاً للفقير والمهدد بأبسط الأزمات.
ولكن بعيداً عن التمشي المادي في مقاربة السعادة حياة وواقعاً وهدفاً فإنه من المهم جداً إثارة مسألة السعادة من زوايا أخرى غنية من بينها القيام بدراسات مقارنة حول الشعوب الأكثر سعادة والأقل سعادة والتساؤل لماذا الدول الإسكندنافية مثلاً هي الأسعد في العالم، ولماذا فنلندا هي أسعد دولة في العالم، وما هي موارد ومصادر هذه السعادة ومرتكزاتها الثقافية.
فالسعادة تُحدد مكانياً أيضاً، أي في البيت وفي فضاء العمل وفي الشارع. وهنا نستحضر تجربة اليونيسكو فيما أسمتها المدارس السعيدة وكانت البداية في بيانكوك سنة 2014 وهي تجربة محقة في توجهها وتستبطن في تمييزها أن هناك مدارس غير سعيدة أو مدارس لا تسعد أطفالنا. وبالفعل ليس خافياً على أحد إلى أي حد أصبحت المدرسة اليوم تمثل من حيث المدة الزمنية ضغطاً كبيراً على الأولياء، وتهديداً للراحة والاسترخاء داخل الأسرة.
من الجيد أن يكون للسعادة في رزنامة الأيام الدولية يوم من خلاله نقيم نصيبنا من السعادة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصيبنا من السعادة نصيبنا من السعادة



GMT 19:29 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

ما يملكه الضعفاء

GMT 19:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

في الحنين إلى صدّام

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حرب أوكرانيا... واحتمال انتصار الصين!

GMT 19:12 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

إيران أكبر عدو لنفسها

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 23:51 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
 لبنان اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 17:03 2023 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

المدارس الألمانية تواجه معضلة في التعامل مع حرب غزة

GMT 15:02 2023 السبت ,15 إبريل / نيسان

موضة المجوهرات لموسم 2023-2024

GMT 12:53 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

برفوم دو مارلي تقدم نصائح قيمة لاختيار العطر المناسب

GMT 18:31 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مجموعة من أفضل عطر نسائي يجعلك تحصدين الثناء دوماً

GMT 02:42 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طريقة تحضير حلى "الشوكولاتة الداكنة" بالقهوة

GMT 21:41 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

تسريحات شعر قصير للعروس في 2022

GMT 08:14 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

ساعة أكسكاليبور بلاكلايت ساعة روجيه دوبوي الجديدة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon