التمييز الإيجابي لتدارك الحيف
أخر الأخبار

التمييز الإيجابي لتدارك الحيف

التمييز الإيجابي لتدارك الحيف

 لبنان اليوم -

التمييز الإيجابي لتدارك الحيف

بقلم: د. آمال موسى

ليس استنتاجاً جديداً لو قلنا إن مسار التنمية في بلداننا العربية لم يكن في الطريق الصحيحة ولم يخضع لرؤية شاملة دقيقة. وهذا الأمر اعترفت به غالبية الدول من خلال تغيير منوال التنمية وسلك مناهج مختلفة في المخططات المتتالية.

من أهم نقاط ضعف مسارات التنمية التي انتُهجت بعد استقلال بلداننا، هي التركيز على المركز أي العاصمة والمناطق الساحليّة الجاذبة للسياح، في حين أن الأرياف والمناطق التي ليس فيها بحر وغير ذلك، ظلت مهمشة في الميزانيات المرصودة وفي المشاريع المنجزة.
هذا النهج العفوي الحديث العهد بالاستقلال آنذاك، كانت غايته تحديث البلاد وبناء مؤسسات ومرافق في المحافظات القادرة على لعب دور مهم في الاقتصاد والتنمية.
ولكن هذه القراءة أثبت التاريخ أنها منقوصة، وأنها سبب الاحتقان الاجتماعي، إذ إن المناطق التي تعرضت للتهميش ظلت في الظل وخلق ذلك شعورا حادا بالحيف توارثته الأجيال. كما أن مشكلة التمييز غير الإيجابي بين الجهات والمناطق في البلد الواحد أنه ينتج فتوراً في الانتماء إلى الوطن. لذلك؛ فإن شبكات التكفير والإرهاب استثمرت في الجهات المهملة اقتصادياً التي عرفت إقصاءً في السياسات التنموية، وقامت الجماعات الإرهابية بتوظيف شبابها المحتقن والباحث عن الاعتراف وغررت به.

إذن، نتائج التوزيع الظالم للثروات ليست هينة وتنطوي على تكلفة باهظة جداً لا مفر من أن يدفعها الجميع آجلاً. بل إن الجهات التي عرفت تمييزاً إيجابياً واستأثرت بميزانية الاستثمار كثيراً ما تدفع هي التكلفة بشكل مضاعف؛ إذ إن الإرهاب يضرب السياحة ويضرب العملة المالية الوطنية ويلحق ضرراً بالميزانية ومواردها التي تعرف شحاً وصعوبات تراجع مداخيل قطاع حيوي.
لذلك؛ فإن أي إصلاح اليوم أو معالجة لمسار التنمية لا بد من أن يضعا المناطق المحرومة سابقاً في صدارة الاهتمام، وأن تُخصص لها المشاريع الكفيلة بجعلها تتدارك تأخرها مقارنة ببقية الجهات. فكما رفعت الخطة الأممية للتنمية المستدامة شعار «لا أحد خلف الركب»، فإن هذا الهدف العالمي يحتاج إلى تجسيد في مستويات ما قبلية، أي أن كل بلد يجب أن يختبر هذا الشعار في داخله ويحدد من الذي ما زال خلف الركب حتى لو كان كل البلد خلف الركب؛ إذ العبرة ليست في أن تكون مع الركب فقط، بل أيضاً في تحديد المسافات التي تفصل البعيدين عن الركب من منطلق كون المسافات مختلفة.
ومثلما هناك مؤشرات من خلالها تتم عملية قياس بُعدك أو قربك من الركب، فإن كل دولة مطالبة بتحديد مؤشرات قياس تضعها طبقاً لواقعها وإمكاناتها وبها تحدد ما يجب أن تقوم به نحو المناطق المهمشة.
اليوم، بالذات، لا أحد يقبل التهميش. العالم تغير وتكاثرت قنوات التعبير والرفض والاحتجاج. الجميع يريد حظه ونصيبه من ثروات بلده كاملاً. ولا مفر من ممارسة سياسة التمييز الإيجابي إزاء من كانوا ضحايا التهميش وقضوا عقوداً في الظل وخارج الحسابات، بل إن من مصلحة الجهات والمناطق التي كانت تحظى بالأولوية أن يتم تدارك حال المناطق الأخرى، وهذا هو المعنى الجوهري والصحيح للسلم الاجتماعي.
كما أن المواطنة ذاتها تفرض ذلك ولا يمكن الحديث عن المواطنة بالمعنى العميق للكلمة إلا بالمساواة بين الجميع، وأهم مظاهر المساواة التوزيع العادل للثروات. من هنا ندرك لماذا التمييز الإيجابي لا بد منه حتى يتساوى الجميع في الخدمات والمرافق والفرص. فالتمييز الإيجابي هو نتيجة حتمية للتمييز السلبي سابقاً. ولا يمكن التقدم في الديمقراطية والانطلاق في الإصلاح من دون حل مشكلة التنمية العرجاء وتدارك أمر جهات عانت من الإقصاء. وهكذا يمكن التأسيس للمستقبل بعيداً عن القنابل المدفونة تحت التراب التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة. وهو ما يعني أن الديمقراطية والتنمية شيء واحد، بمعنى أن التنمية العادلة والمساواة في توزيع الثروات هما أساس الاستقرار والبناء وصنع التراكم، ومن دون ذلك ستظل أي خطوة نحو الديمقراطية هشة ومحفوفة بالمخاطر.
هناك ما يستحق بذل الجهد ومضاعفته وحانت مرحلة النضال من أجل توزيع عادل للثروات بين جميع جهات البلد الواحد وكل المواطنين. وباعتبار أن الدولة لا تستطيع اليوم الاستئثار بمهمة التنمية وأن القطاع الخاص يمكن التعويل عليه لمعاضدة جهود مؤسسات الدولة وتحقيق التنمية، فإن التمييز الإيجابي يقتضي أيضاً تحفيز الجميع وألا يقتصر الجهد على الدولة دون سواها.
إن أي جهة لم تحظَ بحقها في الاستثمار والبنية التحتية والخدمات حتى لو كانت أصغر نقطة في كل الوطن، فإنها تعدّ مصدر تهديد مفتوح الأجل الزمنى في رد الفعل. لذلك؛ فإن الحكمة وتراكم التجارب في العالم وجدية الإصلاح... كل هذا يحتم أن يكون التمييز الإيجابي إزاء الجهات التي عانت من الإقصاء تعويضاً لها وتأسيساً قوياً للمستقبل.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التمييز الإيجابي لتدارك الحيف التمييز الإيجابي لتدارك الحيف



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

ستيفاني عطاالله وزاف قصة حب تحولت إلى عرض أزياء أنيق تُوّج بزفاف ساحر

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 16:27 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

حميد الشاعري يعلّق على عودته للتعاون مع "روتانا"
 لبنان اليوم - حميد الشاعري يعلّق على عودته للتعاون مع "روتانا"

GMT 17:21 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:52 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 15:01 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 13:47 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:10 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

الضحك والمرح هما من أهم وسائل العيش لحياة أطول

GMT 14:14 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:20 2022 الثلاثاء ,15 آذار/ مارس

أفضل العطور النسائية المناسبة لموسم الربيع

GMT 20:56 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

وقفات تضامنية أمام قصور العدل في زحلة

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 11:27 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تركز انشغالك هذا اليوم على الشؤون المالية

GMT 05:22 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

نصائح لاختيار أحذية الـ Pumps بشكل صحيح

GMT 08:47 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

قائمة المنتخبات العربية الأكثر حصاداً للقب أمم أفريقيا

GMT 09:25 2022 الأحد ,17 تموز / يوليو

6 تحذيرات من رئيس واتساب لجميع المستخدمين

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قبرص وجهة سياحية رومانسية لعشاق الطبيعة والهدوء
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon