لا مفر من التشبيب والتأنيث

لا مفر من التشبيب والتأنيث!

لا مفر من التشبيب والتأنيث!

 لبنان اليوم -

لا مفر من التشبيب والتأنيث

بقلم:د. آمال موسى

من المعروف أن عملية التغيير الاجتماعي بطيئة وتتطلب زمناً حتى تُؤتي أكلها وتفعل فعلها في الواقع الاجتماعي؛ إذ إن تغيير العقليات وما تتضمنه من تمثلات للأشياء ليس بالعملية الاجتماعية الهينة أو التي تكتفي بالضغط على الزر حتى يتغير كل شيء في الاتجاه الذي نطمح إليه.
طبعاً يمكن للتغيير الاجتماعي أن يكون أقل بطئاً إذا ما توفرت الإرادة لدى النخبة السياسية والجهود لدى النخب الفكرية والتربوية والإعلامية، وتم سلوك الطريق الصحيحة المؤدية إلى تغيير الذهنيات والأفكار بشكل يبني العقول وفق هندسة مختلفة.
الملاحظ أن ثمار السياسات في مجال الرهان على التعليم في دول الاستقلالات العربية، قد بدأت تتضح بشكل جلي وواضح، إذ إن تعليم البنت وتتالي الأجيال وإجبارية التعليم في غالبية البلدان العربية كان من نتاجه بعد عقود من تراكم الجهود تخرّج أجيال من الشباب والشابات من أصحاب وصاحبات الشهادات العليا. كما أن تحوّل هذا المعطى إلى خاصية ثابتة ومنجزة قد أثمر بدوره نتائج أخرى، وهي دخول المرأة العربية بقوة وتميز وجدارة إلى حقول اجتماعية كانت حكراً على الرجال وفي أقل الحالات تتميز بهيمنة ذكورية جلية.
فالأخبار الواردة في وسائل الإعلام تؤكد وجود نزعة في البلاد العربية نحو تأنيث المشاركة العامة وتعزيز ثقافة اقتصادية وسياسية تطمح إلى تكافؤ الفرص بين الجنسين. بل اللافت أن دخول المرأة بشكل أكثر أهمية كماً ونوعاً في حقول السياسة والاقتصاد والتربية والثقافة يغلب عليه طابع الكفاءة بالمعنى التقني للكلمة، أي أن الكفاءات النسائية في بلداننا بلغت درجة حتمت السير في نهج المساواة والشراكة في التنمية الشاملة والقرار، وهو أكبر دليل على أن مسار المواطنة بصدد التشكل باعتبار أن أحد أهم بنود المواطنة عدم التمييز بين الجنسين.
لذلك فإن كل المؤشرات التي تعكس اتجاهاً نحو تحميل النساء مناصب سياسية مهمة ومهام دبلوماسية، وإظهار ذلك بممارسة التناصف بين الجنسين، وأيضاً الرهان على المرأة في حقائب في قلب الشأن العام، إنما يمثل كل ذلك ضمانة أساسية بأننا فعلاً نسير في الطريق الصحيحة.
من جهة ثانية، فإن العالم اليوم يقيس تطور المجتمعات وصدق جديتها في الإصلاح بمؤشرات التناصف وخصائص مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وهو ما يعني أن هذا المنحى يبعث برسائل إيجابية للعالم، ويسهم في زعزعة الصور النمطية عن الرجل العربي وبطشه للمرأة وسلعنتها والتعامل معها بدونية.
هذا فيما يخص دفاعنا عن صورتنا في العالم وتأكيد اندماجنا فيه وسيرنا في الطريق التي تسير فيها البلدان المتقدمة. ولكن في مقابل ذلك، فإن الأمر لا يغدو تحسين صورة أو الاشتغال على الشكل الاجتماعي أو السياسي الخارجي، بل إن الرسالة لن تصل إلا إذا كانت حقيقية، وهي فعلاً كذلك لأنها نتاج تراكمات من الجهود ونتاج رهان على التعليم وثمرة إنجازات المدرسة في العالم العربي. هذا علاوة على أن بلداننا ستستفيد من عقل المرأة تماماً كالاستفادة من عقل الرجل، ومن ثمة فإن الفعل السياسي والاقتصادي سيكون من اجتهاد الجنسين وتصوراتهما، وهو في كل الحالات سيعود بالفائدة على المجتمع ككل. ولعل وجود المرأة في السياسة وفي الصف الأمامي اقتصادياً، سيحفز فيها تحديات إثبات الذات وفتح أبواب المشاركة على مصراعيها للمزيد من النساء.
لنقل بحذر إن مجتمعاتنا مع تفاوت نسبي قد أصبحت المرأة بوصلة مهمة فيها.
في مقابل ذلك، فإن مؤشر التغيير الاجتماعي السياسي الاقتصادي الإيجابي لم نقطع فيه الخطوة الدنيا اللازمة: تشبيب السياسة والاقتصاد. فالقرار في معظم دول العالم العربي ما زال في يد الكبار، كما أن رأس المال الاقتصادي بيد الكبار سناً. وإذا ما نظرنا إلى العالم الغربي سنجد أن الغالب على الوصول لمسؤولية الحكم هم من الشباب.
ونعتقد أن غياب الشباب عن مواقع القرار وعدم التفكير في تشبيب السياسة والاقتصاد، هو نقطة ضعف والحال أننا ديموغرافياً مجتمعات شابة وقرابة الثلث من مجتمعاتنا شباب، إضافة إلى أن التنمية تحتاج إلى الشباب بوصفهم القلب النابض في المجتمع ويمتلكون الحماسة والرغبة لتحقيق هويتهم الذاتية، من دون أن ننسى أن وجود الشباب من أصحاب الكفاءة في المناصب السياسية المهمة وأيضاً دعمهم بالقروض والمساعدات للقيام بالمشاريع الاقتصادية، سيخفف إلى حد بعيد من الصراع بين الأجيال وسيمكن الجيل الأكبر سناً من فهم أكثر واقعية لمشاكل الشباب.
لا يكفي أن نفكر في الشباب... بل يجب أن يشاركنا الشباب في حل مشاكله ورسم المستقبل.
بمعنى آخر فإن انخراط الشباب في معركة التنمية أول ضمان لنجاح هذه المعركة.
الجيد اليوم هو أن شروط النهضة المجتمعية واضحة، ولا شيء ينقصنا سوى تقوية الإرادة والاستجابة لمفاتيح التقدم والتنمية.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا مفر من التشبيب والتأنيث لا مفر من التشبيب والتأنيث



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:56 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 15:43 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

أعلى 10 لاعبين دخلاً في صفوف المنتخب الجزائري

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 09:07 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

صفقة نفطية لشركات أجنبية تُفجر خلافاً واسعاً في ليبيا

GMT 10:20 2023 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

الجينز واسع والألوان الجريئة أبرز صيحات الموضة لعام 2024

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 19:50 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة السيدة الأميركية الأولى السابقة روزالين كارتر

GMT 00:54 2023 الخميس ,27 إبريل / نيسان

أفضل الإكسسوارات والمجوهرات لهذا الموسم

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon