أطفال لكنَّهم مهاجرون
أخر الأخبار

أطفال لكنَّهم مهاجرون

أطفال لكنَّهم مهاجرون

 لبنان اليوم -

أطفال لكنَّهم مهاجرون

بقلم: د. آمال موسى

يكتسي الحديث عن الطفولة أهمية مخصوصة وحساسيّة بالغة. فالطفولة تظل رغم كل شيء رمز البدايات والبراءة والهشاشة الطبيعية والمرآة التي نبحث في ثناياها عن الطفل الذي فينا، وما إذا ما زال يرفل فينا أم أنه غادرنا واختفى.

الطفولة باقة من الرموز تستنهض فينا الضمير والإنسانية وأصل الأشياء.
في هذا السياق، فإنه إذا ما عجزنا عن قياس الواقع، وإذا ما سادت الحيرة القدرة على توصيف السلوك والمواقف والأفعال، فإنه يكفي أن نعاين واقع الطفولة في العالم أو تأثير ما يجري من أحداث في الأطفال، حتى نعرف مصداقية التقدم البشري أو استمرارية صراع الإنسانية العنيف.
وفي الحقيقة فإنَّ الضحايا رقم واحد في العالم اليوم هم الأطفال: ضحايا الحروب والتوترات. وأينما يكون التوتر يكون الطفل الموجود في ذلك الفضاء ضحية. ويعلم الجميع انعكاسات الطلاق على الأطفال، وآثار الفقر على الأطفال وكيف يدفع الأطفال فواتير التوزيع الظالم للثروات في بلدان كثيرة، فإن الأطفال هم من يدفع تكلفة الحروب والصراعات بين البلدان، حيث تهدم البيوت وتهاجر العائلات، ويفقد الطفل عائلته وتتقاذفه الأمواج، وهناك من يموت وهناك من يأخذه الموج إلى أرض ليست أرضه، وشعب ليس شعبه.
والمشكلة أن هذه المأساة لا تشمل عدد أصابع اليد، بل إن ملايين الأطفال يئنون من هول الهجرة القسرية، حيث يشهد عدد الأطفال المهاجرين في العالم تضاعفاً مستمرّاً، بلغ بموجبه وفق آخر إحصائيات منظمة «اليونيسيف» لسنة 2020، 63 مليون طفل. ومن أهم مظاهر هذه الهشاشة استغلالهم في كل أشكال العمل غير النظامي سواء في المجال الفلاحي أو الصناعي أو الخدماتي إلى جانب العمل داخل المنازل، في ظل غياب تامّ لأدنى الشروط الضامنة لكرامتهم ولحقوقهم المادية والمعنوية، ولا نبالغ إذا ما قلنا إن ما يتعرَّض له الأطفال الوحيدون المهاجرون في مختلف أنحاء العالم، لا يختلف في شيء عن الاتجار بالأطفال، حيث كل مظاهر الاستغلال بأشكاله المختلفة ثابتة ومؤكدة.

وقد شهدت بلدان كثيرة في السنوات الأخيرة تدفق موجات من المهاجرين الذين بلغوا سن الرشّد والأطفال، ويمثل المغرب العربي إحدى أهم المناطق التي تعرف هذه الظاهرة، حيث نعثر على أطفال فاقدين للوثائق الرسمية المحدّدة لهوياتهم أو أعمارهم أو بلدانهم الأصلية، أو لمستوياتهم التعليمية، ما يعقّد ظروف إقامتهم، ويجعلهم يعيشون مهما كان البلد الذي يجدون أنفسهم فيه، على هامش في وضعيات صعبة للغاية. وتحدد المنظمات الدولية للهجرة الجنسيات الأكثر عرضة لهجرة الأطفال اليوم، حيث إنَّ الغالب على الجنسيات الأكثر تواتراً في صفوف الأطفال، هي تلك المتأتية من دول مالي وغينيا وسيراليون ونيجيريا وكوت ديفوار وتشاد والكاميرون.
ولعل النقطة التي تزيد من عمق المأساة، هو أننا لا نتحدث فقط عن هجرة أطفال في رفقة العائلة، بل إن المشكل الأكبر يكمن في صنف جديد أصبح أكثرَ ظهوراً، وهو هجرة أطفال وحيدين مع كل ما يرمز له هذا التوصيف من وجع، ومن دمار يدفع الطفل ثمنه وحدة واغتراباً متعدد المعاني.
طبعاً بلدان كثيرة قد تبنّت في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2018 الميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظّمة والنّظاميّة والمعروف بـ«مؤتمر مراكش»، الذي ضبط الأهداف والالتزامات وضمّ عدداً من الإجراءات والتدابير الوقائية للحدّ من العوامل الدافعة للهجرة ومكافحة الاتّجار بالبشر، وحسن إدارة الحدود والقضاء على جميع أشكال التمييز، وتعزيز الخطاب العام المستند إلى الأدلة، من أجل التأثير في التصوّرات العامة عن الهجرة، باتّخاذ أفضل الممارسات والإجراءات والحلول لتسهيل الهجرة النظامية، وتيسير العودة الآمنة والكريمة والتّعاون لتحقيقيها... ولكن رغم التبني المعلن والممضَى عليه، فإن واقع الأطفال المهاجرين بشكل عام ما زال يعرف مشكلات كثيرة.
وللتذكير فإن الميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظّمة والنّظاميّة، دعا إلى العمل على بلوغ الأهداف المرسومة التي نصّت عليها الوثيقة التّفاهمية والبرنامج المرسوم للحدّ من هشاشة الأطفال المهاجرين المصحوبين وغير المصحوبين، والرّفع من جودة الخدمات الموجّهة لهم، ودعم العمل التّشاركي لفائدتهم بما يُمكّنُ من تحديد مسارات الوافدين وهويّة الأطفال ويحميهم من المخاطر التي تعترضهم أثناء مسار الهجرة، ويضمن لهم الحقّ في التغذية والصّحّة والتّعليم والحماية من كلّ أشكال الاستغلال.
لا تفوتنا الإشارة إلى أنَّ معالجة مشكلات الأطفال المهاجرين تشترط إلى جانب عناية الدول وتطوير التشريعات والالتزام بمضامين الاتفاقية الدولية حول الطفولة، وكذلك التجسيد التلقائي لمبدأ المصلحة الفضلى للطفل... كل هذا يستوجب أموالاً طائلة لتأمين التعهد.
بمعنى آخر فإنَّ الجهات المتسببة في الحروب وتدفع بالتوتر نحو حدوثها، مطلوب منها من باب تحمل المسؤولية تمويل المجهودات التي ستبذل من أجل معالجة أوضع أطفال قست عليهم الحروب ورمت بهم في مصائر مجهولة. ونظن أن نبرة المنظمات الدولية التي أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن أكثر الفئات هشاشة في العالم اليوم، يجب أن تكون عالية وأن تطالب المسؤولين عن هشاشة الأطفال المهاجرين الوحيدين بالحق في الإفلات من تدمير كامل لطفولتهم.
إن قضية الأطفال المهاجرين تمثل الجزء الأكثر قتامة في ملف المهاجرين غير النظاميين.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أطفال لكنَّهم مهاجرون أطفال لكنَّهم مهاجرون



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

بيروت ـ لبنان اليوم

GMT 15:41 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

أحذية مسطحة عصرية وأنيقة موضة هذا الموسم

GMT 18:14 2023 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل علب ظلال عيون لخريف 2023 وطريقة تطبيق مكياج خريفي ناعم

GMT 04:41 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

سلمى رشيد تتألق بعباءة حرير في آخر ظهور لها

GMT 21:12 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

العناية ببشرة العروس من خلال هذه الخطوات

GMT 01:31 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

هزة أرضية في بحر لبنان

GMT 15:39 2022 الخميس ,20 كانون الثاني / يناير

طريقة إزالة آثار الحبوب السوداء من الجسم

GMT 05:12 2022 الإثنين ,13 حزيران / يونيو

أفضل العطور الجذابة المناسبة للبحر

GMT 19:02 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

ساؤول يتطلع إلى استعادة أفضل مستوياته مع تشيلسي

GMT 20:53 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

المسرح الوطني اللبناني يحتفي باليوم العربي للمسرح
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon