الراية السياسية التي سيكون على أديب نوبل أن يحملها

الراية السياسية التي سيكون على أديب نوبل أن يحملها!

الراية السياسية التي سيكون على أديب نوبل أن يحملها!

 لبنان اليوم -

الراية السياسية التي سيكون على أديب نوبل أن يحملها

بقلم : سليمان جودة

اعتذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن خوض السباق الانتخابي الذي جرى في السادس والعشرين من الشهر الماضي، فصارت تُوصف في الإعلام بأنها المستشارة المنتهية ولايتها، وأصبحت تقف في انتظار تشكيل الحكومة الجديدة، لتنصرف إلى بيتها، حيث ستفكر هناك في لا شيء، على حد تعبيرها عندما سألوها عما ستفعله بعد المغادرة.
وفي هذا الشهر أعلنت لجنة جائزة نوبل في السويد، فوز الكاتب التنزاني عبد الرزاق غورنا بالجائزة في مجال الأدب.
والذين طالعوا شيئاً من سيرة غورنا، اكتشفوا أنه تنزاني من حيث النشأة وفقط، ومن حيث الأصول ولا شيء غير ذلك، لأنه إذا كان يخطو اليوم نحو الثالثة والسبعين من العمر، فلقد غادر أرخبيل زنجبار التنزاني في نهاية الستينات من القرن العشرين.
والمعنى أن وعيه تفتح في بريطانيا التي هاجر إليها في ذلك الزمان البعيد، ثم المعنى أيضاً أن تنزانيا بالنسبة له تبدو صورة شاحبة المعالم لا يكاد يظهر فيها ملمح واضح. ولكن هذا على كل حال يظل قصة أخرى، وهي قصة تطرح سؤالاً عما إذا كان من الممكن النظر إلى جائزته على أنها جائزة للقارة السمراء المتمثلة فيه، باعتباره واحداً من أبنائها الذين يتحدثون لغاتها المتعددة، أم أنها جائزة لبريطانيا التي يتكلم لغتها ويكتب بها منذ ما يزيد على نصف القرن؟!
سبب السؤال أن منصات إعلامية راحت تقارن بينه بعد فوزه، وبين نجيب محفوظ الذي حاز الجائزة نفسها في 1988، وكان أساس المقارنة أنهما ينتميان إلى أفريقيا، وأن مصر وتنزانيا يجمعهما حوض واحد في القارة هو حوض نهر النيل، وبينهما بالتالي أكثر من رابط على مستوى القارة والحوض، ولو توقفت المقارنة عند هذا الحد فلا مشكلة تقريباً.
المشكلة سوف تنشأ إذا كان أساس المقارنة هو انغماس كل واحد منهما في قضايا مجتمعه العريض بالدرجة نفسها، والكيفية ذاتها. هنا سوف لا تستقيم المقارنة، وسوف تكون غير متكافئة، لأن محفوظ الذي عاش 95 سنة، قضاها كلها في بلده فلم يغادره في حياته سوى ثلاث مرات، إحداها كانت إلى اليمن، والثانية جاءت إلى يوغوسلافيا، والثالثة كانت إلى لندن للعلاج، ولولا حاجته إلى العلاج لكان دفتر أسفاره قد اقتصر على اليمن ويوغوسلافيا اللذين زارهما شبه مضطر.
فأين هذا من عبد الرزاق الذي لم يبدأ الكتابة إلا بعد أن غادر بلاده، والذي يقيم في بلاد الإنجليز ولا يغادرها إلى بلده الأم، إلا لزيارة هي أقرب إلى زيارة السائح العابر منها إلى أي شيء آخر؟!
ومع ذلك، فليس هذا هو موضوعنا الأساسي، لأن الموضوع هو تلك الصلة الخفية التي جعلت مغادرة ميركل دار المستشارية تأتي في سبتمبر (أيلول)، وجعلت فوز غورنا يأتي في أكتوبر (تشرين الأول)، وجعلت ملفاً محدداً من الملفات الدولية المثارة هذه الأيام في أرجاء الأرض، يربط بينهما من دون سابق موعد وبغير سابق اتفاق.
وقد بدا الأمر في إطاره العام، وكأن الأقدار قد رتبت أن تسلم المستشارة المنتهية ولايتها أوراق الملف إلى أديب نوبل، الذي سيكون عليه أن يتولاه كما فعلت هي، أو على الأقل يحتفظ به في عهدته إلى أن يبعث الله له سياسياً أوروبياً آخر في قوة المستشارة المغادرة وفي بأسها!
الملف هو ملف الهجرة إلى أوروبا ولا ملف سواه، والذي لا تزال موجاته الأفريقية وغير الأفريقية تضرب أوروبا على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط.
ورغم أن ألمانيا لا تطل على هذا البحر، فإنها كانت تقريباً صاحبة النصيب الأكبر من المهاجرين الذين تدفقوا على أراضيها، وكان تدفقهم أو حتى السماح بعبورهم إلى أرض الألمان موضع خلاف كبير بين ميركل، وبين بقية الساسة في بلادها. كانت هي تتحمس لاستقبالهم، وترحب بوجودهم، وتصرف لهم المساعدات والإعانات، وتعمل على دمجهم في البلد وفي نسيجه العام، وكان الساسة المنافسون على الجانب الثاني لا يرحبون، ولا يشجعون، ولا يرون في المهاجرين ما يستدعي المساعدة، أو يستوجب الاستقبال والمساندة.
لم تكن المستشارة تتنازل عن رأيها، ولا كانت تتراجع عن سياستها المعلنة، وسواء كانت تفعل ذلك عن أسباب سياسية أو إنسانية، فإن الحصيلة كانت واحدة في الحالتين، وهي أن مهاجرين لجأوا إلى ألمانيا مرغمين، وأنهم صادفوا سياسية قوية مثل ميركل تحنو عليهم، وتتلقاهم، وتفتح أمامهم الأبواب!
وهناك بالطبع كثيرون يقدمون الأسباب السياسية على الإنسانية، عند تقييم السياسة الميركلية في هذا الملف، وهؤلاء الذين يرون هذا الرأي يبررون رأيهم فيقولون إن نسبة العجائز بين الألمان كبيرة، وأن الذين يستطيعون العمل بينهم قليلون، وأن ذلك كان يقلق المستشارة التي رأت في مجيء المهاجرين حلاً مؤقتاً يسعف سوق العمل إلى أن يكون في الإمكان حل آخر.
وهذه وجهة نظر صحيحة نظرياً، وهي منطقية في مجملها، والأرقام في التركيبة السكانية الألمانية تدعمها وتؤيدها، ولكن الحقيقة أن ميركل لم تتحدث فيها، ولم تتوقف عندها، وكانت تميل إلى الجانب الإنساني في الموضوع، إذا ما وجدت أن عليها أن تبرر ترحيبها بالمهاجرين.
ومن الوارد أنها كانت تهدف إلى شيء من وراء ترحيبها بهم، ثم تتحدث عن شيء آخر سواه عند الضرورة، ولكن ما يهمنا في القضية هو الظاهر منها، لا المختبئ في النوايا وراء الأستار.
وقد كشف غورنا بعد فوزه عن أنه يؤمن في الموضوع، بما تؤمن به المستشارة في مسألة المهاجرين بالضبط، فأطلق عبارتين كانت كل عبارة منهما كفيلة بأن تضعه إلى جوار ميركل رأساً برأس في نظر كل مهاجر، لولا أن أحداً لم يكن ينتبه إلى رأيه قبل أن تأتيه نوبل التي ركزت عليه الأضواء، وجعلت كل كلمة ينطق بها تأخذ طريقها إلى صدر الشاشات والصفحات!
قال في عبارتيه إن المهاجر يبقى ثروة في حد ذاته، وإنه لا يذهب إلى ألمانيا ولا إلى سواها من دول أوروبا فارغ اليدين، وإنما يذهب وعنده ما يقدمه بالفعل إلى البلد الذي يهاجر إليه، وإن هذه النظرة هي التي لا بد أن تحكم الأوروبيين إذا ما تطلعوا إلى أعداد المهاجرين.
ومن بعد ميركل حين تتشكل الحكومة الجديدة في برلين، سوف لا يجد المهاجرون أحداً من الساسة في القارة العجوز يتطلع إليهم كما كانت المستشارة تفعل، وسوف لا يكون في العالم صوت مسموع يتبنى هذه النظرة ويدافع عنها، اللهم إلا عبد الرزاق غورنا، ليس لأنه كاتب تنزاني أو حتى بريطاني، وإنما لأنه حائز نوبل التي ستعطيه أهمية منذ اليوم، وستعطي كلامه أهمية أيضاً، وستجعل ما يقوله محل إنصات سواء كان في قضية الهجرة أو في غيرها من القضايا.
هذا ما سوف يظل يربط بين السياسية الألمانية الشجاعة، وبين أديب نوبل الذي سيكون عليه أن يخلفها في شجاعتها، ثم في إيمانها بالقضية التي عاشت سنين تتحصن في موقع الدفاع عنها، وسيكون عليه أن يحمل رايتها إلى حين على المستوى السياسي بالمعنى المباشر، وسيكون ذلك مضافاً إلى المستوى الأدبي لديه كما عاش يفعل منذ أن بدأ يكتب!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الراية السياسية التي سيكون على أديب نوبل أن يحملها الراية السياسية التي سيكون على أديب نوبل أن يحملها



GMT 18:19 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

كرة ثلج شيعية ضد ثنائية الحزب والحركة!

GMT 17:28 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

مقتطفات السبت

GMT 17:26 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

سؤالان حول مسرحية فيينا

GMT 08:29 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس التعاون حقاً

GMT 08:28 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم هي «الحفرة اللبنانية»

كارمن بصيبص بإطلالات أنيقة تناسب السهرات الرمضانية

بيروت - لبنان اليوم

GMT 21:29 2023 الإثنين ,08 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الاثنين 8 مايو / آيار 2023

GMT 05:06 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 18 مارس/ آذار 2024

GMT 06:58 2024 الإثنين ,25 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 25 مارس/ آذار 2024

GMT 19:45 2023 الثلاثاء ,02 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 2 مايو/ أيار 2023

GMT 11:27 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تركز انشغالك هذا اليوم على الشؤون المالية

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 15:13 2022 السبت ,07 أيار / مايو

اتيكيت تقديم الطعام في المطاعم

GMT 07:15 2023 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

تخفيف الإجراءات الامنية في وسط بيروت

GMT 23:24 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

طريقة وضع المكياج على الشفاه للمناسبات

GMT 23:19 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

موضة المجوهرات الصيفية هذا الموسم

GMT 20:39 2023 الثلاثاء ,02 أيار / مايو

أبرز اتجاهات الموضة في حقائب اليد هذا الصيف

GMT 17:21 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

التنورة الماكسي موضة أساسية لصيف أنيق

GMT 22:46 2019 الخميس ,11 إبريل / نيسان

جوسيب يحقق رقمًا قياسيًا ويفوز بالذهبية

GMT 19:41 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وزير الرياضة المصري يستقبل رئيس نادي الفروسية

GMT 15:36 2023 السبت ,15 إبريل / نيسان

إتيكيت إهداء العطور النسائية

GMT 14:00 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

نصائح "فونغ شوي" لسكينة غرفة النوم

GMT 17:30 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon