«مِيمَات» حسام بدراوى

«مِيمَات» حسام بدراوى!

«مِيمَات» حسام بدراوى!

 لبنان اليوم -

«مِيمَات» حسام بدراوى

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

أرجو ألا تستغرب عزيزى القارئ من عنوان هذا المقال، فهو مستمد من عنوان كتاب للدكتور حسام بدراوى - الطبيب والسياسى والبرلمانى وخبير التعليم والصحة والأكاديمى الذى لا يشق له غبار وأحد رواد العمل الأهلى، ولمن لا يعرف الرسام التشكيلى والموسيقى وكاتب الشعر وربما أمور أخرى لا أعرفها- بعنوان «أنا والمِيمَات (بكسر الميم الأولى وفتح الثانية) من التكوين إلى الحلم». الكتاب صادر عن دار المحروسة، ويشكل إضافة تطبيقية لنظرية التطور الطبيعى للفكر هذه المرة وليس للإنسان. وحتى لا تطول حيرة القارئ كما انتابتنى الحيرة حينما قرأت العنوان لأول مرة، فربما أعيد التذكير بمقال كتبته عن كتاب الدبلوماسى جمال أبوالحسن «300 ألف عام من الخوف» والذى شرح لنا فيه كيف تطور الإنسان خارجًا من المملكة الحيوانية من خلال «شيفرات» أو Codes خلقت «الأبجدية» و«الأعداد» والمعرفة بالزمن، وهلم جرا من أمور معرفية يجرى التوافق عليها بين البشر وتنتشر بينهم، فينشأ معها التواصل وتكوين الجماعة والجماعات، ومنهم يصير تاريخ الأمم والإنسانية جمعاء. الكتاب هذه المرة يضيف الفكر والأفكار إلى الجين أو الجينات، حيث «التطور الثقافى» لا يقل تعقيدا وتركيبا، وحيث المنبع ليس «داروين» وإنما العالم والمفكر البريطانى «ريتشارد ديكنز» الذى أسس لهذه المدرسة. يقول البدراوى: «تعمقت ووجدت أن الأفكار تشبه فعلًا الجينات؛ فالجينات تحمل معلومة وراثية بداخلها، تتناقل، وتتكاثر، كما تحمل الأفكار معلومات ومعرفة تتناقل وتتكاثر، ولكن بوسائل مختلفة». «الميمات تساوى الجينات»، ومثلها تخضع لنفس القواعد الداروينية: التكاثر، والطفرات، والانتقاء الطبيعى (البقاء للأصلح)، ومنها يوجد علم «الميمياء» أو memetics، «والذى قد يكون أساس علم تطور المعارف والأفكار الإنسانية وتفسيرها».

شهادتى فى كتب د. حسام بدراوى مجروحة، بحكم الصداقة والزمالة فى محافل كثيرة على مدى ربع قرن تقريبًا، فيها الكثير من العيش والملح والنقاش الذى لا يتوقف؛ ولكن هذا الكتاب تحديدا فيه خلطة عجيبة من النظرية والتطبيق. فهو يأخذ النظرية إلى ثلاثة معامل تطبيقية: أولها: أنه يأخذها إلى ساحة شخصياتٍ إنتاجُها الفكرى ذائعٌ وجادٌّ وعميقٌ وأثّر فى فكر وأداء جيلنا كثيرًا، وتتمتع بالاحترام الشخصى الناجم عن العلاقة الشخصية والقراءة المتعمقة. اثنان منهما لهما صفات أكبر من الفكر والتطبيق: النبى محمد، صلوات الله وسلامه عليه؛ ووالده طيب الذكر والتاريخ. ما بعد ذلك شخصيات سبق التعرض لفكرها فى مقالات «المصرى اليوم» وغيرها، «على بن أبى طالب»، و«الأستاذ العقاد»، و«الأستاذ خالد محمد خالد»، «الأستاذ إحسان عبدالقدوس»، «الإمام محمد عبده»، «جبران خليل جبران»، «طه حسين» التنوير ونور البصيرة، و«زكى نجيب محمود». وثانيهما: معمل شباب «الحالمين بالغد»، حيث يقوم البدراوى بمهمة «سقراطية» فى مناقشة قضايا فكرية وعملية مع شباب اليوم، وفيها تكون «ميمات» التنوير حاضرة ومثيرة ومستفزة أحيانا للتفكير والتعلم. وثالثها: معمل أفكار محددة عن السعادة وإشكالية العلم والإيمان، يجرى فيها الاختبار والنظر مع حزمة أخرى من الأفكار الوجودية.

الكتاب هكذا شبكة من المعرفة والتنظير والسيرة الشخصية للمؤلف، التى هى من التعقيد والانتشار فيها ما يكفى عدة كتب.

شخصيًّا، كنتُ أُفضّل الفصل بين كل ذلك والتأكيد أكثر على تطور «الميمات» وكيف انتقلت من جيل فكرى إلى آخر كما فعل من قبل د. لويس عوض عندما أعاد كل الفكر المصرى فى القرن العشرين ومن اليمين إلى اليسار إلى أصوله الأولى عند رفاعة رافع الطهطاوى فى القرن التاسع عشر، باعتباره رائد التنوير الأول والناقل إلى الفكرة والأفكار الأوروبية. تناوُل الكاتب للشخصيات التى تناولها صورت «الميمات» عند مراحل مختلفة من التطور المصرى. ولكن ما غاب كان الواقع الحالى للفكر المصرى الذى عاشه ويعيشه د. حسام بدراوى، فكما فعل آخرون كُثر، فإن حياة الفكر المصرى توقفت عند جيل الأربعينيات من القرن العشرين. الحقيقة الكبرى التى كانت سوف تجعل الكتاب فاتحًا لعالم جديد يشهد مجالًا جديدًا للمعرفة من كُتاب ورواة وفلاسفة مصريين ينتمون إلى عالمنا الحالى، فيمكن إدراك التواصل والتغيير والطفرة فى مكانها وزمانها.

صحيح أن الحوار مع «الحالمون بالغد» يُغنى المعرفة بالميمات الذائعة فى الأجيال الحالية، ولكن ذلك يعطى بعضًا من ميمات «التفكير»، ولكن ميمات «الفكر» هى أمر آخر.. وعلى الأغلب، فإنه يسجل فى كتب وروايات وأعمال أدبية وفلسفية يجرى الحوار والجدل حولها.

الكتاب فى كل الأحوال ممتع، وفيه مغامرة الحديث عن الجمال، ومناقشة بعض القضايا الأزلية عن المسير والمخير، والأزمان والأديان.. وأكثر من ذلك فإنه يضيف لوحات فنية باهرة للمؤلف فيكون الكتاب فكرًا ومعرضًا فنيًا فى نفس الوقت.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«مِيمَات» حسام بدراوى «مِيمَات» حسام بدراوى



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:05 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 00:08 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

وزارة الصحة التونسية توقف نشاط الرابطة الأولى

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 23:44 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

مارادونا وكوبي براينت أبرز نجوم الرياضة المفارقين في 2020

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 11:03 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

إتيكيت طلب يد العروس

GMT 10:04 2021 الإثنين ,10 أيار / مايو

الهلال السعودي يحتفل بمئوية جوميز

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك

GMT 17:41 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon