حتى لا يكون هناك إخفاق عربي آخر

حتى لا يكون هناك إخفاق عربي آخر؟!

حتى لا يكون هناك إخفاق عربي آخر؟!

 لبنان اليوم -

حتى لا يكون هناك إخفاق عربي آخر

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

كان جيمس روزناو هو الذي وضع القانون العام لحركة الدول والمجتمعات في أعقاب انتهاء الحرب الباردة في مطلع تسعينات القرن الماضي، بأنها سوف تتراوح ما بين «الاندماج» Integration و«التفكيك»Disintegration . وكان النموذج الأوروبي شاهداً على الاندماج والتكامل بين شعوب وقبائل وأمم ودول تحاربت على مدى التاريخ، وكان تفكيك الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا وغيرهما شاهداً على عجز القدرة على إدارة التنوع والتعددية في المجتمع والدولة. ولكن بعد مضي 3 عقود تقريباً، ومرور نفس الفترة بعد إعلان فرانسيس فوكاياما عن «نهاية التاريخ» وسيادة الليبرالية الرأسمالية على العالم، فإن المسألة الآن تبدو أكثر تعقيداً من أي وقت مضي. فالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي بدأ مرحلة للتفكيك لم تكن متوقعة، والفجوة التي خلقها الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترمب مع حلفاء الولايات المتحدة عبر الأطلنطي ثم الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، كل ذلك خلق ظرفاً لمراجعة النظام العالمي، كان من أركانها نشوب الأزمة - الحرب الأوكرانية.
وفي العالم العربي كانت المدرسة القومية في الفكر السياسي منذ خمسينات القرن الماضي تقوم على أن الصلات التي ترتبها العلاقة مع «الوطن العربي» ينبغي لها أن تتفوق على كل الأبعاد القطرية التي أخذت تتصاعد في الدول العربية المستقلة، خاصة ما تعلق منها بالمصالح «القومية - الوطنية». ولما كان ذلك صعباً، فقد عمدت المدرسة القومية إلى دعم الروابط «القومية»، ومنها كان الاهتمام باللغة والثقافة والتاريخ «المشترك» والمصالح المشتركة.
وفي هذه المدرسة، يصير التأكيد على «الخطر» المشترك ممارسة يومية، ويصبح في مقدمة هذه الأخطار السعي من قبل أنواع من «الأعداء» لتفتيت الأمة. ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن ينكر الفكر «القومي» تماماً فكرة التمايزات بين الدول العربية، وخلق آليات التنشئة السياسية التي تقوم بتخريج القوميين المتحمسين من الأطياف كافة.
النتيجة كانت ما أسماه عالم السياسة الأميركي مالكولم كير بالحرب الباردة العربية التي كانت من ناحية انعكاساً للحرب الباردة العالمية بين الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب والاتحاد السوفياتي وأنصاره في الشرق. في مثل هذه الحرب، لعب الإعلام دوراً مؤثراً في تدمير كل ما يربط العرب بعضهم ببعض من خلال المزايدة والمناقصة على أمور شتى، كان في مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي. دخلت إذاعات وصحافة العواصم العربية في مسابقات الحكم على الوطنية والقومية للنخب العربية في البلدان الأخرى. وعندما جرت هزيمة يونيو (حزيران) 1967. ومن بعدها انتصار أكتوبر (تشرين الأول)، جرت الهدنة التي ظللتها أشكال من التعاضد، ولكنها لم تلبث أن تحولت إلى انقسام وحرب إعلامية أخرى بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وبلغت قسوتها مداها عندما خرجت الجامعة العربية من القاهرة. كان ذلك هو الوقت الذي دخلت فيه العراق في حرب مع إيران وبعد 8 سنوات من الحرب قاد «النصر العراقي» إلى غزو الكويت.
القصة بعد ذلك معروفة، فقد انفض السامر القومي، وسادت أشكال من العلاقات الثنائية التي تتقارب وتتباعد حسب الظروف التي زادتها تعقيداً العولمة والتطور التكنولوجي، ولكن الصدمة الكبرى جاءت فيما بعد العقد الأول من القرن الواحد والعشرين بما سمي «الربيع العربي»، مشكلاً صدمة كبيرة، قوامها أمران؛ أن ما سبق من نظم وطنية لا يمكن له أن يستمر كما كان، وأن هناك حاجة ماسة إلى مشروع آخر يقود إلى الأمام حيث الدول والعالم المتقدم. الطريق إلى هذا المشروع الأخير لم يكن سهلاً، فقد انفجر الإقليم العربي على نفسه بسلسلة من العنف والإرهاب والحروب الأهلية والتوترات الداخلية، وكلها سمحت لقوى إقليمية أن تخترق وأن تضرب وتفجر. القصة الإيرانية معروفة في هذا الصدد بالهيمنة على العراق وسوريا ولبنان واليمن. والقصة الإسرائيلية معروفة أيضاً حينما تسارع الاستيطان الإسرائيلي وتغيرت الحكومات الإسرائيلية حتى أعلنت عن رفضها لحل الدولتين، وتطبيق اتفاقيات أوسلو، و«الأرض مقابل السلام»، حتى وصلنا إلى اللحظة الراهنة حيث تسود قاعدة «السلام مقابل السلام». ولكن الدولة العربية القطرية لم تكن ساكنة، وحول عام 2015 تجاوزت الحركات الإصلاحية العربية قدرات جماعة «الإخوان المسلمين» وتابعيهم من المنظمات الإرهابية لكي تضع على رأس أولوياتها بناء الدولة العصرية، التي ليس من واجباتها كما ذكر الخديوي إسماعيل أن تكون مصر «جزءاً من أوروبا»، وإنما أن تخرج من المنطقة العربية الإصلاحية «أوروبا جديدة». وإذا كانت القارة الأوروبية قد قادت العصر الحديث، والقارة الآسيوية قد أصبحت رائدة في التاريخ المعاصر حتى بات رؤساء أميركيون يعلنون أن آسيا هي الجهة التي يذهبون إليها والمقصد الذي يسعون إليه، فإن الفكرة الجوهرية هنا هي لماذا لا يكون العالم العربي قاعدة للتقدم الجديد في العالم؟
الفكرة هكذا تقوم أولاً على الإصلاح العميق القائم على الدولة الوطنية، واختراق إقليم الدولة بالتنمية، والتعاون الإقليمي بين المصالح المشتركة في الأمن، والسوق، والأفكار العصرية. وثانياً على توجهات إقليمية ودولية عاقلة ورشيدة تقوم فيه كل دولة بما تستطيع القيام به وفق ظروفها الخاصة. ولكن الأفكار الكبرى يصبح عليها دائماً أن تتحصن وتحمي نفسها من التآكل الذاتي الذي ألم بالفكرة القومية السابقة في ستينات القرن الماضي، التي نتج عنها ما جرى من كوارث ومآسٍ. الثابت أن هناك قوى إقليمية، ومنظمات كبيرة عابرة للقارات كلها تريد تقويض أفكار الإصلاح العربي، وأنها تضع الاستراتيجيات التي تستخدم وسائط التكنولوجيات الحديثة، وأدوات التواصل الاجتماعي، وأشكالاً من السفهاء والإعلام من أجل زرع الفرقة، معتمدة في ذلك على خلق منافسات بين الدول العربية.
التقدير هنا هو أن القيادات العربية الراهنة لن تقع في هذا الفخ، وأنها مدركة أن عمليات الإصلاح في ذاتها ليست سلسة في ظل ظروف دولية وإقليمية معقدة، لا تخلق أزمات في الطاقة والغذاء فقط، ولكنها تخلق أيضاً فرصاً جديدة لم تعرفها الأجيال العربية من قبل. هي فرص أكثر رحابة من قبل، ليس فقط لأنها تدرك رحابة واتساع الإقليم العربي، وقابليته للتوسع في الزراعة والصناعة والخدمات، ولكنه أكثر من ذلك، يمكنه تحقيق التعاون والمشاركة على أساس من مصالح الدولة الوطنية. من المفهوم أن جزءاً من النزعة الوطنية يقوم على «الخيلاء» والإحساس بالتفرد، ولكن خلال الشهور الماضية فقط علمتنا الشعوب العربية أن كل خير في بلد عربي هو كذلك واقع لكل الدول العربية. ظهر ذلك بقوة إبان انعقاد كأس العالم في كرة القدم بالدوحة، وعندما شكرت صديقاً مغربياً على المساندة للنادي الأهلي المصري المشارك في كأس العالم للأندية في الرباط، كان رده؛ وهل ننسي موقف الجماهير العربية من الفريق المغربي خلال كأس العالم؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى لا يكون هناك إخفاق عربي آخر حتى لا يكون هناك إخفاق عربي آخر



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:05 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 00:08 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

وزارة الصحة التونسية توقف نشاط الرابطة الأولى

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 23:44 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

مارادونا وكوبي براينت أبرز نجوم الرياضة المفارقين في 2020

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 11:03 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

إتيكيت طلب يد العروس

GMT 10:04 2021 الإثنين ,10 أيار / مايو

الهلال السعودي يحتفل بمئوية جوميز

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك

GMT 17:41 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon