لبنان ماكرون وتكريس الغلبة

لبنان... ماكرون وتكريس الغلبة

لبنان... ماكرون وتكريس الغلبة

 لبنان اليوم -

لبنان ماكرون وتكريس الغلبة

مصطفى فحص
بقلم: مصطفى فحص

تجاوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جميع المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي جرت في لبنان منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وحافظ على قراءة فرنسية تقليدية لتركيبة السلطة في لبنان تجاوز عمرها المائة عام، التمسك الفرنسي بطبيعة الحكم في لبنان وتسوياته التقليدية القائمة على مساومة بين الجماعات الطائفية، أوقعته بأخطاء التقدير عندما عاد ومنح المنظومة الحاكمة فرصة للخروج من مأزقها بعد كارثة الرابع من أغسطس (آب).

مما لا شك فيه أن المبادرة الفرنسية أنقذت طبقة حاكمة من المفترض أن تُحاسب على جريمة المرفأ، كما أنقذ «حزب الله» شركاءه في السلطة، بعدما أعلن عن عدائه الكامل لانتفاضة «تشرين»، التي كانت قاب قوسين أو أدنى من فرض معادلة جديدة على الحياة السياسية، لولا الخطوط الحمر التي فرضها نصر الله حمايةً لما يسمى العهد.

في زيارته الثانية منح ماكرون صاحب العهد تعهداً ببقائه في قصر بعبدا حتى نهاية ولايته، وأعطى المنظومة الحاكمة ما يكفي من وقت حتى تعيد ترتيب صفوفها وتستعيد قوتها بعدما قطع الطريق على المطالب بانتخابات نيابية مبكرة، مقابل أن تقبل هذه الطبقة بوديعته الحكومية، وأن تسهّل تشكيلها، وتتنازل مؤقتاً عن امتيازاتها حتى يتسنى للمكلف التوصل إلى تشكيلة مقنعة داخلياً وخارجياً تتيح لباريس امتلاك ورقة رابحة أمام المشككين بفُرص نجاحها.

عملياً نجحت باريس في فرض التكليف، لكنها فشلت حتى الآن في تمرير التشكيل، الذي اصطدم بشروط وضعتها قوى سياسية تحاول الحفاظ على قواعد حكومية انتزعتها بعد تفاهم الدوحة، الذي جاء عقب اجتياح «حزب الله» بيروت في 7 مايو (أيار) 2008، وفي مقدمتها ما بات يُعرف بالثلث المعطّل الذي يضمن لـ«حزب الله» وحلفائه تعطيل قرارات الحكومة، وتكريس الشراكة الكاملة في التشكيل على حساب صلاحيات رئيس الوزراء المعني الوحيد دستورياً بهذه المهمة. والذي يواجه الآن تمسك الثنائي الشيعي بوزارة المالية، بوصفها الإمضاء الشيعي الذي يمنحها شراكة متوازنة في السلطة التنفيذية، وقد أخذ رئيس حركة «أمل» نبيه بري وهو يشغل منصب رئيس مجلس النواب على عاتقه، إعطاء هذا الشرط شرعية دستورية في مخالفة صريحة لـ«الطائف».

في وثيقة «الطائف» التي نقلت الصلاحيات التنفيذية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، أكَّدت في بنودها المداورة بين الوزارات وعدم احتكار أي جماعة لبنانية لمنصب وزاري، ولكنها شدَّدت على الالتزام في المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، والجدير ذكره أنه منذ نهاية الحرب الأهلية مرّ على وزارة المالية 19 وزيراً 7 منهم فقط شيعة. وهذا ما يفتح باب التكهنات حول موقف الثنائي المستجد من التشكيل وانقلابها على المبادرة الفرنسية، وتلويحها مجدداً بالميثاقية والشارع من أجل حماية نفوذها. فالثنائية الشيعية التي خسرت فرصة انتزاع المثالثة بعد انتفاضة تشرين، لن تساوم على نفوذها وامتيازاتها تحت ضغوط تداعيات انفجار 4 أغسطس.

عملياً بعد العقوبات الأميركية الأخيرة التي استهدفت المعاون السياسي لنبيه بري وزير المالية السابق علي حسن خليل، والتخوف من عقوبات قد تطال عائلة بري أو مقربين منه، اندفعت الثنائية إلى التشدد، والتراجع عن تعهداتها تسهيل تشكيل الحكومة، وفرض شروط موازية للشروط الفرنسية أدَّت إلى تعطيل مشروع ماكرون ووضعه أمام خيارات صعبة، إذا أقرّ بها فإنَّه سيكرس غلبة «حزب الله» والخضوع لفائض قوته، ويدخل في أزمة مع الداخل والخارج، وإذا قرر تجاوزها فإنه سيُواجَه ببدعة الميثاقية المحمية بالقمصان السود.

جناية ماكرون أنه وضع اللبنانيين بين خيارين: الغلبة أو الفوضى، وبسبب استعجاله، وضع رصيده السياسي في امتحان صعب، ووضع اللبنانيين أمام احتمالات أصعب، فالرضوخ الفرنسي لشروط «حزب الله» هو ترسيخ دولي لهيمنته على القرار اللبناني، أما رفضها فيعني أن «حزب الله» سيلجأ إلى استخدام أوراق قوة بوجه الداخل من أجل تطويع الخارج، ومقايضة الاستقرار بالسياسة والسياسة بالصفقات، والصفقات بمصالحه الخاصة وتعزيز معادلة الرابح دائماً.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان ماكرون وتكريس الغلبة لبنان ماكرون وتكريس الغلبة



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 22:08 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

حملة ميو ميو لصيف 2021 تصوّر المرأة من جوانبها المختلفة

GMT 15:01 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 يضرب منطقة شينجيانج الصينية

GMT 12:38 2020 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزيرة الإماراتي يجدد عقد خليفة الحمادي 5 مواسم

GMT 18:03 2021 الجمعة ,17 كانون الأول / ديسمبر

تصاميم ساعات بميناء من عرق اللؤلؤ الأسود لجميع المناسبات

GMT 14:06 2023 الإثنين ,03 إبريل / نيسان

إتيكيت عرض الزواج

GMT 19:33 2022 السبت ,07 أيار / مايو

البنطلون الأبيض لإطلالة مريحة وأنيقة

GMT 11:29 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

أعشاب تساعد على خفض الكوليسترول خلال فصل الصيف

GMT 10:06 2022 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار الأحذية النود المناسبة

GMT 11:21 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

نجم تشيلسي أندي تاونسند يعتقد أن صلاح فقد الشغف
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon