حكمة الله

حكمة الله

حكمة الله

 لبنان اليوم -

حكمة الله

عمرو الشوبكي

قال لى مرة إنه قابلنى أثناء فترة الدراسة، إلا أننى أتذكر أن معرفتى بخالد السرجانى تمتد لما يقرب من ثلاثة عقود، وبعد تخرجنا من الجامعة فى منتصف الثمانينيات.

خالد ابن الأسرة البورسعيدية الثرية الذى اختار أن يبنى نفسه بنفسه ويعيش حياة بسيطة فى القاهرة، فكتب فى صحف كثيرة من الدستور حتى «المصرى اليوم» ومن الوطن حتى الشروق، وبقى فى الأهرام العدد الأكبر من السنوات.

حين عرفت «خالد» كنا جميعا نبحث عن موطئ قدم ومكان نعمل فيه منذ بدايات التسعينيات حين كنت أنزل فى إجازات أثناء فترة دراستى فى فرنسا، ولم نكن نترك مقهى فى وسط البلد إلا وكنا نلتقى فيه قبل أن يلم عبدالله السناوى شمل خالد وجزء من الشلة فى أحد مقاهى الزمالك.

خالد كان صاحب موقف نقدى من الحياة، والسياسة والاقتصاد، وتجاه الصحافة والصحفيين، ولم يكن من هؤلاء الذين ينتقدون كل الناس إلا أبناء جلدتهم فلم يعتبر الصحفيين على رأسهم ريشة لا يستحقون النقد، وكثيرا ما انتقد حال المؤسسات الصحفية العامة والخاصة، ودفع ثمناً لمواقفه المستقلة، ولم يسع لأى سلطة أو مال، ولم يستطع أحد أن يوجه قلمه فى أى اتجاه إلا ما يمليه عليه ضميره المهنى ورؤيته.

خالد كان مثقفا موسوعيا نادرا فهو ليس من جيل «الوجبات السريعة» من الصحفيين و«الأخبار المضروبة»، إنما هو مثقف حقيقى بكل ما تعنيه الكلمة، وقارئ نهم وصاحب رؤية نقدية عميقة.

أذكر أننى رأيته فى منتصف التسعينيات فى المركز الثقافى الفرنسى، وكنت أتردد عليه لكى أحصل على دبلومة ترجمة، وقال لى أنا أدرس اللغة الفرنسية «يعنى مش إنت لوحدك» وتصورت أنه سيقضى شهرا أو شهرين وسينتهى الأمر، ولكنه وصل حتى آخر مستوى وحصل على شهادة إلمام باللغة الفرنسية وسط دهشتنا جميعا ودهشة كل أصدقائه.

خالد لم يدهشنا فقط فى حياته إنما أدهشنا وصدمنا وآلمنا بوفاته المفاجئة وهى حكمة من الله سبحانة وتعالى لا يد لنا فيها ولا رد، فالرجل دعانا إلى عقد قرانه فى مسجد الرحمن الرحيم يوم الجمعة الماضى، وأرسل لى أكثر من رسالة: «أذكرك بموعد عقد قرانى يوم الجمعة 5 سبتمبر فى تمام الساعة 11»، واتصل بى تليفونيا ليؤكد ضرورة الحضور، وحين وصلت للمسجد وجدت كل أصدقائنا المشتركين، وبدأ جمال فهمى بالتعليق ساخرا أنت بتقول إنه كلمك لكى يؤكد عليك الحضور أنا كان بيقول لى كل يوم ونحن جالسين فى المقهى «لا تنس عقد القران لا تنس لا تنس». وقد فعل ذلك مع الجميع ولذا لم يكن غريبا أن أجد كل أصدقاء خالد منذ عقود طويلة: نبيل عبدالفتاح، ضياء رشوان، إبراهيم منصور، يحيى قلاش، عماد جاد، مجدى صبحى، جورج إسحاق، محمد عبدالهادى، رجاء الميرغنى، ضياء حسنى، جمال كشكى، وآخرين.

ودخل خالد من باب المسجد ومعه عروسه ولم أر وجهه مشرقاً ونورانياً مثل هذه المرة وبدلاً من أن يتجه إلى المنصة كما هو متعارف عليه ليبدأ المأذون فى إجراءات عقد القران اتجه نحو أصدقائه وقبلنا وحضنا واحداً واحداً فى مشهد لن أنساه ما حييت.

كان ذلك فى الواحدة صباح السبت، وحدثت الوفاة فى الواحدة ظهر السبت على إثر أزمة قلبية مفاجئة، هكذا اختار خالد السرجانى أن يودعنا قبل موته، كما قال لى إبراهيم منصور باكياً حين أصر على حضورنا، وحين أصر على أن يودعنا واحداً واحداً.

رحم الله صديقنا الغالى خالد السرجانى.

 

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكمة الله حكمة الله



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 11:59 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

يتحدث هذا اليوم عن مغازلة في محيط عملك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 14:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:04 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 04:58 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon